صدى العرب : الكشتة بالمفهوم الحديث (طباعة)
الكشتة بالمفهوم الحديث
آخر تحديث: الأربعاء 25/10/2017 06:12 م
السفير: خليل الذوادي السفير: خليل الذوادي


كان الأمر يحتاج إلى مبادرات، ويحتاج إلى أشخاص قياديين لاتخاذ موقف يتم من خلاله تجميع أهل الحي من الأهل، والأصدقاء والمعارف للقيام بما يسمى بـ«الكشتة» و«الكشتة» في عرف مجتمعنا في زمان الوصل وبساطة الحياة هو أن تقوم مجموعة أحيانًا من النساء، وأحيانًا من الرجال برحلة جماعية إلى مناطق البحرين أما إلى العيون الطبيعية «كعذاري»، و«بوزيدان،» و«عين الرحى»، أو البساتين التي وجدت في مناطق مختلفة من مدن وقرى البحرين، وكان أصحابها يفرحون بقدوم الناس إليها مع الحرص على التمتع بما هو موجود فيها دون الإضرار بمحتوياتها، كذلك زيارة المواقع التي اتصفت بالروحانية العقيدية للتبرك دون التزمت والتعصب الديني أو المذهبي، لأن البحرين بلد التسامح والمحبة والألفة والقلوب المجتمعة على الخير دائمًا... كذلك زيارة المصايف المتعددة خاصة في شهور الصيف القائضة، إضافة إلى زيارة جزر البحرين المتعددة باستخدام السفن التقليدية، وكذلك زيارة المواقع الأثرية والقلاع التاريخية التي تزخر بها البلاد. وكان الاشتراك في هذه «الكشتات» يتم بالتكافل الاجتماعي والمشاركة في التكاليف ومستلزمات الرحلة من أكل وشرب مع تطوع كامل للمنظمين ومعاونيهم لتوفير سبل الراحة والأمن والطمأنينة للمشتركين في «الكشتة» وعادة تبدأ الرحلة من الصباح إلى المساء تتخللها الأغاني التراثية والترنم بالشيلات الشعبية وتضم الرحلة فئات عمرية مختلفة، فالكشتة لا تحلو إلا بلم شمل العائلة ويأتي على رأس الاهتمام بهم الأطفال والناشئة.

هذا كان ديدن مجتمع البحرين في بساطته وعفويته والروح الطيبة السائدة بين أبنائه حتى إذا ما التحقنا بالمدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية بدأت المدارس في تنظيم «كشتات» أو رحلات مدرسية طلابية إلى مواقع البحرين المتعددة الشعبية والتراثية والتاريخية وزيارة أماكن الحرف والمهن التقليدية كالفخار والنسيج ومكونات حرفة صيد السمك والبحث عن محار اللؤلؤ، بالإضافة إلى الأسواق التقليدية كسوق الأربعاء وسوق الخميس وأسواق المنامة والمحرق، وكان الهدف تعريف التلاميذ بما تزخر به بلادهم البحرين من أماكن ومرافق ومنشآت ومدن وقرى بتنوعها وتميزها..

في الأسبوع الماضي شهدنا في جمهورية مصر العربية وتحديدًا بمدينة القاهرة زيارتين يمكن وصفهما «بالكشتة» العصرية وبالمفهوم الحديث، فقد قامت الجامعة الأهلية بزيارة علمية إعلامية ثقافية ممثلة في رئيسها البروفسور عبد الله يوسف الحواج وأساتذتها وطلابها للالتقاء بصروح العلم والتربية والثقافة والإعلام المصرية في تبادل الخبرات والتجارب والتقارب بين البلدين والشعبين الشقيقين الذين تربطهما علاقات وثيقة تاريخية وحضارية وسياسية يرعاها ويسهر عليها ويضمن مسيرتها قائدا البلدين حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، وفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية أيده الله.

أما الزيارة الثانية المتزامنة فقد كانت لأصحاب المجالس وروادها بمملكة البحرين والذين مثلوا بعض المحافظات من خلال المنظم صاحب المجلس بمدينة عيسى مبارك بن عبد الله المغربي في زيارة ودية لجمهورية مصر العربية هدفها دعم العلاقات البحرينية المصرية وتأكيدها في ظاهرة يقوم بها المجتمع المدني الذي له الدور في زيادة اللحمة والتعرف عن كثب على مصر الحضارة والتاريخ والنهضة والانتصار والشعب الطيب والروابط الراسخة بين الشعبين الذين وحدت مشاعرهم الظروف والأحداث على مدى التاريخ القديم والحديث والمعاصر.

زيارتان كانت فيهما مملكة البحرين حاضرة على ضفاف النيل ورحاب القاهرة الضافرة العزيزة على قلوبنا جميعًا بأهلها وناسها ومعالمها وبكل ما تعنيه من مشاعر صادقة وأمينة نكنها نحن أبناء البحرين لهذا البلد المعطاء قلب العروبة النابض ومهد الحضارات والرسالات السماوية.

كان احتفاء الشيخ راشد بن عبدالرحمن آل خليفة سفير مملكة البحرين لدى جمهورية مصر العربية ومندوب البحرين الدائم لدى جامعة الدول العربية بالزيارتين كبيرًا ومؤثرًا كعادة سعادته مضيافًا وصاحب واجب والساعي دائمًا لتدعيم العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى آفاق أوسع وأشمل.

وكانت فرصة سانحة لأصحاب المجالس وروادها أن يزوروا جامعة الدول العربية «بيت العرب» ويلتقوا في اجتماع ترحيبي بالغ الأثر مع معالي السيد أحمد أبوالغيط الأمين العام للجامعة العربية الذي كان صريحًا وشفافًا، وأكد على عمق العلاقة بين مملكة البحرين وجمهورية مصر العربية من جهة والدور الداعم لمملكة البحرين لجامعة الدول العربية ومنطلقاتها من جهة أخرى، إضافة إلى مجمل القضايا العربية والدولية الراهنة، كما كانت فرصة لأصحاب الزيارتين للالتقاء بالجالية البحرينية المقيمة والزائرة لجمهورية مصر العربية، وكان لي شرف استضافتهم في سكني بالدقي بأحد ضواحي القاهرة في لقاء حميمي ودي أسري جمعتنا في الغربة البحرين الأرض والمشاعر والأحاسيس والآمال العريضة..

لم يكن الأقدمون على فطرتهم إلا أصحاب مشاعر صادقة، وكانوا مدركين لقيمة التواصل المجتمعي داخل وخارج الوطن وانتقالهم من مكان إلى آخر حتى داخل الوطن بظروف ذلك الزمان، كان الإحساس لديهم بأن لم الشمل والألفة لتحقيق هدف واحد من شأنه أن يذيب الفوارق، ويخلق اللحمة الوطنية، ويوحد المشاعر، وأن الساعات التي يقضونها مجتمعين تقرب بين قلوبهم وتشعرهم بضرورة التعاون نحو بلوغ الهدف الواحد.

إنها «الكشتة» وما تعنيه من قيم ومفاهيم وإن تعددت أسبابها وتوجهاتها وأشكالها.. «فالكشتة» في مفهومها القديم تلتقي «بالكشتة» في مفهومها الحديث من حيث الأهداف والغايات والمقاصد.

وعلى الخير والمحبة نلتقي