صدى العرب : نحن وتجربة المسحة (طباعة)
نحن وتجربة المسحة
آخر تحديث: الأربعاء 19/10/2022 10:55 ص
السفير: خليل الذوادي السفير: خليل الذوادي
كنا بعد صبية في المدارس الابتدائية، عندما سمعنا بأن فرق التطعيم الطبي ستزور المدن والقرى لتطعيم الأطفال من الحصبة «جدري الماء» وبعض الأمراض السارية، وكانت هذه الفرق تطوف في الحواري والفرجان وكان الوعي لدى الآباء بدأ مبكرًا، فلم يكونوا يأنفون من ذلك، «فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى»، وكانوا يجهزوننا نفسيًا لتقبل هذه التطعيمات، ثم تطور الوضع فأصبحت هذه الفرق تأتي إلى المدارس الابتدائية، وفي الصفوف يتم إجراء التطعيمات اللازمة لنا، وكان بعض الطلبة لخوفهم الشديد يغمى عليهم، كما أن البعض ممن ابتلي بمرض فقر الدم المنجلي، يغمى عليه داخل الصف ولم يكن في خلد فرق التطعيم أن يجروا علينا الفحص قبل أخذ الجرعات. 

كما كنا نرى فرق مكافحة الملاريا يأتون بأجهزتهم إلى قرانا ومدننا، وهم يرشون البرك الراكدة وأماكن تجمع المياه، ليقضوا على أي فرص لنمو البعوض وغيرها من الناموس، وكانت فرحتنا كبيرة ونحن نرى هؤلاء الرجال من بلادي حريصين على صحتنا وصحة مدننا وقرانا. 

حتى إذا اجتاحتنا في زمننا هذا جائحة كورونا «كوفيد-19»، وإذا بنا وجهًا لوجه أمام خطر داهم وبلاء ابتلينا به، وفقدنا من جرّائه أعز الأصدقاء وأهلًا وأحبّة، وإذا استعدادات الدول تتكاتف وتصدر البيانات والتوجيهات وتطبيق إرشادات منظمة الصحة العالمية بضرورة اتخاذ إجراءات التطعيمات الضرورية من خلال اللقاحات المعتمدة وجندت جهود وطنية كبيرة، ومن بينها بلادي لحماية المجتمع والدولة من هذا الوباء، وقامت اللجنة الوطنية العليا برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد ال خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الموقر حفظه الله ورعاه بواجبها الوطني في حماية المجتمع، وأقيمت مراكز التطعيم والاختبار في مدن وقرى البحرين مهما كلف ذلك من جهد ومال، فصحة المواطنين والقاطنين والزائرين أهم من أي شيء آخر. 

عشنا تجربة الفحص الطبي من خلال مقياس الحرارة، والذي توزع في الأسواق ومراكز التسوق والأندية والمرافق العامة، وبتنا نخضع يوميًا لهذا المقياس، وكلنا ترقب للنتيجة خشية أن يخيب أملنا في الدخول إلى هذه المرافق عندما نكتشف أن حرارة الجسم مرتفعة؛ مما يبعث الشك في الإصابة بهذا المرض... حتى جاء القرار بإلغاء كشف الحرارة واللجوء إلى «المسحة» من الأنف والفم، وإذا الترقب و«المحاتاه» تزداد وتيرة القلق من جرائها، وننتظر الساعات الطوال لمعرفة النتيجة، وكلنا قلق مما سيترتب على ذلك من إجراءات ندفع ثمنها غاليًا، أو تكون الأمور سهلة وتكون النتيجة مرضية ونعيش في أمن وسلام. 

لسنا في الواقع كما يقول المثل «ناقصين» فظروف الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتقنية ضاغطة، فمن أين نلاقيها؛ حروب وعدم استقرار وجفاف وقحط وتغير في المناخ، وفقر وتشرد وهجرة شملت العالم، والخوف من المجهول، وخسائر تقدر بالملايين في مجال الطيران والسياحة والأسواق وشح الوظائف، فانتفض العالم لمواجهة هذا الوباء، وبدأت الإجراءات تتخذ لعودة الحياة إلى طبيعتها في حركة الطيران والقطارات والسيارات والسفن، وبدأت الحياة تعود إلى أسواقنا ومراكز التجمعات البشرية، وشيئًا فشيئًا تم التخلص من الكمامات، وأن بقيت كميات كبيرة منها في الصيدليات والأسواق والمنازل من كل صنف ولون وأسعار تتفاوت. 

وظلت المسحة لازمة في بعض البلدان للمشاركة في المؤتمرات والندوات لتضيف إلينا قلقلاً متزايدًا لحين ظهور النتيجة بالسلب، وإذا كانت إيجابية، فسوف تحرم من المشاركة في المؤتمرات والندوات، وتبقى منعزلاً إما في غرفتك بالفندق، أو في المستشفى وتدفع أنت قيمة العلاج أو شركات التأمين إن وجدت أو دولتك ومؤسساتك أو منظمتك التي أبعثتك والمسحة في حد ذاتها أصبحت معتادة، ولكن فترة الانتظار للنتيجة مقلقة، وتبعث في النفس التوجس لساعات، وطبعًا هذا الشعور لا يعوض بأي شيء فأشد على المرء إنه ينتظر ويطول الانتظار، وكما قال الشاعر البحريني علي عبدالله خليفة المولود بمدينة المحرق عام 1944 أطال الله في عمره:

وأدري ترى اللحظة على الناطر عمر 

واللي بيوفه النار، ما همه على جفه اليمر 

 لقد أدرك العالم أجمع ضرورة التعاون وتكاتف الجهود لدرء الخطر عن الجميع وفي جميع قارات العالم، وفرضت الجائحة نفسها على المؤتمرات الدولية للمنظمات القارية والإقليمية وحتى منظمة الأمم المتحدة، فربّ ضارة نافعة، ولكنها صحة الإنسان، وهل هناك أغلى من صحة الإنسان، تعطلت المشاريع وأغلقت الأسواق والتجمعات التجارية، وقلصت أو ألغيت حركة الطائرات، وإذا العالم يضج وينادي بضرورة الإفراج وعودة الحياة إلى طبيعتها والحمد لله إننا عدنا طبيعيين، وبتنا نؤمن بأن كورونا كغيرها من الأمراض، ولكن كما يقول المثل «إش عقبه، بعد خراب البصرة؟!». حمى الله البصرة وأهلها وأوطاننا العربية والإسلامية جميعًا من كل شر، فنحن جزء من هذا العالم الإنساني، نريد أن نعيش بأمن وسلام ومحبة وتسامح ووئام. 

وعلى الخير والمحبة نلتقي..