صدى العرب : العرب ينتصرون في معركة الأقصي (طباعة)
العرب ينتصرون في معركة الأقصي
آخر تحديث: الجمعة 04/08/2017 04:57 م
أحمد المرشد أحمد المرشد
 
 
أعتقد أنه لمن يريد الكتابة عن أزمة المسجد الأقصي الأخيرة بين حكومة بنيامين نيتانياهو الصهيونية وبين الشعب الفلسطيني في القدس الشرقية ومدن الضفة الغربية، عليه أن يكتب بعد انتهاء تلك الأزمة عن تداعياتها علي الحكومة الإسرائيلية وما أحدثته من شرخ في المجتمع الإسرائيلي تحديدا. وهذا نتيجة الأخطاء الفادحة التي ارتكبها نيتانياهو ومجلس الوزاري المصغر المعني بالشئون الأمنية، وهذه الأخطاء لم تكن هينة، بل فادحة كادت تودي برئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته الي الهلاك، وياليتها فعلت حتي نرتاح منه ومن أمثال هؤلاء الإرهابيين، فالإرهاب ليس في الدول العربية فقط كما يدعي الغرب، بل يمارسه الإسرائيليون وبوحشية لا مثيل لها ضد الشعب الفلسطيني ولكن العالم لا يري الإرهاب الإسرائيلي، وإن رآه تغافل عنه ولم يعلق عليه.
 
هذه هي بدايتنا، ولهذا لن نتحدث طويلا عن الانتصار الفلسطيني في أزمة الأقصي الأخيرة، والتي سيظل التاريخ يتحدث عنها، فشعب أعزل بلا سلاح يستطيع باتحاده أن يدفع أعتي حكومة يمينية عرفها التاريخ الي تغيير بوصلتها وإلغاء كل إجراءاتها الأمنية في محيط المسجد الأقصي والاستغناء عن  كاميرات المراقبة الإلكترونية التي كلفتها ملايين الدولارات، الي أن تضطر لإزالتها بعد هبة المقدسيين وغيرهم من سكان مدن وبلدات الضفة الغربية.
 
ومن التداعيات الأليمة التي ستظل كامنة في نفوس الإسرائيليين لفترة طويلة، أن قيادات الأمن الإسرائيلي لم تتفق علي كلمة سواء في مسألة تأمين الأقصي، وكذلك لم  تتفق آراء غالبية الخبراء الأمنيين مع رؤية نيتانياهو وأعضاء حكومته اليمينية الدينية. فقد اعترضت القيادات الأمنية علي  نصب بوابات تفتيش إلكترونية على المداخل الثمانية للمسجد الأقصى المبارك، ونبه هؤلاء رئيس الحكومة  الي أن القرار سيكون ذا تبعات أخطر مما تصوروا، رغم أن مستوي تحذيرهم لم يرق لهبة الفلسطينيين التي فاقت كل التوقعات، ولم يتصور أي فرد في إسرائيل أن يكون رد الفعل الجماهيري الفلسطيني بهذه القوة. واعتقدت حكومة نيتانياهو أن رد الفعل الفلسطيني لن يتعدي عن  موجة عابرة وسريعة ليتم فرض الأمر الواقع عليهم، وهذا بسبب انشغال الفلسطينيين بأنفسهم وصراعاتهم الداخلية، علاوة علي أنهم سيملون بسرعة من وقفتهم ويرضخون للشروط الإسرائيلية، وأن الأمر لن يتفاقم ويتطور إلى انتفاضة.
 
ومن تداعيات الأزمة التي انفجرت في وجه نيتانياهو وحكومته، ما تعرض له من اتهامات بجهله للتاريخ، خاصة لأن معظم وإن لم تكن كل الانتفاضات الفلسطينية ارتبطت بالمسجد الأقصي. ومن بين اتهامات الأمن لنيتانياهو أنه عرض أمن إسرائيل للخطر، في وقت لا يجب اللعب فيه.
 
ورغم أن بعض الكتابات الإسرائيلية توقعت أن يكون نيتانياهو فجر أزمة بوابات الأقصي كبداية لحرب مطولة ضد الفلسطينيين لكي يمنح حكومته الشرعية للبقاء فترة أطول أو الحصول علي أصوات مرتفعة في أي انتخابات مرتقبة، إلا أن تلك الأزمة أثبتت ضعف موقف الجيش الإسرائيلي في مواجهة أي انتفاضة فلسطينية حاليا. حتي أن الإدارة الأمريكية فشلت في تجنيد موقف فلسطيني معتدل حيال الأزمة، لينتهي الأمر بإبلاغ إسرائيل بضرورة إزالة البوابات الإلكترونية سبب الأزمة، والتفاوض مع الأردن والفلسطينيين على بدائل، رغم أن  الفلسطينيين رفضوا الحديث عن بدائل، وصمموا علي ضرورة  عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل انفجار الأزمة.
 
ومن تداعيات أزمة المسجد الأقصي علي الجانب الإسرائيلي أيضا، الحرب التي أصبحت علنية بين جهاز الشاباك الإسرائيلي " الأمن الداخلي" وبين الحكومة واليمين الإسرائيلي عموما، وهي الأزمة التي بدأت تحت السطح وخفية في البداية لتظهر الي العلن، كاشفة عن أزمة ثقة كبيرة بين مكونات الحكم في إسرائيل.. فقبل نشوء أزمة البوابات الإلكترونية، حذر رئيس الشاباك نداف أرجمان رئيس الحكومة قائلا: "تخيل أنك وضعت البوابات الإلكترونية ويقف وراؤها نحو20 أو 30 شرطيا، وأن يصل في الوقت مئات المصلين في الأيام العادية والألاف في أيام الجمعة، ليتم فحصهم إلكترونيا فردا فردا، فهذا الأمر يستغرق وقتا، وربما تصفر البوابات وتضطر لإعادة الفحص، الي أن يكتظ المكان بالمصلين المنتظرين ويبدأ صبرهم ينفد الي أن يهاجموا الحراس ". وكان تحذير رئيس الشاباك لنيتانياهو واضحا جدا في هيئة سؤال:" ماذا يستطيع أن يفعل 30 مراقبا فى مواجهة مئات أو آلاف؟ فقد تحدث هنا كارثة".
 
الذين يعلمون بكبرياء نيتانياهو وعجرفته يدركون أن سيرفض هذا التحذير، وقد كان، حيث لم يكترث لكلام خبراء الأمن، واستمرأ في غيه ليتم وضع البوابات الإلكترونية علي مداخل الحرم. المشكلة لم تنته بعد، إذ اندلعت حرب كلامية في البداية لينال كل طرف من الأخر بشتي الطرق، هذه الحرب دارت رحاها بين قيادات جهاز الشاباك من جهة وبين زعماء اليمين الصهيوني من جهة أخري الذين صوروا قيادات "الشاباك" بأنهم  جبناء وانهزاميون، وقال البعض أنهم يجب أن يتركوا مواقعهم لغيرهم من القادرين علي حماية إسرائيل.
 
وبينما كانت هذه الأحداث تجري علي أرض الواقع، انصب تفكير المقدسيين علي التغلب علي هذه الأزمة التي اختلقتها إسرائيل، وبما لا يتهدد مستقبل مدينتهم وحدودها الجغرافية، فكل ما يهم المقدسين الأرض والعرض، ومن ناحية الأرض تحديدا تخوف الفلسطينيون من أن يختبرهم  نيتانياهو بمسألة الأبواب الإلكترونية أولا حتي يطبق "قانون القدس الكبري" في مرحلة لاحقة، وهو القانون الذي تفرض فيه إسرائيل سيادتها الفعلية على القدس الشرقية المحتلة باعتبارها "جزءا من القدس الموحدة"، ولم تعد تكتفي بنهب الأرض الفلسطينية وإقامة المزيد من المستوطنات فيها. وينص مشروع القانون علي ضم المستوطنات في محيط القدس وبيت لحم إلى السيادة الإسرائيلية لتكون تحت نفوذ البلدية الإسرائيلية للقدس "القدس الغربية"، وليكون هذا أمرا واقعا  في القدس قبل استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. وقد مهدت حكومة نيتانياهو لإقرار هذا القانون الباطل، بتوفير 14 مليون دولار لتطوير حوض البلدة القديمة وبناء مصاعد وممرات ونفق تحت الأرض للوصول الي الحي اليهودي في البلدة القديمة وصولا إلى حائط البراق، من خلال حفريات تحت ساحة المسجد الأقصى. كما تشمل الخطة إنشاء مشروع "سكك الحديد المعلقة" في جميع مناطق البلدة القديمة وصولا لى باب المغاربة، وتحسين البنية التحتية لتشجيع السياح وغيرهم على زيارة حائط البراق. وتضاف هذه الخطة لمخططات بناء استيطاني في محيط القدس الشرقية تم إقرارها مؤخرا، لتنضم  الي نحو 64 % من أراضي القدس الشرقية سبق وأن ضمتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من أراضي القدس الشرقية، ما حال دون توسع الأحياء العربية، ليتبقي للمقدسيين ثلث ما كانوا يملكونه فقط قبل الرابع من يونيو 1967.
 
لقد تحدثنا عن الآثار السلبية الناجمة عن أزمة الأقصي ضد حكومة نيتانياهو اليمينية، ليحين الوقت لنشير الي آثارها الإيجابية علي الفلسطينيين في هذا الوقت الحالك بالنسبة للوطن العربي الذي تحيطه الأزمات من كل جانب،  وإذا كان من حقنا التحدث عن إيجابيات، فلعل أهمها هي الثقة بالنفس التي عادت للفلسطينيين بعد أن كادت تضيع هذه الثقة بسبب المشكلات المزمنة بين فتح وحماس والانقسام الفلسطيني، واستطاع الفلسطينيون أن يحتلفوا بانتصارهم وفرض كلمتهم علي الإسرائيليين، ليثبتوا لقياداتهم المنغمسة في المشكلات وللعرب وللعالم أنه ما ضاع حق وراؤه مطالب، والشعب الفلسطيني صاحب حق أصيل في أرضه وقضيته طالما أصر علي استعادة حقوقه المغتصبة وإن طال الزمن. انتصار آخر حققه المقدسيون عندما أثبتوا لأنفسهم وللعرب والعالم أيضا أنهم ليسوا شعبا ضعيفا كما يعتقد البعض خاصة عندما يتعلق الأمر بالمقدسات، والأهم أنهم أثبتوا أن ما تظهره إسرائيل من قوة، هو مجرد خيال وليس واقعا، فإسرائيل ليست بالقوة الجبارة التي لا تقهر، و إنما مجرد دولة احتلال تستغل قوتها العسكرية الغاشمة ضد المدنيين العزل.
 
وبمنطق صراع القوة، يمكننا القول إن الهزيمة لحقت بالإسرائيليين رغم قوتهم العسكرية، وكان النصر من نصيب الشعب صاحب الحق.. ثم من نصيب من ناصر القضية الفلسطينية سواء شعوب أو حكومات عربية الي أن جاء دور جامعة  الدول العربية التي تصدت للإجراءات الإسرائيلية في المسجد الأقصي، لتدعو الي مؤتمر عاجل لوزراء الخارجية العرب لمناقشة الأزمة وسرعة حلها، وقد كان حيث أثبت العرب قدرتهم علي الفعل وليس علي الكلام.. وهنا نجد لزاما علينا استرجاع جزء من كلمة الشيخ خالد بن أحمد الخليفة وزير الخارجية، لأنها أعادت الأمور الي نصابها، وحددت الهدف من عقد الاجتماع العاجل لوزراء الخارجية العرب، ولكم كانت الكلمة قوية ومؤثرة، وعبرت حقا عما يجيش به كل صدر عربي حيال المسجد الأقصي..فقد ذكر الشيخ خالد :"إن السلام والعنف نقيضان لا يجتمعان أبدا، فمن يريد السلام ويسعي إليه، لا يمكن أن ينتهج العنف والقوة لإيذاء الآخرين أو يتعدي علي حقوقهم ويمس مقدساتهم، بل يكون حريصا غاية الحرص علي توفير هذه الحقوق وصونها، ومتجاوبا مع كل مبادرة أو جهد من شأنه أن يقرب السلام الذي سيضع المنطقة بأسرها علي أعتاب مرحلة جديدة نتطلع إليها".