صدى العرب : إنما ترقى الأمم بسواعد أبنائها (طباعة)
إنما ترقى الأمم بسواعد أبنائها
آخر تحديث: الأربعاء 26/04/2023 03:06 م
السفير: خليل الذوادي السفير: خليل الذوادي
كلما اقتربنا من تجربة الأجداد والآباء أو سمعنا قصص بذلهم وعطائهم في ظروف صعبة، كلما حمدنا الله سبحانه وتعالى أن حبانا بنعمة الأمن والاستقرار وتدبير شؤوننا وشؤون من نعيل، على الرغم مما فرض علينا من أخذ الحكمة والعبرة من الأيام الخوالي، فنحن مأمورون بأخذ الحيطة والحذر، وتسيير أمور حياتنا وحياة أسرنا بما تفرضه الظروف علينا اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا، فبتعاوننا وتكاتفنا نستطيع أن نتبادل الخبرات والتجارب الحياتية، وما أعظمها من تجارب نحتاج فيها إلى التأمل والأخذ بيد بعضنا بعضًا، فصعوبة الحياة وتعقيداتها فرضتها ظروف عصرنا الحاضر.

عند زيارتنا لمجالس أهل البحرين، ونحمد الله أنها انتشرت في مدننا وقرانا وبات يغشاها الكثير من أصحاب التجارب الحياتية النافعة، نشعر بالراحة النفسية ونقول في خاطرنا، الحمد لله في الدنيا خير نحتاج فقط أن نتيح لهم فرصة التعبير عن مكنون ذواتهم، ونبدي لهم استعدادنا للاستفادة مما يطرحونه ويشيرون إليه، فكل واحد من هؤلاء يملك كنزًا من الخبرة والتجارب وإن كان البعض لا يستطيع أن يعبّر عن ذلك، ولكن أحيانًا يكون السكوت أبلغ من الكلام..

أجيال أتت وأجيال تنتظر دورها في الحياة، وعلينا إتاحة المجال لهم للتعبير عن ذواتهم، صحيح أن الأمور صعبة وتحديات الزمن قاسية ولكننا مدعوون للوقوف معهم وإن كان اهتمامهم وتفكيرهم قد أخذتهم وسائل التواصل الاجتماعي بخيرها وشرها، وأجد أنه من الواجب أن يقوم المختصون من أبناء أمتنا بتبصيرهم والأخذ بيدهم لما يعود عليهم وعلى أوطاننا بالخير، لا نستطيع أن نغمض عيوننا عن ما يجري حولنا، فمعايشة الحياة اليومية تتطلب منا أن نأخذ ما يفيدنا ونقف موقف المحلل والمتمعن فيما لا يتناسب مع قيمنا الاجتماعية والثقافية، وعاداتنا وتقاليدنا رغم تحولها لكنها تظل موروثًا علينا مقارنته بما حولنا وتكون لنا الملكات القابلة للنقد والتوجيه..

تعددت في زماننا المدارس والمعاهد والجامعات وبات التنافس كبيرًا بينهم أسمع من الآباء ممن الحقوا أبناءهم بالمدارس الغربية كالألمانية، والفرنسية والبريطانية والأمريكية، ورغم تباين الأساليب والمناهج والاهتمامات إلا أن العلوم والمعارف تتداخل مع بعضها بعضاً وهذه الأجيال التي تتعلم عدة لغات لا شك أن تفكيرها وتحليلها للأمور سينعكس بالضرورة من خلال العلوم والمعارف التي تلقوها من هذه المدارس المتخصصة، نعلم أن التخصص العلمي بات مطلوبًا وما يتعلمه الأبناء من هذه العلوم سينعكس بالضرورة على طرق تفكير أبنائنا واستفادتهم من العلوم والمعارف التي تلقوها.

أعلم أن جيلنا الذين تعلمنا على أيدي الكُتّاب، أو ما نسميه في خليجنا العربي «المطوع» أو «المطوعة» بالنسبة للنساء، قد وضعوا نصب أعيننا ضرورة حفظ وتجويد القرآن الكريم، وكان ذلك نافعًا في تحصيلنا اللغوي وأساليب تعبيرنا كتابة وتحدثًا وفهمًا، وأصبح هذا التعليم مرادفًا ومعززًا لما ندرسه من مادة الإنشاء والتعبير، وسيظل ولله الحمد القرآن الكريم مقومًا ومعززًا للغة التعبير والتخاطب عندنا... والأخذ بفهم اللغات الأجنبية لا شك فيه منفعة فالعلوم وإن تعددت فإن لغات التعبير أيضًا تعددت ويسعد الإنسان أن يسمع بأن من أبنائنا من تعلم اللغة اليابانية ومنهم أيضًا من تعلم الصينية، وكذلك لغات أخرى تنفع في مختلف العلوم والتخصصات...

كلما تنوعت ثقافاتنا كلما ازددنا قوة في تحصيل العلوم والمعارف التي تفيد أجيالنا المتعددة في مراحلهم العمرية وتثري تجاربهم الإنسانية وهذا لا يعني التخلي عن قيمنا ومفاهيمنا المتأصلة في بنيان أسرنا الصغيرة أو الممتدة.

إننا نعيش ليس فقط لأسرنا الصغيرة وإنما دورنا هو التعاون مع أسر كثيرة في مجتمعنا ونبذل الكثير من الجهود لخير أوطاننا ومواطنينا، وعلينا واجب الحرص على تقدم بلادنا ومواطنينا لما فيه الخير للجميع، بالتعاون والبذل والعطاء تتحقق لنا الآمال التي ننشدها ونسعى لتأكيدها والبناء عليها.

سيظل المرء منا يتعلم طالما بقى في العمر بقية، فالحياة مليئة بالتجارب الناجحة والفاشلة، وعلينا أن نبذل الجهود الخيرة للنجاح والتفوق أيضًا.

نستغرب في هذه الأيام من تعبيرات تصف دولة عن دولة وشعب عن شعب، فيقال مثلاً: «دولة فاشلة» لأنها فقدت مقومات الحياة المعاصرة مثلاً، ونعلم أن الدول لا تعيش بمفردها وإنما تعيش بفضل أبنائها وبذلهم وعطائهم في المجالات كافة، وللأسف أن الدول التي توصف بالفاشلة تملك من مقومات وذخائر الطبيعة ما يفوق الحصر، لكن العيب في السياسات التي تسيّر هذه الدول فيطلق عليه بالدولة الفاشلة، ولا يستطيع أي كان أن يوصف وطنه بالدولة الفاشلة، فالسعي للتطوير والبناء والقضاء على مسببات الضعف والهوان هي مسؤولية مشتركة، وعلى الجميع أن يبذل الجهود المضنية لتحويل الفشل إلى إنجاز حضاري وتقدم تقني وفني، والاعتماد على الأبناء في تحقيق كل التقدم والرقي بالعلم والمعرفة والاحتكاك بالأمم المتقدمة والاستفادة من تجاربها وخبراتها، وإن الاعتماد على الأبناء في تحقيق التقدم والرقي واجب وطني نحن جميعًا مأمورون بالأخذ به والبناء عليه، فالأمم تعيش وتحيا بقدرة أبنائها على البذل والعطاء وقدرة المسؤولين فيها على البذل والعطاء والأخذ بكل أساليب التقدم والرقي ومعالجة كل ضعف قد يقود إلى التراجع، فالأمم تعيش بقدرة أبنائها على البذل والعطاء والإضافات التي لا غنى عنها.
وعلى الخير والمحبة نلتقي..