صدى العرب : إذا بغيتـــــه يجنــــــع (طباعة)
إذا بغيتـــــه يجنــــــع
آخر تحديث: الأربعاء 14/07/2021 10:25 ص
السفير: خليل الذوادي السفير: خليل الذوادي
التمر غذاء لمعظم شعوب بلادنا العربية وهو كذلك في كل مراحله قبل أن يصبح تمرًا يتم التكيف فيه بأشهى مأكولات الحلويات، وأنواعه كثيرة، وهو يعتبر فاكهة الصيف بامتياز في معظم بلادنا العربية؛ ولذلك فإن عشق أهالينا للرطب والتمر جعلوه في مقدمة مأكولاتهم التي لا تخلو مائدة منه، إضافة إلى إهدائه لأعز الناس عندهم أهلهم وأصدقائهم ومعارفهم وجيرانهم ولمن يحلون عليهم ضيوفاً من بلادٍ شقيقة كما اتخذه الأجداد والآباء مثالاً للقناعة والرضا، فيقولون في وارد أدبياتهم الشعبية: «إذا بغيته يجنع خله يقلع» أي إذا أردت من ضيفك القناعة والرضا اجعله بنفسه يأخذ بغيته من التمر؛ فقد كانوا يضعون التمر في «القليل» وهي عبارة عن إناء يصنع يدويًا من خيرات النخيل كالخوص والسعف وتتم معالجته بما يتلاءم مع محافظته على التمر لمدى طويل، ويتم توزيعه على الجيران والأهل كما يباع في الأسواق الشعبية، ويتم أيضاً تصديره للبلاد التي يشح فيها التمر.

وعندما يقال في أدبياتنا الشعبية «إذا بغيته يجنع خله يقلع» الجناعة هي القناعة وهي الرضا والاكتفاء بالحاجة ولا يتم الرضا إلا بقيام الشخص بنفسه بأخذ حاجته من التمر أو ما شابه ذلك وهي حكمة درج مجتمعنا على أخذ حاجته والإكتفاء بما يحفظ عليه حياته ويرضى طموحه، ويأخذون من واقع حياتهم ما يؤكد على السعي من طرفهم لإدخال الرضا والقناعة لأنفسهم والأولى أن يباشر الإنسان عندهم حاجته من الزاد واللباس وكل ما يحفظ لهم عيشهم وأسلوب حياتهم، ويضفي على مجتمعهم التكاتف والقناعة والرضا.

كان أحد المزارعين من قرية بني جمرة ويدعى خليل بن زيد يأتي إلى البديع حاملاً معه الرطب والتمر بأنواعه، وكان ديدنه أن يقول للمشترين خذ من هذا وهذا قبل أن تقرر الشراء وكالعادة من الممكن أن يأخذ المرء «فردة» أي نموذجاً من كل شيء ويتذوقه المشتري فإذا استطعم ما أخذ يطلب من المزارع خليل بن زيد أن يزن له كيلو أو ما شابه ذلك.

وكان أحد زملائنا يتفنن في غضب المزارع خليل بأن يأخذ كمية من الرطب والتمر؛ فيغضب المزارع ويقول له: «قلنا لك ذوق ما قلنا لك خذ رطل» فنتضاحك من تصرف الأثنين شعوراً بالألفة والمحبة بين البائع والمشترين.

الحياة علمتنا أن نعيش مع بعضنا في وئام وانسجام وأن نستفيد مما تجود به أراضينا من مزروعات وثمار وكذلك ما تجود به بحارنا من خيرات كثيرة أولها طبعاً اللؤلؤ ودوره التاريخي في زمن الغوص على محار اللؤلؤ من تجارة واقتصاد وطني أخذ مداه على مرور الزمن، إلى الأسماك بأنواعها الطازجة والمجففة، وشهدت أسواقنا الشعبية في المدن والقرى كل هذه الخيرات المتاحة للناس وبأسعار تناسب مداخيلهم واحتياجاتهم الحياتية... 

اعتدنا في مدينة الحد أن نذهب لسوق السمك واللحم في جنوب الحد وأن يكون متاحاً لنا كل ما هو طازج من خيرات وكان الناس يعرفون بعضهم بعضًا والبيع والشراء يتم بروح طيبة وفرح بالاستفادة من خيرات وطننا، كما كنا في البديع نعرف بيوت البحارة ومتى يعودون فنذهب إلى بيوتهم وشراء حاجاتنا من الأسماك، والبيع نقدًا أو سلفة معمول به وإن لم يسجل في دفتر وإنما الكل يعرف مسؤوليته وواجبه نحو أخيه؛ وكانت أيضًا متعتنا عندما نذهب إلى أسواق المنامة وتحديدًا سوق السمك واللحم والخضرة وتجد البحرينيين هم من يديرون بضاعتهم والمشترون يعرفونهم بأسمائهم والمناطق التي جاءوا منها وتميز منطقة عن منطقة فالأنواع متاحة والأسعار في متناول الجميع وحتى الأسماك التي تأتي من جيراننا وأشقائنا الخليجيين تجد في السوق من يعتني بها ويشرف عليها والتنافس الشريف معمول به والكل يأخذ حاجته وبغيته بنفس رضية.

وأسواق المحرق والرفاع أيضًا لا تقلّ إقبالاً عن أسواق المنامة وغيرها في مدن وقرى البحرين، فالخير موجود والمشترون البدائل أمامهم كثيرة...

واليوم عندما نشهد سوق المزارعين اليومي في سلماباد وسوق المزارعين الأسبوعي في حديقة التجارب الزراعية بالبديع نأمل أن تعاد إلينا الأسواق التي كنا نغشاها في طول البلاد وعرضها ببضائع وثمار الخير من النخيل والبحر، فما أجمل القناعة والرضا وما أجمل أن يباشر الإنسان حاجته ويعاين بروح طيبة ثمار بلده وخيرات مجتمعه، ونحن نردد: «إذا بغيته يجنع خله يقلع»؛ فالقناعة كنز لا يفنى.

وعلى الخير والمحبة نلتقي