صدى العرب : الساحرة المستديرة توحد قلوب العرب (طباعة)
الساحرة المستديرة توحد قلوب العرب
آخر تحديث: السبت 14/10/2017 09:52 ص
أحمد المرشد أحمد المرشد

  

لم تتمالك الشعوب العربية  نفسها وهي تشاهد مباراة مصر والكونغوعندما هتفت ""تحيا مصر.. تحيا مصر""

و التي تأهل بعدها المنتخب المصري لمونديال روسيا 2018  الي جانب 3 فرق عربية اخري  وقلوبنا  مع السوريين الذين خسروا في مباراتهم الأخيرة لمصلحة المنتخب الأسترالي، وأيا كان الوضع، فهذه علي ما اعتقد المرة الأولي التي يشارك 4 منتخبات عربية في العرس الكروي العالمي، ونتمني مشاركة فرق أكثر في المرات القادمة.

 فالكرة أصبحت توحد الشعوب العربية، سواء فازت مصر أو غيرها، فالفرحة لا تنقسم، ولكننا نحزن أشد الحزن في حال إخفاق أي فريق، وإذا كان العرب يفتخرون بمشاركة أربع منتخبات في المونديال المقبل، فنحن أمة تستحق، وإذا كانوا قديما قالوا " تجمعنا لغة الضاد" فنضيف إليها حديثا "ويجمعنا عشقنا لكرة القدم" فهي أيضا تجمعنا وتجعل كل عربي يشجع اي  منتخب مشارك وكأنه منتخب بلاده، فقد أصبحت كرة القدم الخيط الذي يجمع العرب بعد أن فرقتهم السياسة.

 

شاهدت مباراة مصر والكونغو الفاصلة في القاهرة نظرا لظروف عملي فيها، وشجعت منتخب الفراعنة مع أصدقاء تلاشت بيننا الجنسيات وانصهرنا  جميعا في حب مصر وفريقها الذي أسعدنا رغم الأوقات الصعبة التي مررنا بها، حتي كانت صافرة الحكم لتنتهي المباراة بفرحة عمت مصر وكل بلد عربي، لتهدأ الأعصاب وتبدا الاحتفالات طوال ليلة لم ينم فيها المصريون و لم يغفل لهم جفن. كذلك كان حالنا ونحن نشاهد المباريات الفاصلة لتأهل منتخبات السعودية وتونس والمغرب من قبل، إنها حالة وجدانية يعيشها العرب وهم يشاهدون اي منتخب عربي في طريقه لتمثيلنا في مونديال روسيا 2018.

 

 والجميل في فرحة المصريين وفرحتنا كم البوستات التي تم تداولها علي مواقع السوشيال ميديا، وأظهرت خفة الدم وروح الدعابة، فامتلأت الشبكة الافتراضية بألاف البوستات والتعليقات والأغاني، وربما من أجملها في رأيي بوست ينال من لاعب المنتخب السابق مجدي عبد الغني الذي أحرز هدف مصر في أخر مشاركة لهم في مونديال 1990 من ضربة جزاء، وواضح أنه لا يزال يذكر المصريين بهدفه في كل مناسبة، حتي جاءت أهداف محمد صلاح نجم منتخب مصر لتنهي انفراد عبد الغني بهذا الهدف الذي "زهق" المصريون منه، وربما أن جزءا من فرحتهم بتأهلهم الي روسيا 2018 أن أسطورة مجدي عبد الغني ستنتهي وسيظر لاعب جديد في الأفق وأهداف جديدة للاعبين ونجوم جدد.

 

وكما أسلفت، أسعدني الحظ أن أشاهد تلك المباراة التاريخية فيي مصر وسط الملايين التي شجعت منتخبها بقلبها وروحها، لتنتهي المباراة بمشاعر عبارة عن مزيج من الفرحة والسعادة ونشوة الانتصار، خاصة بعد مبارزة صعبة للغاية، فالأمر لم يكن سهلا كما توقع المصريون – لاعبون وجمهور – لأن كافة التحليلات الرياضية منحت المصريين فرصة الفوز المبكر بلا منغصات أو مشكلات داخل المستطيل الأخضر، ولكن جاءت ملابسات المباراة عكس ذلك، فهكذا حال  الساحرة المستديرة التي تجعل القلوب تنتفض وتلهب الحناجر أو تسكتها، ولكن الفرحة تأتي متأخرة كثيرا بعد حوالي 92 دقيقة من عمر المباراة ليخرج المصريون عن بكرة أبيهم الي الشوارع والمتنزهات في كافة محافظات المحروسة، ليفرحوا بانتصارهم الذي أعادهم للمونديال بعد غياب 28 عاما تقريبا، بفريق ودم جديد، ولاعبون لا يعرفون الفشل وعاهدوا الله علي إسعاد شعبهم المصري والعربي.

 

ربما تعلم المنتخب المصري والجمهور أيضا درسا غاية في الأهمية، وهو  عدم الاستهانة بالخصم، فكما ذكرت توقعت التحليلات الرياضية أن تكون المباراة سهلة جدا، فجاءت عكس ما توقعوا، ولكن في النهاية أدخر المولي عز وجل للمصريين فرحة وسعادة غامرة، يستحقونها وأبوا ألا يتركوا شوارعهم وميادينهم فارغة، فقرروا أن يملأوها بالملايين كما لو كانوا أول مرة يفرحون، فكانت فرحة ليلة العمر.

 

ولم يكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي  بعيدا عن أجواء المباراة وفرحة شعبه، فشارك اللاعبين انجازهم وهنأهم عليه، بل استقبلهم ومنحهم مكافأت ضخمة هم يستحقونها عن جدارة، ولكن اللاعبين أثبتوا أيضا أنهم جديرون بحب الرئيس والشعب لهم فقرروا التبرع بمكافأتهم الي صندوق "تحيا مصر" وهو صندون أسسه الرئيس ليشارك برأس ماله في دعم وتمويل بعض المشروعات العاجلة، ومنها علي سبيل المثال مبادرة القضاء علي "فيروس سي" في مصر، وقد كان بالفعل.

 

كلمات قليلة قالها الرئيس المصري للاعبين، ولكنها تعكس معاني ضخمة، فقال لهم  : "أسعدتم  قلوب 100 مليون مصرى، ويجب أن تعلموا أن كل حاجة حلوة بتفرح شعب مصر الذى يستحق أن يفرح"، ثم هنأ اللاعبين علي الأداء الرجولي المتميز وقدرتهم علي تحقيق الإنجازات التى تعكس حضارة مصر وتاريخها العريق.

 

مباراة التأهل المصرية أو مباراة السعادة والفرح لم يتركها المصريون تمر هكذا مرور الكرام، فهم استغلوا كل دقيقة بعدها لينهلوا من الفرح ونشوة الانتصار بكافة الانتماءات، فالكرة كما وحدت العرب لتشجيع المنتخبات العربية المتأهلة للمونديال، فهي أيضا توحد الشعب الواحد ليكون علي قلب رجل واحد،  فالكل يشاهد المباراة بلا انتماءات سياسية وخلافات دينية، وهم علي يقين بالفرحة في النهاية رغم أجواء الاحباط التي تملكت كل المصريين وقت إحراز الفريق الخصم لهدف التعادل قبل نهاية الوقت الأصلي للمباراة بأربع دقائق تقريبا، حتي بكي الكثير والكاميرا لا تكذب وهي نقلت مشاهد حزينة ووجوه مكتئبة بعد هذا الهدف الذي باغت مرمي الفرعون عصام الحضري نجم المبارة وحارس المرمي الذي تخطي عمره الأربعين ويصر علي استكمال المشوار وتحقيق حلم حياته بالمشاركة في منتخب بلاده في المونديال وهي الأمنية التي حققها بنفسه بعد تصديه باقتدار ليمنع مرماه من الإصابة بهدف من الخصم كاد يودي بكل أمال المصريين.

 

أنها دعوات الجماهير المصرية والعربية، من أجل الفوز بمعجزة، ولم يشأ المولي عز وجل ألا يستجيب لكل هذه الدعوات، فهو القائل عز وجل "ادعوني استجب لكم" فما بالنا دعوات ملايين تشتاق لنصر غاب كثيرا وكاد أن يقترب وفي اللحظة التي يقترب فيها يبتعد..ياالله، الحلم قريب المنال وكابوس في نفس الوقت، أنها أوقات صعبة، ولكن في النهاية تحققت المعجزة واستجاب المولي للدعاء لدعاء صادق خرج من قلوب الملايين تجمعوا بالعشرات والمئات والآلاف، كل في مقهاه، منزله، مضيفة قريته، ناديه، وسط صحبة جميلة ليعيدوا أجواء "اللمة" المصرية المعروفة، تشتد الأعصاب في انتظار الحلم القريب والبعيد في آن، ولكن الثقة في أن الله سينصرهم جلبت لهم النصر الذي أنساهم احباطات كثيرة من 25 يناير 2011 بسبب صراعات علي السلطة وتخبط هنا وهناك، ليجد المصريون عالما لم يصادفوه منذ فترة، عالما حقيقيا وليس افتراضيا، ورغم أنه عالم تحدده أربع خطوط علي شكل مستطيل وتدور بداخله كرة تتقاذفها أقدام اللاعبين من هنا وهناك، إلا أنه كان في النهاية عالم صادق غير زائف أِشبع رغبات المصريين والعرب في إحراز الهدف وهو النصر والفوز.. فالمباراة التي انتظرها المصريون بفارغ الصبر لم تكن مباراة كرة قدم فقط، أنها مباراة يتحدون بها أوجاعهم ومشكلاتهم السياسية والاقتصادية، فكانت المباراة بحثا عن الهوية وإظهار علامات التفاني في حب الوطن  والفرصة الذهبية للشعور بذاتهم بعد تأكيد هذا "الذات" ، فالمباراة كانت امتحانا صعبا في تأكيد الانتماء للوطن وليس لأيديولوحية أو منطقة أو محافظة أو إقليم، فالمنتخب المصري وحد الانتماء وألغي الفرقة وقرب المسافات والقلوب، ليعيد المصريون شعورهم بالوطن ويرفعون العلم مجددا، فكان سلوكهم الجمعي حقا علامة علي حبهم لوطنهم بعد محاولات حثيثة من البعض علي مدي الدقائق والساعات واليوم لتفريق المصريين ليكونوا أحزابا متفرقة لا يجمعم أي رابط سوي الخلافات.

 

لقد عادت الفرحة للمصريين بعد 28 عاما من تغييب متعمد أو غياب  عن أعراس المونديال، فرحة تعم مصر بكاملها، فرحة حملت  معها الآمال والطموحات، الجميع على قلب رجل واحد تحت شعار "الفرحة والنصر".

 

نعود الي عالمنا العربي الكبير، حيث تفصلنا بضعة أشهر فقط عن موعد مونديال روسيا 2018، ونأمل أن تتضاعف فرحتنا بمنتخباتنا العربية المشاركة ويكون مستوئ أدائها رائعا كما كانوا في التصفيات التمهيدية، وأن يمتعونا بنفس القدر من المتعة والسعادة التي شعرنا بها.

 

احمد المرشد

كاتب ومحلل سياسي بحريني

[email protected]