صدى العرب : خريجو ما بعد كورونا (طباعة)
خريجو ما بعد كورونا
آخر تحديث: الخميس 14/05/2020 04:57 م
د. شهاب الدين رجائي د. شهاب الدين رجائي
مما لا شك فيه أن مجتمع ما بعد كورونا سوف يختلف اختلافا جذريا عما قبله، سواء في التعامل النفسي أو الاقتصادي وكذلك السياسي، ولكن ما يعنيني هنا هو أن ألقي الضوء على فئة / شريحة الشباب، لا سيما أولئك المقبلين على سوق العمل وبالتحديد خريجي أعوام 2019 و2020 و2021، ثلاث دفعات من الخريجين في مختلف التخصصات (فيما عدا التخصصات الطبية) سيجدون أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه. فأغلب المؤسسات والشركات تضع الأن خططاً لضغط وتخفيض النفقات، وهو ما يعني بالتالي - من بين ما يعني - تقليص عدد الموظفين، ناهيك عن التوقف عن توظيف موظفين جدد بشكل قد يكون شبه تام في العديد من الشركات والمؤسسات بمختلف أحجامها. وبدون شك سوف يختلف سوق تدريب وتأهيل الخريجين الشباب لتنمية مهاراتهم وصقلها، وهنا ... لا بد وأن ينتبه الشباب إلى أن اكتساب وصقل المهارات أهم بكثير من مجرد شهادة الدورة التدريبية الورقية التي سعوا للحصول عليها خلال سنوات وربما عقود مضت.
تركز العديد من الشركات الأن على العمل من المنزل. فمنذ ما يزيد عن 15 عام، بدأت الشركات الكبيرة في تغيير مفهوم العمل داخل مراكز اتصالات العملاء (Call Centers)، فيمكن لربات البيوت المدربات مثلا أن يختاروا ساعات عملهن وأن يعملن من المنزل، وقد وجدت الشركات في هذا الاسلوب سبيلا لتحقيق وفراً كبيرا في النفقات، فلا مبنى تقوم الشركة بتأجيره وتجهيزه ليعمل به هؤلاء الموظفات، ولا عقود عمل دائمة تكلف الشركة ملايين الجنيهات كمصاريف لهن ... ببساطه ... هن يعملن من المنزل في الاوقات التي يرغبن بها. وجاءت بعدها شركات تقنية المعلومات لتنتهج النهج نفسه، فلماذا يتعين على هؤلاء الشركات القيام باستقدام مهندس برمجيات (مبرمج) من الخارج، وأن تدفع له الشركة تكاليف تذاكر الطيران والاقامة والتأمين الطبي وخلافه، بينما من الأفضل لهذه الشركات أن يبقى هذا المبرمج في بلده، بل في منزله، وأن يتم التواصل معه عن طريق القنوات الالكترونية، وأن تتم محاسبته ماليا بإيداع المبلغ المتفق عليه في حسابه البنكي بعد أن يقوم بإرسال الأعمال المكلف بها بصورة إلكترونية أيضا. وتدريجيا. أصبح العديد والعديد من الشركات العملاقة تتبع هذا النهج منذ سنوات، ناهيك عن التجارة الالكترونية التي تتنامى يوما بعد يوم.
وفجأة.. حل علينا ضيف ثقيل اسمه (فيروس كورونا – كوفيد 19)، وبدأت عدة اقتصاديات عالمية تشهد حاله من التباطؤ والبعض الاخر يعاني من الانكماش وقد يصل البعض قريبا لحالة الركود.
لقد فرض علينا انتشار فيروس كوفيد 19 العديد من الاجراءات الصحية والتي كان وسيكون لها – دون أدنى شك - انعكاسات اقتصادية ونفسية هائلة. وهنا يجب أن ينتبه الشباب، فقد أصبح الحصول على فرصة عمل أكثر صعوبة من أي وقت مضى، كما أن التأهيل للوظيفة سيكون بالطبع مختلفاً عما سبق. لذا، لا مفر للشباب الأن من البدء في تنمية وصقل مهاراتهم في التعلم والتدريب الالكتروني والتدرب الذاتي على المواقع ذات الصلة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر برنامج  Zoom  للتدريب الالكتروني، وبرنامج Google Meet لإدارة الاجتماعات عن بعد وGoogle Classrooms وSkype  وغيرها من البرامج المفيدة سواء للعمل أو التدريب والتعليم عن بعد. ولا يفوتني هنا أن أنوه عن بنك المعرفة المصري والذي يحوي الألاف من الكنوز التي ممكن أن يستقى منها الشباب المعرفة عن بعد. هذه البرامج وغيرها يمكن للشباب تعلمها من خلال شبكة الانترنت مباشرة وبصورة مجانية، كل المطلوب منهم أن يكون لديهم إرادة التعلم وتطوير الذات وتنمية معارفهم ومهاراتهم.
أعلم تماما بأن تغيير طريقة اكتساب المعرفة والمهارات الى الطرق الالكترونية قد تكون صعبة في بدايتها، ولكن على الشباب بذل الوقت والجهد للتعلم والتطور لمواكبة احتياجات سوق العمل الجديدة.
كما لايفوتني هنا أيضا أن أشير إلى العمل الحر بعيدا عن الوظيفة الثابتة والراتب الشهري المعتاد، حيث يمكن للعديد من الشباب التخلص من الضغوط النفسية الناجمة عن قلة الوظائف بأن يبحث في داخله عن أكثر ما يحبه ويتقنه، ومن ثم يقوم بتحويل حلمه الى حقيقة من خلال انشاء مشروع صغير خاص، سواء منفردا أو بالاشتراك مع آخرين. فالكثير من الشباب بداخلهم جواهر ينقصها الصقل والجرأة، ولكن عليهم الحذر من أن يضعوا بأنفسهم العراقيل أمام تنفيذ أحلامهم، كأن يقنعوا أنفسهم مثلا بأن إنشاء مشروع خاص هو شيء مستحيل، أو أنهم ينقصهم التمويل ... فعليهم دائما البحث عن الحلول الالكترونية سواء في التعلم أو التسويق أو حتى الحصول على المواد الخام، ويجب ألا تنسى أيها الشاب أن الدولة قد وفرت لك تمويل للمشاريع الصغيرة عن طريق العديد من البنوك وبأسعار فائدة ميسرة.
قدر الخرجين من دفعات 2019 و 2020 و 2021 أن يقودوا شباب المستقبل نحو تغيير طرق التدريب والتعليم، بل وحتى العمل وطريقته، ولنتذكر جميعا الآية الكريمة "وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ" وأيضا "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا  * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا" صدق الله العظيم