صدى العرب : ابتسام البغدادية (طباعة)
ابتسام البغدادية
آخر تحديث: الأربعاء 20/12/2017 01:10 م
السفير: خليل الذوادي السفير: خليل الذوادي

كان طلبة البحرين الذين يدرسون في الجامعات العراقية، وتحديدا جامعة بغداد يذكرون لنا إن العراقيين عندما يصادفون طالبا عربيا يدرس في جامعاتهم يقولون واصفين له: «خطية طالب عربي» وكانوا يعنون بذلك إن هذا الطالب قد ترك وطنه وأهله وأصدقاءه، وجاء لطلب العلم في العراق فاستحق عندهم أن يكرم وينزل المنزلة اللائقة به وأن يتم التعاطف معه وربما إيوائه وتقديم كل العون والمساعدة له فقد شعر أولئك العرب الأصلاء أن كل وطن عربي هو بيت وسكن لأي مواطن عربي من المحيط إلى الخليج العربي.. هذا الشعور العروبي وجدناه في كل الأقطار العربية التي تسنى لنا زيارتها، وهو شعور نابع من إحساس العربي بأنه لا غنى له عن أخيه العربي مهما قست الظروف وأدلهمت الخطوب وتكالبت علينا قوى الشر والبغي والعدوان.

شاءت الظروف أن أزور بغداد مؤخرا لاجتماع الأمانة العامة والمكتب الدائم للاتحاد العام للصحفيين العرب ببغداد (مؤتمر بغداد الإعلامي للتضامن مع وحدة العراق وانتصاراته في الفترة من 7-11 ديسمبر 2017م) ممثلا عن جامعة الدول العربية وأمينها العام معالي السيد أحمد أبوالغيط، وكان مؤتمرا ضم نخبة من رؤساء التحرير والكتاب والصحفيين العرب بالإضافة إلى إعلاميين وصحفيين عالميين استضافتهم نقابة الصحفيين العراقيين والنقيب مؤيد اللامي نقيب الصحفيين العراقيين ورئيس اتحاد الصحفيين العرب.

من ضمن برنامج الزيارة قمنا يوم الجمعة 8 ديسمبر 2017م بزيارة إلى شارع المتنبي، وهو شارع يمكن أن نطلق عليه شارع الأدب والثقافة العراقية، يزدحم هذا الشارع أسبوعيا، ويعكس الطيف العراقي وتلاوينه من مختلف الأديان والمذاهب والانتماءات السياسية والعرقية ومختلف الأعمار السنية والجندرية، فهذه كتب التراث، وهذه كتب الفكر والثقافة والأدب لكبار الكتاب العراقيين والعرب، ومن الناحية الأخرى مواد تراثية تعكس فترات من تاريخ العراق وكلها معروضة للبيع في دكاكين تذكرنا بدكاكين الأزبكية بمصر والأسواق القديمة في تونس والمغرب والجزائر وسوريا ولبنان، وما كنا نطلق عليه في البحرين بسوق الحراج «المقاصيص» ويضم هذا السوق أيضا مقاهي للشعراء والأدباء والكتاب وهم يحتسون الشاي العراقي المعد على الفحم. وفي نهاية هذا الشارع يقف شامخا تمثال الشاعر أبوالطيب المتنبي أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي (303 هـ - 354هـ) (915م 965م) مطلا على نهر دجلة ومذيلا ببيته الشعري 

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي

وأسمعت كلماتي من به صمم

(وكان المتنبي صاحب كبرياء وشجاعة وطموح ومحب للمغامرات وكان في شعره يعتز بعروبته).

ومن أبيات هذه القصيدة:

أنام ملء جفوني عن شواردها

ويسهر الخلق جراها ويختصم

فكان اختيار تمثال المتنبي بالقرب من شارع الرشيد الذي عمله النحات العراقي محمد غني حكمت الملقب بشيخ النحاتين (1929-2011م) الاختيار كان رمزيا وموفقا فأبو الطيب يعتبر من شعراء العرب المميزين الذين يستشهد بأقوالهم وأبياتهم في كل أوان وحين.

وكانت الجولة تشعرنا بدفء أهل العراق وحبهم لأخوتهم العرب حتى قادتنا الجولة إلى المركز الثقافي بشارع المتنبي وإذا بفتاة في مقتبل العمر تبيع بعض ما تصنعه بيديها من حلي ومجوهرات وأساور وسبح والإكسسوارات فتوقفنا عند هذا الإبداع من فتاة أبت إلا أن تسترزق وتواجه متطلبات الحياة بما تصنع يديها الكريمتين من مواد هي تجذب المتعلقين بالأعمال اليدوية التي فيها الصدق والاتقان والمزاج الثقافي الراقي.

ولفتت نظري «مسبحة من الفيروز» من بين ما صنعته هذه الفتاة من سبح متعددة فقلت لها إنني سأقتني هذه المسبحة فكم تطلبين فيها، فنظرت إلى بنظرة فيها أكثر من تساؤل، وكان من بين سؤالها بلهجة عراقية بغدادية «يابا انتوا من وين؟!» فقلت لها أنا من مملكة البحرين وهؤلاء أصدقائي من سلطنة عمان، فقالت «أهلا وسهلا بإخوتنا العرب، يابا أنت ضيفي وضيوف العراق، وهذه السبحة هي هداية مني إلك». فقلت لها لا يا ابنتي هي حقك وتعبك وتقديرا مني لجهدك عشقت هذه السبحة الفيروز، فقالت: وهل ترفض الهدية من مواطنة عراقية؟! فاسقط في يدي وتبرع أحد المرافقين معنا من إخوتنا العراقيين وطلب بأن يدفع هو ثمن المسبحة الفيروز فقالت له: وهل تكون أحسن مني؟!. فشكرتها وأثنيت على كرمها ولطفها وكذلك فعل من كان معي، واستأذنتها في أن أكتب عنها، لأن لفتتها الكريمة تنم عن طيب ومعدن إخوتنا العرب العراقيين...

وعندما تأخذك رجلاك إلى أحد المقاهي وتحتسي الشاي ويعرفون أنك عربي فلا تفكر أن تدفع قيمة هذا الشاي لأن ذلك جزء من كرم أهل العراق وعربونا للتعارف.

العراق جزء من أمته العربية والعراقيون أصحاب حضارة ممتدة منذ سبعة آلاف سنة قبل الميلاد، كان من هم الشعراء والأدباء وأصحاب الفكر والعلماء، والعرب يعرفون مكانة العراق في تاريخهم ونفوسهم، كما يعرف العراقيون مكانة أمتهم العربية... تمر الشعوب والبلدان بمنعطفات ومنعرجات كثيرة وتتعرض لنكسات ومآسٍ ولحظات ضعف وقوة، ولكن تبقى الشعوب محبة للخير، مؤمنة بالبقاء واثقة من قدراتها على تجاوز المحن والعقبات والمؤامرات وتبقى الأوطان عزيزة في نفوس أبنائها يدافعون عنها ويبذلون الغالي والنفيس من أجل عزتها ومنعتها وتجاوزها لكل سلبيات الحياة...

نحن أمة عربية تمرض ولا تموت وثقتنا بأنفسنا وقدراتنا وسعينا للتكاتف والتآزر طريقنا لتجاوز كل التحديات التي تقف في وجوهنا، والعرب أينما كانوا لا غنى لهم عن بعضهم بعضا، وتبقى أوطاننا عربية الشعور والانتماء والهوية طال الزمان أم قصر.

فتحية لابتسام البغدادية التي عبرت عن شعور دفين بالعروبة وانتماء وولاء ومحبة. 

وعلى الخير والمحبة نلتقي