صدى العرب : حكايات مصيرية.. غيرت وجه العالم.. الهجرة (طباعة)
حكايات مصيرية.. غيرت وجه العالم.. الهجرة
آخر تحديث: الإثنين 09/08/2021 09:54 ص
الكاتب الصحفي: الحسيني عبدالله الكاتب الصحفي: الحسيني عبدالله
لم تعرف البشرية . رحلة غيرت وجه العالم , ووضعت حدافاصلًا بين مرحلتين، ليس فقط بين المرحلة المكية التي ظل النبي صلي الله علية وسلم يدعو فيها الي الله ثلاثة عشر سنة ، والمرحلة المدنية التي شهدت تأسيس الدولة . وظهور الدين ألاسلامي ، وإنما يمكن أن نقول،أن الهجرة كانت مرحلة فاصلة بين حضارتين، بين حضارات كانت تقصي الآخرين وتستعبد الضعفاء مثل الحضارتين الرومانية والفارسية، وبين حضارة إسلامية أسسها الرسول الأعظم بقيم أخلاقية مثالية منبعها الدين الإسلامي الذي يدعو إلى عبادة الإله الواحد، إنها حضارة عربية إسلامية دعت إلى الكثير من القيم مثل المساواة والعدالة في كل شيء، واستوعبت حضارات الآخرين وانصهرت معها. وغيرت الهجرة النبوية مجرى التاريخ، وحملت في طياتها معاني التضحية والصحبة، والصَّبر والنصر، والتوكل والإخاء، وجعلها الله طريقًا للنصر والعزة، ورفع راية الإسلام، وتشييد لدولته، ولذا فإن دروس الهجرة الشريفة مستمرة لا تنتهي ولا ينقطع أثرها وتتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل. التخطيط للهجرة خرج الرسول – صلى الله عليه وسلم – من بيته ، متوجها إلى بيت أبي بكر، وكان قد أخبره بالهجرة وبالموعد الذي سيغادران فيه مكة، وأمره أن يكتم عليه، وكان أبو بكر – رضي الله عنه – ينتظر تلك الساعة بفارغ الصبر، وكان قلقا على الرسول خائفا أن يصيبه مكروه من القوم، بعدما جهزت قريش عددا من الشباب ليحاصروا بيت النبي الكريم حتي لا يستطيع الخروج وقد تم الاتفاق بين سادت قريش " اذا خرج محمد يضرب ضربت رجل واحد فيقتل ويتفرق دمه بين بطون قريش فتقبل بني هاشم الدية "ولكن الرسول كان محفوفا بالعناية الربانية، ولهذا خرج على القوم دون أن يتردد بعدما نام علي كرم الله وجهه في فراش سيد الخلق وفي بيت أبي بكر وضع الرسول خطة كاملة للهجرة، وأعد لكل شيء عدته، لأنه – صلى الله عليه وسلم- يعلم أن اتخاذ الأسباب أمر يقتضيه كمال الإيمان وحسن التوكل، وعلى هذا الأساس وضع برنامج الهجرة. الاخذ بالاسباب كان لابد من سلوك طرق غير مألوفة حتى لا يعترضه أحد من أعدائه، فاستأجر لذلك الدليل – عبد الله بن أريقط- وكان ماهرا يعرف الطريق معرفة جيدة، وكان عبد الله مشركا، ومع ذلكَ ائتمناه على هذا السر الخطير، ووفى الرجل بعهده فلم يخن ولم يغدر، ولو فعل لم يلم لأنه على دين قومه، ولا يهمه أمر المسلمين في شيء، ورصدت قريش مائة ناقة لمن يأتي بمحمد حيا أو ميتا، وأبت نفس ابن أريقط أن يربح هذه الجائزة على حساب رجل ائتمنه ورضي بأجره المتفق عليه. وكان لابد أن يختفي رسول الله فترة عن أعين الناس حتى يهدأ الطلب وتفتر الهمم في اقتفاء أثره فيتمكن من السير وهو آمن. فأدلج إلى غار ثور، أقام فيه ثلاثة أيام، ولم ينس رسول الله أن يدبر أمر الطعام والشراب والأخبار في تلك الفترة التي سيقضيها في الغار، فجعل أسماء بنت أبى بكر -رضي الله عنها- لإعداد الطعام والشراب تأتيهما به ليلا حتى لا يراها أحد. وجعل على أخبار القوم عبد الله بن أبي بكر، كان يسمع ما يدور في مجالس القوم نهارا ويعيه فإذا جن الليل أتاهما بأخبار الناس وأعلمهما بما يتكلمون به، وعلى أساس هذه الأخبار يخطط للبقاء في الغار أو لمغادرته وكان -صلى الله عليه وسلم- يخشى أن يرى أحد من المشركين أثار أقدام عبد الله بن أبي بكر وأخته أسماء فيستدل بها على مكانهما فأمر عامر بن فهيرة مولى أبي بكر أن يسرح بالغنم مبكرا على آثارهما فيعفى عليها، ويزيل ما قد يكون سببا في معرفة مكانهما، كما كان يريح الغنم عليهما ليلا فيذبحان منها، ويحلبان فيشربان. ومع كل هذه الاحتياطات، ورغم كل التخطيطات وصل القوم إلى الغار، ولكن هل على الرسول وصاحبه لوم إذا عرف القوم مكانهما بعد ذلك، كلا، فقد اتخذا كل الاحتياطات اللازمة وبذلا كل ما في وسعهما والله – سبحانه – بعد ذلك يتولى ما لم يقدرا عليه. الثقة بالله وصل المشركون إلى الغار، ورأى سيدنا أبو بكر – رضي الله عنه – أقدامهم فقال: “يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر تحت قدميه أبصرنا”، والرسول يهدئ من روع أبي بكر ويقول: “يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ لا تحزن إن الله معنا” . لقد كان رسول الله في ثقة تامة بالله -عز وجل- وكيف لا وهو لم يهمل سببا من الأسباب، ولم يقصر في أمر يستطيعه، وأكثر من هذا فقد كان خروجه بأمر الله، والله – تبارك وتعالى – لا يضيع نبيه أبدا. لهذا كان الرسول يخاطب أبا بكر وهو موقن أن الله لن يضيعهما ولابد أن يرد عنهما عدوهما، وقد كان. وتولى الله صرف المشركين عن الغار، أما كيف؟ وبماذا؟؟ فهذا ما لم يخطر لأحد على بال. لم يرسل الله ملائكة تحرس النبي وصاحبه، ولم يسلط على القوم جيشا يردهم عن وجهتهم. بلا كان ذلك بجندا ضعيف من جنود الله سبحانة جل في علاة وهو العنكبوت الذي نسج خيوطة علي باب الغار مضت على الرسول الأيام الثلاثة وهو في الغار، وهدأ الطلب ويئس المشركون، واطمأن الدليل فوافاهما براحلتيهما، وغادر رسول الله الغار مع صاحبه في رعاية الله وحفظه. وسلك الدليل بهما طريقا لا يعرفها كثير من أهل مكة إمعانا في تضليل المشركين، وضمانا لسلامة المهاجرين، وكان السائرون في هذا الدرب أربعة: رسول الله، وأبو بكر، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر صحبهما ليقوم بخدمتهما، ثم عبد الله بن أريقط دليلهما. أخذ الدليل بهما طريق الساحل، وسار أمامهما، الطمع في الجائزة

جد الناس في النبي وصاحبة رغبة في الحصول على الجائزة الثمينة التي رصدتها قريش لمن يأتي بهما أو بأحدهما حيا أو ميتا. ورغم إمعان الدليل في التضليل، ورغم الجهد المبذول في التخفي إلا أن سراقة ابن مالك أدرك المهاجرين، وخاف أبو بكر – رضي الله عنه – مرة أخرى وقال: “هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله”، وأجاب الرسول بكل ثقة واطمئنان: “لا تحزن إن الله معنا”. لقد حاول سراقة أن يفوز بالجائزة، إنها ليست شيئا هينا بل هي مائة ناقة عن كل واحد منهما، يقول سراقة: “كنت أرجو أن أرده على قريش فآخذ المائة الناقة”. وفرح سراقة عندما رأى الرسول وصاحبه، وحدثته نفسه بالثروة العظيمة التي تنتظره، لا شك أنه سيكون من سادة قريش وأثريائهم، ومن سيكون أكثر ثراء منه فيهم إنه سيكون بعد قليل صاحب مائة ناقة إن لم يكن صاحب مائتين. وهمز سراقة فرسه ليدرك الركب، وجد في السير، وأجهد فرسه ولكن حيل بينه وبين ما يشتهي، فكيف حصل هذا؟ ولنترك سراقة يحدثنا بما حصل له، قال سراقة: “فلما بدا لي القوم ورأيتهم عثر بي فرسي، فذهبت يداه في الأرض، وسقطت عنه، ثم انتزع يديه من الأرض وتبعهما دخان كالإعصار، قال: فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد منع مني، وأنه ظاهر”. إن سراقة رجل قد أراد الله به الخير فهداه إلى الحق، وأدرك أنه ما دام لم يستطع الوصول إليه وهو أمامه فلا بد أن يكون له شأن، وإلا فما الذي يحول بيني وبينه؟ وأدرك سراقة سر هذه الحيلولة فأمن بالله ورسوله، وأخذ على نفسه أن يرد عن الركب كل ما يطلبه. لم يكن الرسول – صلى الله عليه وسلم- دخل في رد سراقة، ولكن الله هو الذي رده، إن الرسول قد اتخذ الأسباب التي يستطيعها، فسلك طريقا غير معروفة، وأخذ الدليل ليهديه، واستخفى عند خروجه وذلك ما يستطيعه، فإذا حدث ما لم يكن في الحسبان فالله – عز وجل- يتولى دفعه، وقد كانت المعجزة التي شاهدها سراقة فعلم أن الرسول ممنوع لامحالة فآمن به. وقف سراقة بين يدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعرض عليه الزاد والمتاع وأخبره بما يريد به الأعداء، فلم يقبل الرسول منه زادا ولا متاعا وأمره أن يخفي أمره ولا يخبر أحدا به.

” كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ ” والتفت الرسول إلى سراقة وقال: ” كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ ” إنها كلمة لا يقولها في مثل هذا الموقف إلا رجل عظيم تام الثقة بالله – عز وجل- إن الرسول يطارده قومه، وقد خرج من بينهم مهاجرا إلى بلد آخر مستخفيا، ثم يخبر سراقة بأنه سيلبس سواري كسرى، إنه أمل عظيم في الله – سبحانه – وثقة تامة في نصره المبين. ويعود سراقة بهذه البشارة الطيبة وبكتاب أمان كتبه له أبو بكر بأمر الرسول، ويعود فوق ذلك بإيمان ملأ قلبه فكان ذلك عنده خيرا من ألف ناقة.وقد تحققت هذة البشارة في عهد أمير المومنين عمر ابن الخطاب بعدما فتح المسلمين بلاد الفرس وجاءت الغنام الي المدينة وقد البس عمر ابن الخطاب سراقة ابن مالك سواري كسري تحقيقا لوعد رسول الله صلي الله علية وسلم له حكاية أم معبد ومر الرسول وصاحبه بخيمتي أم معبد وهي امرأة من خزاعة كانت تجلس في خيمتها تطعم وتسقي من يمر بها فسألاها عن شيء يشترونه، فأجابت لو كان عندي ما أعوزكم القرى. ورأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في جانب الخيمة شاة فقال: “ما هذه الشاة يا أم معبد؟ ” فقالت: “هي شاة خلفها الجهد عن الغنم”. فاستأذن منها، وحلبها فتفاجت فدرت، وملأ الرسول منها إناء يكفي الرهط فسقاها ثم سقى أصحابه ثم شرب أخرهم، ثم حلب في الإناء مرة أخرى حتى ملأه وتركه عندها وغادرها. وهكذا يضرب الرسول المثل في حب الخير للناس لقد كان يستطيع أن يرحل عن أم معبد دون أن يحلب لها، ويكفي أنه سقاها وسقى أصحابه ولكنه – صلى الله عليه وسلم – كان حريصا على أن يصل الخير إلى الناس جميعا. ولعلها لا تجد ما تطعم منه زوجها إذا حضر فترك عندها ما تستعين به على ذلك. وفي الطريق لقي الركب الزبير بن العوام – رضي الله عنه – قادما من الشام في تجارة له، ومعه بعض المسلمين، فكسا الرسول وأبا بكر ثيابا بيضاء مما جلبه من الشام. وسار الركب المبارك شطر المدينة، وعلم الأنصار بمقدمه فخرجوا لاستقباله وقد لبسوا سلاحهم وتلقوه بظهر الحرة المعروفة بحرة الوبرة – الحرة الغربية – فمال بهم – صلى الله عليه وسلم – ذات اليمين متجها إلى قباء حتى نزل في بني عمرو بن عوف وكان ذلك في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول.