صدى العرب : هويتنا ولغتنا العربية: هل تضيع مثل قضايانا ؟؟؟ (طباعة)
هويتنا ولغتنا العربية: هل تضيع مثل قضايانا ؟؟؟
آخر تحديث: الجمعة 15/12/2017 03:52 م
أحمد المرشد أحمد المرشد
 

لم يعد غريبا الاعتماد علي عالم السوشيل ميديا في كافة قضايانا الراهنة سواء المحلية أو العربية أو الدولية، فتلك الميديا المجانية قلبت العالم رأسا علي عقب، ولم يعد هناك أي حادث يمر مرور الكرام حتي أن الحكومات أصبحت تعمل حسابا شديدا لهذا العالم المنفتح، بل وتترقب الحكومات ردود فعله قبل وبعد اتخاذ أي قرار..مناسبة هذا الكلام هو قرار الرئيس الأمريكي رونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية اليها من مقرها الحالي في تل أبيب، وهو القرار الصادم للعالمين العربي والإسلامي، و كل المجتمع الدولي لو شئنا الدقة، فالقرار لم يسعد سوي إسرائيل، رغم أن أضرارا كثيرة ستلحق بالدولة العبرية من جراء هذا القرار الأمريكي المنفرد والمخالف لكافة الأعراف والمواثيق والقرارات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
 
ومن بين آلاف البوستات التي تناولتها السوشيال ميديا تعقيبا وتعليقا علي قرار ترامب، إذهلني مقطع مرئي لمواطنة سورية يبدو أنها غير مسلمة ولكنها غيورة علي القدس أكثر من معظم المسلمين أنفسهم، وقد بدت الفتاة في غاية القسوة والحدة وهي تتحدث عن حالنا الراهن، وتساءلت أكثر من مرة:" لماذا نكتفي كعرب بالحديث عن أمجادنا وفتوحاتنا الإسلامية وانتصارات صلاح الدين الأيوبي؟"..ثم تتحسر علي هؤلاء العرب الذين يتحدثون كثيرا عن الشرف وهم بعيدون عنه تماما، وتواصل :" ما هي انجازاتكم الحالية، ما هي حضارتكم الحالية، ماذا فعلتم وانجزتم حاليا من أجل البشرية ؟". الفتاة لم تنتظر الإجابة من أحد لأنها السائل والمجيب في آن، فكان ردها علي سؤالها الأخير :"صفر" أي لا انجازات عربية، لأن العربي هو آخر "مكون بشري" يحق له الحديث اليوم عن الإنجاز" لأن العرب قوم أقوال وليس أفعال، والعرب يتفوقون في رفع شعار"الهتافات أولا" ومنها " إننا أهل شرف".
المقطع الذي اتحدث عنه صادم في أجزاء منه، ولعلي اقتطع جزءا كبيرا أشارت فيه الفتاة الي أن العرب يتحدثون عن الشرف وهم يعلمون جيدا أن بناتهم يتم اغتصابهن في بعض الأماكن، ولكنهم يتمسكون بالشرف والدفاع عن الفضيلة..ثم تتطرق الفتاة الي قرار ترامب الأخير وتحكي عن إدانات وشجب العرب بلا استثناء  دون الكشف أو الحديث عن ما هو المطلوب منهم أو ما هو قرارهم المتوقع إعلانه ردا علي عجرفة واشنطن وإهانتهم إهانة بالغة، رغم أن ترامب لم يفاجئهم بالقرار لأنه أعلن عنه إبان حملته الانتخابية، وبالتالي ما أعلنه الرئيس الأمريكي هو تنفيذاً لوعوده لإسرائيل التي لم يتخل عنها.
 
لم يتوقف هجوم الفتاة السورية علي الحكومات، فقد طالت الشعوب أيضا واتهمتها بأنها شعوب تفضل النوم طوال اليوم بدلا من العمل والانتاج، كما أشارت في إطار هجومها الشديد علي الحكومات والشعوب الي ما فعله إرئيل شارون رئيس وزراء إسرائيل الأسبق عندما اقتحم المسجد الأقصي ولم ينفعل سوي الفلسطينيين داخل وطنهم المحتل..ويشتد الهجوم مع الدقائق الأخيرة لمقطع الفيديو حيث تسخر من شعارات "المجد للعرب" و"العروبة" التي تراها زائفة، والعيش في الماضي، ولا تنسي الفتاة السخرية أيضا من شعار "القومية العربية" و"القوميون العرب"، ثم تحذر الجيل الحالي من اللهو لأن أمريكا وإسرائيل لن يكتفيا بكل ما أخذوه وسلبوه من العرب، فالآتي أقسي  وأصعب.
 
يبدو أن الوضع أصعب مما نتخيل أو نتوقع حقا، رغم الاجتماع العاجل لوزراء الخارجية العرب وقرارهم رفض ما أعلنه ترامب، وكذلك مواقف معظم الحكومات العربية والإسلامية والبرلمان العربي، ويظل السؤال :"هل الاحتجاجات ضد قرار ترامب تعد زوبعة في فنجان وتمر كما مرت سابقاتها من العواصف؟". تساؤلاتي تتداخل من كثرتها، فماذا سنفعل ضد القرار الأمريكي؟ فنحن بحاجة ماسة الي وقفة بطولية ولكن أين الأبطال؟!.. فالقرار الأمريكي لن يكون الأخير لأنه اعتراف بما تم إعلانه منذ عام 1995، فنحن بحاجة حقا الي قائد يتمتع بشخصية كاريزمية يتجمع كل العرب حوله مثلما كان الحال أيام الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر..ولعلي اتساءل أيضا: "هل عجزت أمتنا العربية عن انجاب بطل وزعيم  آخر؟".
 
وقد اتفق مع كل ما ذكرته الفتاة في المقطع المرئي الذي أشرت إليه في البداية، فالقضية الفلسطينية وهي القضية الرئيسية للعرب ضاعت بسبب ضعف العرب وتشرذمهم وتسويفهم للحلول الجذرية واتهام بعضهم البعض بالخيانة والتآمر. لقد ضاعت القضية الأهم لدينا وستضيع قضايا أخري، لماذا؟..لأننا أصبحنا نهتم بالمذهب والطائفة أكثر، فالمسلم خرج منه المتطرف والإرهابي والمتشدد السني والشيعي، رغم إن إسلامنا واحد، ولكننا تفرقنا شيعا وقبائل متناحرة لينقلب حالنا الي صراع مذهبي وطائفي، وقد أشير هنا الي مخاوفي من أن تضيع لغتنا في خضم كل هذه المعارك، ليس اللغة فقط بل هويتنا أيضا، فقد أصبحنا علي اعتاب مرحلة صعبة ومؤلمة جدا.
 
لقد تهكمت  الفتاة السورية علي الذين يفتخرون بأبطال الماضي والتاريخ، ولكني اختلف معها في هذه النقطة، لأن الماضي ليس وحده الذي يستحق أن نفتخر به، فأمامنا حرب اكتوبر التي حقق فيها المصريون انتصارا كبيرا، وكان بجانب الانتصار العسكري انتصارا آخر أصحابه أهل وقادة منطقة الخليج، ممثلين في قرار الملك فيصل عاهل السعودية بقطع الإمدادات النفطية عن الدول التي تناصر إسرائيل علي حساب  العرب وتمدها بالسلاح، فكان القرار الأبرز في إطار المقاطعة العربية حتي يومنا هذا، وسيظل العالم يتذكر القرار وآثاره السلبية علي أوروبا والولايات المتحدة..لم يكن قطع النفط عن الغرب وأمريكا هو القرار الأصعب لدي الخليج، بل الأصعب هو تنفيذه وعدم الرضوخ لكافة التهديدات التي تعرضت لها الدول الخليجية، حيث كان هناك قرار شجاع صدر من قائد شجاع لم يخش في الحق لومة لائم.
 
وربما اختلف مع الفتاة السورية بعض الشئ، حيث يبدو أنها لم تطالع كافة المواقف العربية والخليجية الحقيقية، ولن اتحدث عن حكومات، ولكني أشير فقط الي مواقف قيادات دينية بارزة، مثلما أعلن شيخ الأزهر والأنبار تواضروس بطريرك الأقباط في مصر بعدم مقابلة نائب الرئيس الأمريكي خلال زيارته المقبلة لبلادهم والمنطقة، وغيرها من المواقف التي غابت ربما عن البعض في غمرة الحدث المؤلم وتبعاته الصعبة علي فلسطين والعرب عموما. غير أن ثمة مواقف غربية يجب الإشارة اليها والإشادة بها في نفس الوقت مثل الاتحاد الأوروبي  بصفة عامة ثم قرارات الدول الأبرز به مثل المانيا وفرنسا وغيرها الذين رفضوا القرار الأمريكي وأعلنوا التمسك بقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالصراع العربي – الإسرائيلي، ولم تكن كندا بعيدا عن هؤلاء حيث اتفقت مع الموقف الأوروبي. ومن جملة المواقف الشجاعة ما أعلنه رئيس كوريا الشمالية الذي  تهكم علي القرار وصاحبه، وهو ما يجعلنا نوجه سؤالا مهما وكبيرا لكافة الجماعات التكفيرية والإرهابية والمتشددة والمذهبية والطائفية :" أين أنتم من القرار..ولماذا تتركون أمريكا وإسرائيل تتلاعبان بمصيرالقضية الفلسطينية..ألم تستحق القدس وهي من أقدس المقدسات الإسلامية اهتمامكم ورعايتكم والعمل علي نصرتها وتحريرها من الاحتلال الصهيوني؟". ويجرنا هذا الكلام علي توجيه نداء الي قائد الثورة الإسلامية في إيران، حيث أعلن ترامب القدس عاصمة للدولة الصهيونية، ألم يستدع هذا القرار تحريك الجيوش والصواريخ الإيرانية لنصرة القدس، فكم نادي المرشد الأعلي بأعلي صوته بهذا وهدد بسحق إسرائيل..والنداء يمتد بالمناسبة الي جماعة حزب الله، تلك الجماعة التي تناصر الجيش الإيراني في كل تصرفاته وتقف بجانبه في سوريا والعراق، أليس من الواجب مشاركة حزب الله والجيش الإيراني في معركة تحرير الأقصي بدلا من القتل في المواطنين العرب وطعن دول الخليج والشعوب العربية المشردة في سوريا والعراق؟!. ألم يحن الوقت للجيش الإيراني وأزلامه في حزب الله لإظهار رجولتهم وشجاعتهم العسكرية والقتالية وخبراتهم في كافة المواقع الحربية ولو ليوم واحد فقط!.
 
وهل اتخذت إيران المناضلة وحزب الله الذي يدعي أنه زعيم المقاومة .. موقف دينا باول مستشارة ترامب التي ضحت بمنصبها في البيت الأبيض وقدمت استقالتها ردا علي القرار في خطوة لا يقدم عليها سوي الأقوياء؟ أدرك جيدا أن تساؤلاتي ستذهب سدي لأنها لن تجد أي صدي لها أو إجابة لدي الدول التي تزعم الدفاع عن المظلومين في العالم.
 
اجمالا..نعلم أننا ظلمنا القدس والقضية الفلسطينية بابتعادنا عنها بسبب خيبات ما سموه بـ"الربيع العربي" في المنطقة، ولكنها ستعود الي واجهة الأحداث ومقدمتها، فزهرة المدائن ستظل عربية وإسلامية وفلسطينية.. ولكن يبقي هاجسي وتساؤلي:"هل ستضيع هويتنا ولغتنا العربية في خضم ما يجري حولنا من أحداث؟"..مجرد جرس انذار للتنبيه !!!