صدى العرب : الإرهاب يوحد أغنياء العالم (طباعة)
الإرهاب يوحد أغنياء العالم
آخر تحديث: السبت 15/07/2017 12:39 ص
أحمد المرشد أحمد المرشد

 

لم تكن قمة العشرين الأخيرة التي استضافتها مدينة هامبورج الألمانية كأي قمة تضم قادةالعالم، فالعالم أجمع لن ينسي ملابسات قمة هامبورج تحديدا، لأسباب عدة، من بينها ملابسات اللقاء الأول بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، واختيار السعودية الشقيقة لاستضافة قادة العالم الاقتصادي في 2020، وموقف القمة من الإرهاب،  ثم خلافات قادة القمة حول الإجراءات الاقتصادية الحمائية التي أعلنها دونالد أمام سلع العالم، وليس أخرا حملة العنف التي شهدتها هامبورج احتجاجا علي استضافة تلك القمة ورفض سكان المدينة أن يعقد أغنياء العالم اجتماعهم الدوري في مدينتهم، وهي المدينة التي رفضت من قبل استضافة دورة رياضية عالمية، ورأي سكانها أن مدينتهم أولي  بتكلفة تأمين القمة البالغة نحو 185 مليون يورو.

 

نبدأ بالحدث الأول وهو قمة دونالد وترامب، وهو ليس مثل لقاءات السحاب التي تعقد بين زعيمين متنافسين، لأن الديمقراطيين يتهمون رئيسهم الجمهوري بتلقي دعم من بوتين ومخابراته يتعلق بشن حملات سيبرانية ضد منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون مما أدي الي فوزه عليها رغم استطلاعات الرأي الكثيرة التي رشحت  أو توقعت فوز كلينتون.

 

وبغض النظر عما إذا ما كان التوصل الي اتفاق قمة العشرين علي مكافحة الإرهاب مما يعد نجاحا لها يغطي علي الإخفاق الاقتصادي، فكان أول لقاء يجمع بين ترامب وبوتين من علامات تلك القمة في مشهد ذكر الجميع بأول لقاء جمع الرئيسين  الأسبقين رونالد ريجان وميخائيل جورباتشوف وهو اللقاء الذي مهد لإعلان انتصار الولايات المتحدة والعالم الغربي في الحرب الباردة التي استمرت نحو أربعين عاما بين القوتين العظميين الاتحاد السوفيتي وأمريكا. ولكن مع اختلاف جوهري أن البلدين ليسا في حرب حقيقية حاليا وإن كانت المنافسة علي أشدها  علي مناطق النزاع العالم في العالم وأمامنا مثال صريح بذلك بما يجري في سوريا، حيث استولي الروس علي النظام السوري تماما وأصبحت  دمشق وجيشها ورئيسها تحت الحماية الروسية، حتي انقلبت موازين القوي في هذه البلد العربي الذي دمرته الحرب الأهلية ودعم موسكو وطهران لنظامها القمعي وجيشه.

 

ويعد اللقاء المذكور علامة مؤكدة نحو تحسن العلاقات بين البلدين بعد فترة طويلة من الخلافات في عهد باراك أوباما، فقد التزم الرئيس الأمريكي بتنفيذ تعهده الانتخابي بتحسين العلاقات مع موسكو. وقد خرح الإثنان من قمتهما الأولي منتصرين، ولا يستطيع أيا منهما الزعم بأنه حقق انتصارا دون الأخر، وإن كان الانتصار الأكبر من نصيب بوتين لأنه استغل لقاء هامبوج ليتجاوز العقوبات الاقتصادية والعزلة الدبلوماسية الأوروبية التي تعرضت لها روسيا عقب تدخل العسكري في شبه جزيرة القرم عام 2014. كما استغل ترامب اللقاء ليقنع الأمريكيين أن بوتين لم يساعده في الانتخابات الأخيرة، رغم أن المحقق الأمريكي الخاص بهذه المسألة روبرت مولر هو المسؤول عن كشف ملابسات هذا الملف المهم بعد استكمال التحقيقات التي يشرف عليها. ولم تكن الأزمة السورية بعيدة عن اللقاء الذي نجم عنه ما يسمي بـ"الصفقة السورية" وتعد الأكثر أهمية بالنسبة لنا كعرب نحمل الهم السوري وتشريد شعبه وهروبه  الي شتي بقاع الأرض كلاجئين. ولم تكن تلك الصفقة وليدة اللقاء فقط، لأنه سبقه محادثات مطولة بين وزيري خارجية البلدين الروسي سيرجي لافروف والأمريكي ريكس تيلرسون بهدف صياغة تفاصيل الصفقة وهي اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب غربي سوريا، الذي جرى التفاوض بشأنه مع الأردن، وهو الاتفاق الذي يعني عمليا خفض التصعيد في الصراع السوري، والبدء في تحقيق الاستقرار في مدنها الملتهبة. وبالإضافة الي هذا التطور المهم، فثمة تطور آخر في المحادثات الأمريكية – الروسية وهو ما أعلنه تيلرسون بأن بشار الأسد سوف يغادر السلطة في خاتمة المطاف، وسوف تكون هناك عملية انتقال سياسي بعيدا عن عائلة الأسد، ومبعث أهمية هذا الإعلان أن الولايات المتحدة وروسيا سيكونا ضامنين لهذا التطور بغض النظر عن مقاومة الأسد وإيران له، وذلك بعد رفض روسي طويل لمغادرة بشار الأسد المشهد السياسي في سوريا.

 

اقتصاديا، لا نستطيع حتي وقتنا الراهن وبعد انتهاء القمة بأيام الحكم علي نجاحها علي الجانب الاقتصادي، وإذا اعتمدنا علي البيان الختامي للقمة، نخرج بنتيجة مؤداها، أن أكبر الدول الإقتصادية فى العالم والتى حققت جزءا كبيرا من الرخاء والقوة الإقتصادية بفضل قواعد التجارة الحرة،  لم تعلن إلتزامها بنظام تجارى عالمى حر متعدد الأطراف. فقادة قمة العشرين فشلوا في إقناع دونالد ترامب في تخفيف سياساته الحمائية المخالفة لنظام التجارة العالمي تحت شعار "أمريكا أولا". فقد أقروا بصيغة توافقية فى هذا الملف، تتضمن فقرة تسمح بإستخدام ادوات حماية تجارية شرعية إرضاء لأمريكا، وبذلك فشلت القمة وقادة الاتحاد الأوروبي في إقناع أمريكا بتخفيف إجراءاتها الحمائية ضد السلع والمنتجات الأوروبية. حتي إن الأوروبيين فشلوا في مسعاهم الخاص بفرض عقوبات على أمريكا إذا ما تمسكت واشنطن بتقييد صادرات الصلب الأوروبية للسوق الأمريكية بإعتبارها تهديدا للأمن القومى الأمريكي.

 

وبعكس الملف الاقتصادي، نجح قادة القمة في تناول  ملف مكافحة الإرهاب، ربما لما تشهده المدن الأوروبية من أعمال إرهابية ضخمة في وقتنا الراهن، فلم تكن باريس ولندن وبروكسل بعيدة عن أيادي الإرهابيين علي مدي الأشهر القليلة الماضية،  وربما لهذا السبب التقت رؤي المشاركين بالقمة في هذا الملف الصعب، وقد نقول أن الملف حظي بإجماع الأراء، إذ اتفق قادة قمة العشرين علي ضرورة محاربة التطرف على مواقع الإنترنت وتجفيف مصادر تمويل الإرهاب وملاحقة الإرهابيين فى الملاذات الآمنة، وتوثيق التعاون الأمنى بين أجهزة الاستخبارات ومراقبة تطبيقات التواصل الإجتماعى المستخدمة فى الإتصالات وغيرها من الإجراءات. 

 

وعلي الجانب التفصيلي، اتفقت القمة على أهمية مكافحة تهديد عودة الإرهابيين من مناطق الصراع كسوريا والعراق. كما لفتت المستشارة الألمانية إلى ضرورة تشديد الإجراءات ضد الدعاية الترويجية للإرهاب على الإنترنت. ونظرا لأهمية هذا الملف لأوروبا وما يمثله منم خطورة علي الأمن الأوروبي، كشفت  ميركل أن ممثلي كبرى القوى الاقتصادية بالعالم سيجرون مباحثات مع مزودي الخدمات لمواقع الإنترنت بغرض الحذف السريع للمحتوى الإرهابي والمتطرف. ولم تخف ميركل مخاوفها من مخاطر خدمات تطبيقات "الماسنجر" المشفرة المنتشرة علي شبكة الإنترنت التي يتم عبرها تبادل معلومات إرهابية وما تمثله من  مشكلة كبيرة لأمن الدول. وهنا طالب المشاركون بضرورة تحسين الفحص والمراجعة بالنسبة لهذه الخدمات وتوسيع نطاق الاشتباه لفحص مضامين الرسائل المشفرة التي ينجم عنها  المزيد من الأعمال الإرهابية.

 

ثم نأتي لأهم  حدث خليجي – عربي مهم جدا وهو اختيار القمة للسعودية لكي تستضيف قمة العشرين عام 2020، في إشارة بالغة الدلالة علي دور المملكة واقتصادها وقدرتها على استضافة مثل هذا المحفل الكبير جدا الذي يشهد إدارة أكبر الملفات الاقتصادية في العالم في وقتنا الراهن. ومن الطبيعي أن تعرض السعودية خلال القمة المشار اليها إمكانياتها ومجالات الاستثمار فيها، لمستثمرين عبر العالم. هي كذلك فرصة للمنطقة لتسليط الضوء عليها، ناهيك عن الفرصة الجيدة للرد علي العالم أجمع بأن زعامة السعودية للتحالف العربي في اليمن لم يؤثر علي قدراتها الاقتصادية، لتأتي القمة لتثبت للجميع استمرار نموها  الاقتصادي والاستقرار السياسي بها، وأن هذين "النمو والاستقرار" هما مركز قوة للسعودية وشركائها الخليجيين. وكان لافتا مشاركة السعودية في قمة هامبورج تحت عنوان "نحو بناء عالم متواصل" وهو ما تسعي اليه السعودية في الواقع، مستخدمة كافة أذرعها الاقتصادية والسياسية والعسكرية لتعزز دورها الخليجي والإقليمي.