صدى العرب : الفوضي الخلاقة .. تفشل علي أعتاب مصر (طباعة)
الفوضي الخلاقة .. تفشل علي أعتاب مصر
آخر تحديث: الخميس 30/11/2017 03:59 م
أحمد المرشد أحمد المرشد
 

تمر مصر في وقتنا الراهن بظروف غاية في الصعوبة، فهي تواجه أكثر من حرب ضروس، فالإرهاب يحاصرها ويأبي الإرهابيون التخلي عن أغراضهم الدنيئة بتحويل مصر إلي دولة فوضوية مثل بعض الدول العربية علي غرار مايحدث في سوريا وليبيا واليمن وربما العراق رغم أنه بدأ يضمد جروحه في الآونة الأخيرة، وإذا جاز التعبير، فقد نقول إن جروح مصر ليست بالهينة، فلا يكاد يمر أسبوع إلا وشن التكفيريون والمتطرفون عملية إرهابية هنا وهناك، وكان آخر هذه العمليات مأساوية وهي تعرض أحد مساجد مدينة العريش المصرية لعملية قتل وحشية للمصلين أسفرت عن استشهاد أكثر من 305 مصليا كل ذنبهم أنهم ذهبوا للمسجد لأداء شعائرالصلاة ، ولم يكن هؤلاء في ملعب كرة قدم أو مرقص ليلي حتي يتم تكفيرهم، فالصلاة في المسجد وهي واجبة وفرض علي كل مسلم ولكنها أصبحت في عرف المتطرفين جناية تستحق القتل.. فهكذا هو دين الإرهابيين وديدنهم، فالقتل مبتغاهم وتشريد المدنيين هدفهم.

 

لقد اتسع نطاق الحرب في مصر، ولم تعد كما كنا نعهدها زمان، حرب بين جيشين، عدوغاشم مغتصب ومحتل أرض، وجيش يريد تحقيق الانتصار واستعادة كل ما هو مسلوب، فالمصريون في الحروب معروفون بأنهم أشداء علي أعدائهم الظاهرين في ميادين القتال، ولكن المشكلة أن العدوالآن خفي ووهمي يعيش وراء ستار أو جدار، ويتسلح بالوجه الملثم. وبالتالي، يحارب المصريون طواحين الهواء في حرب ربما تطول ولن تنتهي في يوم وليلة، وذلك لأسباب عدة، لعل من أهمها أن الحرب اتسعت ولم تعد قاصرة علي مواجهة الإرهاب والإرهابيين،وإنما تشهد الخريطة أعداء جدد تدفعهم قوي إقليمية ودولية لتحريض مصر أواستفزازها للدخول في مواجهة عسكرية أو حرب واسعة النطاق.

فمن يقترب من الخريطة المصرية يستشف في الوقت الراهن أن ثمة خلافا عميقا في الرؤي بين مصر وإثيوبيا يتعلق بملف المياه وسدالنهضة الذي يبنيه الإثيوبيين علي النيل الأزرق الرافد الأكبر لحصة مياه مصر من نهرالنيل، وترفض أديس أبابا الرضوخ للغة الحوار والعقل والتفاوض، حتي اشتعل الموقف لدرجة أن جزءا كبيرا من النخبة المصرية يطالب قيادته وحكومته بضرورة اللجوء الي الحل العسكري لحسم الخلاف لصالح المصريين والحفاظ علي حصتهم التاريخية من المياه وعدم التعرض الي جفاف مائي يحذر منه الجميع.

 

ويشهد القاصي والداني أن ممارسات إثيوبيا تجاه مصرمثيرة للقلق والانزعاج فيما يتعلق بشأن معايير ومحددات بناء وتشغيل سد النهضة،فوفقا للأرقام الرسمية، تحصل مصر علي 85% من مياهها من رافد النيل الأزرق، في وقت تعاني فيه مصر فعليا من فقر مائي، ولا يتعدي نصيب المواطن  660 مترا مكعبا في العام، وهذه الكمية مرشحة للانخفاض إلى 552 مترا مكعبا في 2025.. ومن هذا المنطلق، فمصر أمام أزمة مياه ضخمة تجعل أمنها المائي في خطر، في حين لا يوجد في الجهة المقابلة أي نية صادقة للتعاون إذ لا تزال الخطط الإثيوبية لتشغيل السد واستخدام مياهه في الري غامضة ومثيرة للقلق، ولم تبد أديس أبابا الانفتاح الكافي على مبادئ التعاون والشفافية والمشاركة، باعتبار أنها تُمثل السبيل الوحيد للاستفادة من مياه نهر يسكن على ضفاف حوضه 400 مليون إنسان،وهم مرشحون للزيادة الى مليار شخص في عام 2050.

 

إذن،  تعد ندرة المياه واحدة من أخطر التهديدات التي تواجه الأمن القومي المصري، ليس هذا فقط، فـ 40%  من سكان العالم العربي يعيشون في مناطق تعاني من ندرة مطلقة في المياه، فيما يمثل العرب 5 % من سكان العالم، ولايحصلون سوى على 1 % فقط من المياه العذبة، بما يعني أن المنطقة العربية  تعاني من أكبرعجز غذائي في العالم.

من أزمات مصر أنها تواجه المعارك بصورة يومية بما يؤكد أن هناك محاولات جادة لإحراقها وإقحامها في الفوضي الخلاقة أو غيرالخلاقة التي يسعي اعداء امتنا العربية لفرضها علي شعوب المنطقة، وإذا كانت مصر قد مرت بفترة حرجة غاب عنها ترجيح العقل في اتخاذ القرارات المصيرية وذلك فيما تلا 25 يناير وحتي ثورة 30 يونيو التصحيحية، إلا أن القيادة المصرية الحالية تتسم برجاحة العقل والتأني في اتخاذ القرارات وتحارب الإرهاب بلا هوادة في وقت تواجه فيه أزمات اقتصادية وطموحات شعبية لا تتفق مع الواقع الاقتصادي .. كانت مشكلة مصر والمصريين عقب 25 يناير أن الدولة المصرية تسير بلا عقل تقريبا وبعيدة تماما عن العقلانية، ولكنها في الوقت الراهن عاد العقل المدبرالذي يحسن قيادة مصر وأخرجها من مرحلة الشعارات الرنانة الي مرحلة العمل الجاد والالتزام بتحقيق برنامج اقتصادي واجتماعي وصحي ضخم، ولعل هذا البرنامج هوسبب الحروب التي تواجهها مصر، فأعداؤها لا يتركونها ساعة تهنأ بما تحققه من انجازات اقتصادية علي المستوي المحلي، وإنما يسعون دائما الي إرباكها وإيقاعها في مشكلات دائمة حتي تظل بعيدا عن ركب التقدم الاقتصادي والسياسي،  فثمة أيادي خفية تعمل من أجل إشعال مصر وعدم الخروج بأية مكاسب من ثورة 30 يونيو، حتي تكون صورة كربونية ممايحدث في سوريا وليبيا واليمن، ولكن المؤكد أن الشعب المصري كما أظهر دائما فهوعصي علي الانهيار والهزيمة ولن يقبل المصريون تورط بلادهم وجرها الي حروب استفزازية تنال من مستقبل بلادهم.

 

وإذا كنا قد أِشرنا الي ملفي المياه والإرهاب، فهذا واقع تعيشه مصر والمصريون حاليا،وهم يواجهون التطرفوالمتطرفون بكل صلابة، الشعب قبل الجيش والشرطة، فالمعركة ليست معركة طرف دون آخر، فالمصريون جميعهم شركاء في الحرب ضد عدوهم المتمثل في الإرهاب الذي يسعي للنيل من عزيمتهم وقوتهم وإغراقهم في الفوضي وإحراق بلادهم وإشعالها بالأزمات.. ومن هنا ننتقل الي حرب أخري تواجهها مصر علي حدودها الغربية، ونقصد ليبيا بكل مشكلاتها وأزماتها السياسية، فليبيا لم تعد الجار الآمن لمصر،حيث تواجه الدولة المصرية خطرا متزايدا من جانب حدودها مع ليبيا ما يهدد أمنها القومي وقد يدفعها إلى الدخول في حرب بالوكالة داخل الأراضي الليبية للقضاءعلى الجماعات الإرهابية المنتشرة في جميع أنحاء الأرجاء الليبية التي تنقسم مابين عسكري وسياسي  وقبائلي ومناطقي، في وقت فشلت فيه كافة المساعي الدولية لإعادة السلام والاستقرار إليها، ومن ثم تصدر ليبيا للمصريين ومصر أزمات شبه يومية، من بينها تسلل الإرهابيين الدواعش منها لداخل الحدود المصرية مسلحين بأحدث الأسلحة المحمولة والثابتة التي يتكلف نقلها ملايين الدولارات ومع ذلك يجدون من يمول عملية النقل والتسليح والإعاشة، أي ثمة ممول رئيسي لكل ما تتعرضله مصر من أرهاب قادم من داخل الحدود الليبية.

 

ومن الأزمات التي تواجهها مصر حاليا، ما يحاك ضدها من مساعي لتوريط جيشها في حروب لا طائل منها سوي انهاكه وتشتيت جهوده، مثلم اكان الحال في حرب اليمن التي تورط فيها الجيش في ستينيات القرن الماضي وما أعقبها من استغلال إسرائيل لهذا الضعف وشن حرب 1967.

والجديد علي الحدودالليبية، أن الجيش المصري يتعرض لاستفزاز مما يحدث علي منطقة الحدود من تهريب أسلحة وتسلل متطرفين، ولننقول سرا إن الهدف من كل هذه الاستفزازات هو اسقاط الدولة المصرية بعد أن نجت من فوضي ما يسمي ثورات الربيع العربي الفاشلة، وبعد أن نجح المصريون تحت قيادة رئيسهم عبد الفتاح السيسي من تجاوزمرحلة الفوضي الي مرحلة البناء والتعمير، وما يكفيهم حاليا سوي الانتظار لحصد الثمار.

 

لقد تأكد للجميع أن الشعب المصري يختلف عما سواه من شعوب بعض الدول الأخري التي فشلت في انقاذ بلدانها من الانهيار، وتأكد للجميع أن مصر لن تسقط طالما أن جيشها قوي متماسك قادر على الحفاظ على أمن الوطن، ولن تسقط طالما أدرك المصريون حجم التهديدات التي تحاك ضدهم لتدمير جيشهم الذي ظل من أقوي جيوش المنطقة رغم حروبه المستمرة منذ سنوات ضد الإرهاب ..ولن تسقط مصر كما يريد لها الأعداء وبعض القوي الإقليمية والدولية من أن تكون دولة بلا جيش قوي في إطار الشرق الأوسط الجديد الذي يجري الإعداد له ويتطلب عدم وجود جيوش قوية في المنطقة .. فالقوي العالمية لاتريد جيوشا قوية بالمنطقة ولكن العكس فتلك القوي  تريد دولا بلا جيوش .. وبالتالي لن يرى هذا الشرق الأوسط الجديد النور إذا استمرت الدولة المصرية وجيشها قوية ومتماسكة.