صدى العرب : أبناء بحاجة إلي إحتواء (طباعة)
أبناء بحاجة إلي إحتواء
آخر تحديث: الجمعة 17/09/2021 08:23 م
هاني سالم هاني سالم
سادت حالة من الحزن بين جموع الشعب المصري، وبين رواد مواقع التواصل الإجتماعي، التي إتشحت بالسواد خلال الساعات الماضية، بعد تداول مجموعه من الفيديوهات، التي توثق لحظات إنتحار فتاة قفزت من الدور السادس، بمول سيتي ستارز بمدينة نصر، في الساعات الأولى من صباح يوم أمس، لتلقي حتفها بشكل بشع. وتوجه الكثيرين باللوم على أسرة الفتاه، بسبب إقدامها علي الإنتحار في لحظة "يأس" وحاله من الإحباط، وأكد البعض أنها كانت تعاني من المضايقات الأسرية، خصوصاً من الأب، حتي وصل بها الحال إلي حاله نفسيه سيئه وصلت حد الإكتئاب، لتتخلص من حياتها بالإنتحار، وربنا وحده أعلي وأعلم ماذا كانت تمر به، وما تكن نفسها وما يدور بداخلها، حادث أبكي جموع الشعب المصري، حزناً وألماً علي هذه الفتاه البريئة.

هذه الحادثه تجعلنا نتوقف كثيراً أمامها، وهي بمثابة ناقوس خطر يدق في مجتمعنا، وجرس إنذار لكل الأسر، من أجل الإهتمام بأبنائهم أكثر وأكثر، فالقرب منهم، يساعدهم على الشعور بالأمان النفسي، فعندما نرزق بالأبناء يغمر شعورنا بالبهجه، وتنبت أيامنا زهوراً يانعه، فهؤلاء الأبناء هم سر سعادة الملايين، الأبناء هم زينة الحياة الدنيا، وهم متعة الحياه، وبهم يسعد الوالدان، فيجب الإهتمام بهم، وإحتوائهم، ومتابعتهم، والحرص على تكوينهم، ليكونوا نواة إيجابيه يسعد بها الوالدان، وكذلك يعتز بها الوطن، فيجب الحرص على التنشئه السويه للأبناء، وإحتوائهم الإحتواء الصحيح والإيجابي، وحسن التواصل معهم، وتوجيهم بالخير، لينشئوا على الإستقامه والصلاح.

نعم فالأبناء من سن الطفوله، مروراً بسن المراهقه، وصولاً بالشباب، بحاجه الى إحتواء، أبناؤنا بحاجه الي الإنتماء العاطفي، الإبن أو الإبنه بحاجه الى الشعور بالحب والتقبل، واجبنا كمربيين أن نعلم فن التعبير عن المشاعر لفلذات أكبادنا، والإبن في كل مراحل عمره بحاجة عاطفه، فلن ولم يتقبل التوجيه والنصح مالم يتشبع عاطفياً.

«« ماذا يريد أبنائنا »» 
يريدون من يستمع لهم، لا أن ينتقدهم، ويريدون أن نعزز ثقتهم بأنفسهم، يريدون الإحساس بالحب والدفء والحنان والتقبل، والرفق واللين، والإحتواء والمناقشه الفكريه العقلانيه، وإحتضانهم وعدم العصبيه ضدهم، وعدم المصادمه بالحديث والأفعال، وكذلك عدم الإصرار على الرأي إلا من خلال معلومه، والأخذ بمبدأ المناصحه وليس الإجبار، فيجب تطبيق أسس الحوار والنقاش.
 يجب كسر حاجز الأبوة والنبوة، وإستبداله بعلاقة صُحبه وإخوه، لا سيما الفتيات، فيجب أن يكون الوالدان لها الأذن الصاغيه دوماً، لأن الفتاه بحاجه لمن يستمع لها، لأنها كتلة من المشاعر الجياشه، وأدني تعليق سلبي يزعزع ثقتها، فالتعامل مع الأبناء فن وعلم، ويجب على الوالدين وعلي كل أسره إتقانه، كي يعيش فلذات أكبادنا بسلام وأمن نفسي مستقراً. 
لا شك أن الإحتواء العاطفي يشكل ثمانين بالمئه من إحتياجات الأبناء، ولعل الكثير منهم يعيش فراغ عاطفي، وهو سبب المشاكل النفسيه التي يعيشها أبناؤنا اليوم، وسبب رئيسي في الإضطرابات العقليه، وإختلال التوازن الفكري والعاطفي والإنفعالي، فالإحتواء العاطفي هو إحتواء الوالدين أبنائهم نفسياً، لسد جميع ثغرات أو ثواغر الإحتياجات، حتي لا ينعكس علي الأبناء بالسلب. فالإحتواء والإحتضان يحقق الإتزان العاطفي والإتزان الإنفعالي، والطمأنينه، والأمن والإستقرار النفسي لهم، بعيداً عن الإضطرابات النفسيه والسلوكيه التي تلحق بالأبناء، وتقودهم إلي الهلاك، وما لا يحمد عقباه.
إن التعامل مع أبنائنا في سن الشباب فن راقٍ، وعِلم واسع، ومسئوليه كبري، فهي مرحله عمريه مهمه، يمر بها الإنسان في حياته، قبل بلوغه مرحله يستطيع خلالها أن يبدأ بالإعتماد على نفسه، ومواصلة حياته بكل ما فيها من ظروف وتحديات ومتغيرات، وعلي الأهل أن يدركوا حساسية هذه المرحله، وأن يلعبوا دورهم كما ينبغي في مساعدة أبنائهم وتوجيهم بأسلوب علمي صحيح، من خلال إدامة التواصل معهم، ومنحهم الثقه، والإستعداد للإجابه عن كل الأسئله التي قد يطرحوها، والإبتعاد عن توبيخهم لأتفه الأسباب والتضييق على حرياتهم، كي يعيشوا هذه السنوات من عمرهم بشكل سلس، خالي من التشنج وسوء الفهم كما ينصح أهل العلم والخبراء والمختصين وتحت أهل العلم نضع مليون خط. 
فلابد من أهمية الأخذ بنصائح علماء النفس، بشأن التعامل مع الأبناء خلال هذه المرحله العمريه، وليست الطرق التقليدية في التربيه التي ورثناها من الآباء والأجداد، فالزمن أصبح غير الزمن، وكل عصر له أساليبه ومتطلباته، وكذلك إحتياجاته، فالكثير من الآباء والأمهات يقومون بالتعامل مع أبنائهم في هذا الوقت بشكل تلقائي وعشوائي، دون العلم بأفضل الطرق المناسبه لكسب ودهم.

وهنا يأتي دور «« علم النفس »»
فتعددت الأهداف التي أدت إلى وصول علم قائم بذاته يدرس كل ما يخص هذه الفتره العمريه (فترة الشباب) فيختلف التعامل مع الطفل عن المراهق عن سن الشباب، فكلاً منهما له أسلوب خاص يختلف عن الآخر، لذلك الشباب لابد من التعامل معهم بأسلوب راق مثلاً: 
*ّ تقدير كلامهم ومشاعرهم، مع إحترام شخصيتهم.
* فتح باب المناقشه معهم لمعرفة آرائهم واقتراحاتهم التي يعرضونها.
* الإهتمام بالإصغاء إليهم، ومدحهم عندما يتطلب الأمر.
* إشعارهم بأنهم مُهمين لدي والديهم، وأنهم مصدر الحب والدعم إليهم، وأقرب الناس لهم.
* إعطائهم حرية القرار، وعدم فرض السيطره عليهم في كل شيء، والثناء عليهم، وإحساسهم بالحب والعطف.
* فهم رغباتهم ودوافعهم السلوكيه وعدم إنتقادهم أمام الآخرين.
* التركيز على الإيجابيات أكثر من السلبيات.
* والخ إلخ إلخ من التعاملات الحسنه والطيبه مع الشباب ومع هذه المرحله العمريه.

في نهاية مقالي هذا، أتوجه لكل أب وأم وكل أسره مصريه، رفقاً بأبنائكم وفتياتكم، وقربوا منهم قدر المستطاع، إخلقوا بينكم حالة سلام ووئام، ووفروا لهم كل دعم نفسي، وساعدوهم علي الشعور بالأمان النفسي، وأكرر جملتي التي ذكرتها من قبل (( يجب كسر حاجز الأبوة والنبوة، وإستبداله بعلاقة صُحبة وإخوه ))
حتي لا نصل إلى ما لا يحمد عقباه، ونرجع نقول ياريت اللي جري ما كان، إستمعوا لهم وأنصتوا، وتعاملوا معهم باللين والمرونه، ليس بالغلظه والأسلوب القمعي الهمجي العشوائي الحاد.
رحم الله تعالي فتاة سيتي ستارز  بواسع رحمته ومغفرته وأسكنها فسيح جناته، فهو وحده أعلي وأعلم ماذا كانت تمر به، وما يدور بداخلها، وما يكن صدرها، وليت الكثيرين من "الغوغائيين والموتورين" يصمتوا ويكفوا عن التدخل في الغيبيات وعلم الغيب، وكفي تنصيب أنفسنا أوصياء على خلق الله، وحكام وموزعين صكوك الرحمه والمغفره، والجنه والنار، وهل المقدم علي الإنتحار كافر ولا مش كافر، كفايه فتي وهبد ورزع وتخبيط بدون علم، كفايه جهل وتخلف وكفي هجوم علي روح بريئه لا يعلم بها غير الخالق سبحانه وتعالى، وهي الآن بين يدي المولي عز وجل. ولندع الخلق للخالق وحده.