صدى العرب : أحمد رمزى «قاموس الإنسانية» فى الزمن الجميل (طباعة)
أحمد رمزى «قاموس الإنسانية» فى الزمن الجميل
آخر تحديث: الثلاثاء 24/11/2020 06:33 م أحمد إسماعيل
زار الملك فاروق فى «منفاه» سرا.. ورفض مقابلة «الشعراوى»

عندما تتمعن فى حياة النجم الراحل أحمد رمزى (1930-2012)، ستجد نفسك أمام "عُمر من الأحزان" وليست حياة تكسوها السعادة وصخب الرفاهية اللذيذ، كما يعتقد البعض، فلو كان العمر يقاس بـ"السعادة" فربما مات "رمزى" وهو فى ريعان الشباب، وليس كهلاً فى "الثمانينيات" بفعل "الفناء".

لقد سمعنا عن "الجينات الوراثية" فى الأمراض والصفات، ولكن فى تكرار الأقدار يبدو أمراً صعباً، حيث ذاق "رمزى" مرارة كأس الإفلاس مرتين فى حياته، المرة الأولى عندما أفلس أبوه الطبيب السكندرى، بفعل المغامرة فى البورصة، ومات الأب بحسرة التحول من "الثراء" إلى "الفقر المدقع"، واضطرت والدته إلى العمل للإنفاق عليه، والمرة الثانية بعد أن وصل "رمزى" إلى "الثراء الفاحش" فى "ثمانينيات" القرن الماضى من "صناعة السفن"، ثم ضياع أمواله فى مطلع "التسعينيات" بسبب "حرب الخليج"، وعاد "الفقر" من جديد يعزف سيمفونية القهر على "أوركسترا قلبه"، فاضطر إلى العودة للتمثيل رغم اعتزاله فى منتصف السبعينيات، فى أعمال فنية لا تليق به وبمكانته كأحد أهم الرموز فى تاريخ الفن المصرى.

والشطر الأكثر إيلاماً فى قصيدة أوجاع "الفتى الوسيم"، نجله "نواف" المصاب بـ"إعاقة ذهنية" والذى قام بتسميته على اسم الأمير السعودى نواف بن عبد العزيز، بحكم الصداقة الوطيدة بينهما، واصطحبه الوجع على نجله "نواف" حتى نهاية العمر، إلى جانب "الأحزان التقليدية" فى منحنى حياة البشر، وأوجاع أخرى يطول شرحها.

كان رمزى من "أطيب القلوب" التى عرفها البشر "نقياً" و"شفافاً" و"واضحاً" لأبعد الحدود، كان بمثابة "البرزخ" الذى كان يجمع بحرى النجمين عمر الشريف ورشدى أباظة، فقد كان صديقاً مشتركاً بينهما، لكن "الشريف" و"رشدى" كان "دمهم تقيل على بعض"، ربما بفعل "المنافسة بينهما"؛ فكان "الشريف" يتربع على قلوب النساء بـ"رومانسيته الحالمة"، بينما "رشدى" كان معشوق النساء بفعل "الشقاوة" و"خفة الظل".

وحاول "رمزى" أكثر من مرة أن يجمعهما على طاولة الصداقة لكن دون جدوى، ورغم ذلك نجح فى الاحتفاظ بصداقتهما، ولم ينحَز لطرف على حساب الآخر.

وفى ذاك الزمن الفنى الجميل، لم تكن هناك مؤامرات، أو مكائد، مهما كان الاختلاف، فرشدى أباظة كان مرشحاً للعب دور البطولة أمام شادية فى فيلم "مراتى مدير عام"، ولكن عندما تزوجت شادية من صلاح ذو الفقار، تم إسناد الدور لـ"ذو الفقار"، وفى أول يوم تصوير ذهب رشدى أباظة إلى الاستديو، فهرب الجميع خشية رد فعل "أباظة"، لكنه كان يحمل "بوكيه ورد" وكتب عليه "أتمنى لكم زواج سعيد وبالتوفيق فى الفيلم"، كانت تصرفات "الأمراء" طاغية على هذا الجيل.

لذلك رغم عدم التوافق بين عمر الشريف ورشدى أباظة، لم يكن أحدهما يدبر المكائد للآخر، أو يتمنى الانهيار للآخر، فكان "النقاء" سيد الموقف على هذا الجيل.

وكانت هناك صفة واحدة تجمع الثلاثة (رمزى، رشدى، الشريف) وهى عشق المغامرة و"الجنون" لأبعد الحدود، وهل هناك مغامرة أكثر من أن "رمزى" يتزوج الراقصة نجوى فؤاد، لمجرد ظهور شائعة فى الوسط عنهما.

ونعود إلى "الإنسانية المطلقة" لـ"الفتى الوسيم"، فقد كان لـ"رمزى" موقف يجسد تلك الإنسانية، عندما زار الملك فاروق فى منفاه بالعاصمة الإيطالية روما، فى مطلع الستينيات، ورفع بزيارته معنويات الملك وأسرته من الأميرات، ولم يكشف سر هذه الزيارة إلا لصديقيه عمر الشريف ورشدى أباظة، خشية البطش من نظام جمال عبدالناصر، والضباط الأحرار.

وفى "الثمانينيات" رفض "رمزى" مقابلة الشيخ محمد متولى الشعراوى، عن طريق أحد رجال الأعمال المقرب منهما، وقال "رمزى" لرجل الأعمال: "انت ازاى عاوزنى اقابل واحد سجد شكر لله بعد نكسة 67، كيف يفرح فى موت 6 آلاف مجند من البشر، بسبب خلافاته مع عبد الناصر وقتها، أنا مابحبش عبد الناصر، لكن أنا اتوجعت على الجنود اللى الإسرائيليين دفنوهم أحياء بشكل جماعى، واتوجعت على البلد، والشعراوى مش واخد توكيل الدين من ربنا، عشان نتعامل معه زى الأنبياء".

وموقف "فتى الشاشة" من "الشعراوى" يكشف الجانب الإنسانى بداخله، لم يكن "رمزى" مثل "الثعابين" يغير جلده، بل كانت قناعته هى التى تحركه مهما كان الثمن.

كان "رمزى" يخاف على أصدقائه بصورة نفتقدها فى هذا الزمن، فقد حذر عبدالحليم حافظ، من السفر إلى المغرب فى صيف 1971، بسبب الاضطرابات السياسية فى المغرب، والتى تشكل خطراً عليه، خاصة فى ظل علاقة "العندليب" الوطيدة مع الحسن الثانى ملك المغرب آنذاك، وبالفعل اعتقله "المتمردون" على الحكم الملكى أثناء وجود حليم فى مبنى الإذاعة المغربية، وهددوه بالأسلحة لإذاعة بيان الانقلاب على الملك، لكن رفض "العندليب" ولولا العناية الإلهية، وفشل الانقلاب، لدفع "حليم" حياته ثمناً لهذه التجربة، وعندما عاد "العندليب" إلى مصر، كان "رمزى" فى استقباله، واحتضنه بشدة وقال له: "مش قلتلك ياحليم.. إبقى اسمع كلامى بعد كده".

خلاصة حدوتة "الفتى الوسيم"، أنه كان يحفظ عن ظهر قلب "قاموس الإنسانية" وعاش على مفرداته فى حياته وفى التعامل مع الآخرين.