صدى العرب : فص عويس ولؤلؤ البحرين (طباعة)
فص عويس ولؤلؤ البحرين
آخر تحديث: الأربعاء 23/08/2017 11:00 ص
السفير: خليل الذوادي السفير: خليل الذوادي
 
 
يقال إن تكوّن اللؤلؤ نتيجة مرض يصيب محار اللؤلؤ فيتم إفراز سائل يكون من شأنه تكوين اللؤلؤة أو الدانة، والأمر كله لله سبحانه وتعالى، وكذلك يقال إن فص عويس هو نتيجة مرض يصيب شجرة مانجو العويس فيظهر فص عويس ملازمًا لثمرة المانجو الأصلية من شجرة العويس، والعويس هو من بين ألذ أنواع المانجو المصرية، ويأتي الفص ليضيف إليها حلاوة فوق ما هي حلوة.

ومن هنا فلؤلؤ البحرين ذو السمعة الطيبة والصيت العالي كسب الاعتراف الدولي بنقائه وصفائه وطبيعيته، وأصبح اللؤلؤ البحريني حلم الجميلات ومنتهى أمل من ينشدن الزينة واقتناء الحلي والمجوهرات مثله مثل الذهب البحريني الأصيل في تشكيلاته المتعددة والمتطورة وعياره الثقيل والمراقبة والإشراف الحكومي ووضع الدمغة الرسمية عليه محافظة على رونقه وعلى خاصيته، كما أن هدايا الزائرين لمصر لأهلهم وأقرانهم وأصدقائهم خاصة في الصيف يكون المانجا بأنواعه وبالذات فص عويس، وأنا أقلب هذه الخاطرة في بالي وإذا ما كنا قد تعلمناه في مدارسنا بمختلف مراحلها وحتى الجامعة يقفز في ذهني مفهوم «التكامل الاقتصادي» الذي كان مدرسونا يتكلمون عنه الكثير، ويضربون لنا الشواهد الناصعة من بلداننا العربية من المحيط إلى الخليج العربي والتي تؤكد على هذا «التكامل» ومع الوقت أدركنا إن «التكامل» ليس اقتصاديًا فحسب فهناك أنواع وأشكال وطرق للتكامل سياسيًا وماليًا وثقافيًا واجتماعيًا وتاريخيًا وقانونيًا وتشريعيًا ولكننا برغم كل المحاولات والجهود والنوايا الطيبة الحسنة لم نصل بعد إلى هذا التكامل في جوانب هذه التكاملات لأسباب ليست بخافية عنا جميعًا. لتقتحم لحظات تأملي وتمعني في حالنا أغنية كوكب الشرق أم كلثوم «مصر تتحدث عن نفسها» من كلمات شاعر النيل حافظ إبراهيم، وهي قصيدة طويلة، وألحان الرائع رياض السنباطي وغنتها أم كلثوم عام 1969م لتجعلنا هذه الأغنية نتأمل ونعيد توازننا كعرب ونحن نستمع إلى كلمات تؤكد على عظمة مصر قلب العروبة النابض ومركز إشعاع حضاري وثقافي وسياسي واجتماعي واقتصادي، وتشاركها في أجزاء منه دولنا العربية على امتداد الوطن العربي كله، فالتغني في بلد عربي واحد هو تغن ببلدان وشعوب عربية مجتمعة تربطها أواصر وعلاقات لا تنفصم عراها مهما تكالبت عليها قوى الشر. 

مصر تتحدث عن نفسها قالها حافظ إبراهيم:

وقف الخلق ينظرون جميعًا 

كيف أبني قواعد المجد وحدي

وبناة الأهرام في سالف الدهر

كفوني الكلام عند التحدي

أنا تاج العلاء في مفرق الشرق

ودراته فرائد عقدي

إن مجدي في الأوليات عريق 

من له مثل أولياتي ومجدي

أنا إن قدر الإله مماتي 

لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي

ما رماني رام وراح سليمًا 

من قديم عناية الله جندي

فمصر العظيمة هي سند لأمتها وذخر لشعوب عربية أدركت أن التلاحم والالتفاف العربي هو قوة ومنعة وفي كل بلد من بلداننا عناصر قوة كامنة واستعداد فطري متى ما استثمرنا ذلك الاستثمار الحقيقي وواجهنا التحدي بتحدٍ أكبر منه، وأعود إلى الثنائي أو قل الثلاثي حافظ إبراهيم، ورياض السنباطي وأم كلثوم.

كم بغت دولة عليَّ وجارت 

ثم زالت وتلك عقبى التعدي

إنني حرة كسرت قيودي 

رغم أنف العدا وقطعت قيدي

أتراني وقد طويت حياتي 

في مراس لم أبلغ اليوم رشدي

ويتحدى حافظ إبراهيم شاعر النيل من يقف متحديًا إرادة المصريين وإرادة كل عربي حر ينشد الخير لأمته وأبناء وطنه فيقول:

أمن العدل أنهم يردون الماء 

صفوا وأن يكدر وردي

أمن الحق أنهم يطلقون 

الأسد منهم وأن تقيد أسدي

نظر الله لي فارشد أبنائي 

فشدوا إلى العلا أي شد

ويمضي حافظ إبراهيم شاعر النيل وشاعر العرب فيقول ناصحًا:

إنما الحق قوة من قوى الديان 

أمضى من كل أبيض هندي

قد وعدت العلا بكل أبي 

من رجالي فانجزوا اليوم وعدي

وارفعوا دولتي على العلم والأخلاق 

فالعلم وحده ليس يجدي

نحن نجتاز موقفًا تعثر الآراء 

فيه وعثرة الرأي تردي

فقفوا فيه وقفة الحزم وارموا 

جانبيه بعزمة المستعد

ويختم حافظ إبراهيم رائعته بقوله:

أنا تاج العلاء في مفرق الشرق

ودراته فرائد عقدي

إن مجدي في الأوليات عريق 

من له مثل أولياتي ومجدي

إنها لحظات وإيماءات تأمل تفرض علينا جميعًا التمعن والدراسة المتأنية الواعية وخلود الثقافة والفن والأدب في بلداننا هو عنوان أمة تملك كل هذه المقومات من الصعب أن ينال منها أعداؤها وإن حاولوا ولو بشتى الوسائل والطرق إضعافها وتشتيت شملها، وواجبنا أن نعيد على مسامع الأجيال تلك الروائع التي تذكرنا بماضينا وفي نفس الوقت تؤكد على عناصر القوى الكامنة فينا والتي إن أحسنا استغلالها والبناء عليها فإننا سنكون بإذن الله بخير.

وهذا يقودنا إلى دور الفن في بناء الوجدان وغرس القيم التي ربما يمر علينا الزمن ونحن ننسى أو نتناسى ما مر بنا، فكنوزنا الثقافية والأدبية والشعرية بها من المعاني والقيم التي نحن اليوم بحاجة ماسة إليها ومحاولة انبعاثها في صورة أغنية أو فكرة لمسلسل أو طرحها في مواضيع حوار قيم تتناوله فضائياتنا المتعددة من شأنه أن يثري ثقافة وفكر هذه الأمة التي هي بحاجة إلى الإعلاء من شأن قيمها ومحافظتها على هويتها وكينونتها لخير شعوبها وأوطانها.