صدى العرب : الإسلام وأهمية الأنساب في تحركات القبائل العربية .. (طباعة)
الإسلام وأهمية الأنساب في تحركات القبائل العربية ..
آخر تحديث: الجمعة 28/10/2016 01:36 ص د.أحمد حسين النمكى

 

إن معرفة أنساب القبائل العربية وتحركاتها من العوامل المساعدة على تحقيق نص القرآن الكريم في قوله تعالى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ "[الحجرات : 13] ولولا معرفة الأنساب والروابط التي تربط القبائل العربية لفات علينا إداراك هذا المغزى القرآني ولتعذر الوصول   إليه .

كذلك توجد سياسات شرعية في الإسلام لا يمكن أن تتحقق بغير معرفة الأنساب ـ سبق أن وضحناه ـ ويوضحه قول الرسول ـ صل الله عليه وسلم ـ في قوله " الأئمة من قريش " وهذا المعنى لا يتحقق شرعياً إلى عن طريق البحث عمن هو القرشي ، فإن لم يوجد فيتم البحث عمن ينسب إلى كنانة ، لأن جماع نسب قريش في كنانة ، فإن لم يوجد أحد من كنانة يتم التصعيد إلى من ينسب إلى إسماعيل ـ عليه السلام ـ فإن تعذر ذلك يتم البحث عمن نسب إسحاق بن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ فإن لم يوجد ينصرف البحث إلى جرهم وذلك لشرف مصاهرتهم لإسماعيل ـ عليه السلام ـ إذن ينبغي أن نعود مرة أخرى إلى الهاشميين باعتبار أنهم خلاصة قريش كما تقول الأحاديث ، فالهاشمي أولى من غيره بالإمامة .

كيف يتسنى لنا معرفة الهاشمي والقرشي والكنانى والإسماعيلى والإسحاقى والجرهمى بغير معرفة القبائل العربية وتحركاتها وأنسابها ؟ ولو لم يتم معرفة هذه الطرق من الأنساب فلا يمكن الوصول إلى حكم الإمامة العظمى "الخلافة" التى يتم بها صلاح الأمة واستقامة الدين وحماية الثغور ومنع الفتن ؟

 

أقسام العرب :

هناك اتفاق بين المؤرخين أن العرب ينقسمون إلى قسمين كبيرين وهما :

1ـ العرب العاربة  :            

2ـ العرب المستعربة :

أما عن العرب العاربة فهم الطاعنون في العروبة ، أو هم العرب الأول ، بمعنى الراسخون في العروبة ، لأنهم أول من نطق بالعربية وتكلم بها مثل قبائ عاد وثمود وطسم وجديس وأميم وعتيل والعمالقة وغيرهم ممن عرفهم التاريخ ممن عاصروا قبائل عاد ومن في معناهم .

والعرب المستعربة أي الداخلون في العروبة أو من صاروا عرباً ، وربما يقال عنهم المتعربة ، وهم كل من لم تكن لغته الأصلية لغة عربية . وقيل إن العرب المستعربة هم بنو قحطان بن عابر بن شالخ بن أُد بن سام بن نوح ، لأن لغة "عابر" كانت أعجمية " سريانية أو عبرانية" فتعلم بنو قحطان العربية من القبائل العاربة العرباء ممن كانوا يعيشون في زمنهم كما تعلم بنو إسماعيل العربية من قبائل جرهم بن قحطان حين نزلوا عليهم في مكة .

وهناك رأى يقول بأن العرب العاربة هم بنو قحطان ، والقبائل المستعربة هم بنو إسماعيل ، بينما يذكر ابن خلدون أن القحطانيين لم يكن فيهم إلى زمن عابر بن شالخ من يتكلم بالعربية وإنما هم تعلموها ونقلوها عمن كانوا قبلهم من العرب والقبائل العربية البائدة مثل عاد وثمود ومن عاصرهم .

ومن المعروف لدى علماء الأنساب أن الشعوب لا تصير شعوباً إلا إذا تباعدت أنسابها مع اتفاق بعضهم أو غالبيتهم في نسب واحد ، أي أن الشعوب أوسع نطاقاً من القبائل بسب اتساع رقعة النسب ، ومن ثم تكون القبائل أقل في الشيوع والاتساع لأن القبيلة غالباً ما تكون متحدة في النسب وإن كثرت البطون مثل قبيلة قريش ، فالقبيلة أقل في العدد وأحكم في النسب .

والقبيلة تنتمي في الغالب إلى أب واحد مثل ربيعة ومضر ، والأوس والخزرج ، وقد تسمى القبيلة باسم الأم التى نالت شهرة مثل " خندف " و " بجيلة " ، وهناك قبائل تسمى باسم موضع من المواضع أقامت فيه ونال هذا الموضع شهرة مثل غسان فهي تنسب إلى موضع ماء شهير .

وذكر المغيرى أن قحطان هو ابن هود عليه السلام بن عابر ، وكان قحطان على درجة كبيرة من الصلاح والتقوى متأثراً برسالة أبيه هود ودعوته ، وقد نزل قحطان اليمن بعد أبيه وملكها ، ويقال إنه أول من لبس التاج وأول من سلم بـ " أبيت اللعن " وكان له عشرة أولاد منهم يعرب بن قحطان من أعظم ملوك العرب على بلاد اليمن ، ثم غلب عليها قوم عاد ، وغلب العماليق على الحجاز ، وغلب عاد بن قحطان على بلاد الحجر ، وحضرموت بن قحطان غلب على بلاد حضرموت ، وغلب عمام بن قحطان على بلاد عمان ، وغلب ولد الحارث بن قحطان على الرس وهى أرض تقع ما بين نجران إلى اليمن وحضرموت إلى اليمامة .

استطاع قحطان بن هود أن يحفظ وصايا أبيه هود ـ رسول الله ـ وساد بها على إخوته جميعاً . أما عن أولا سبأ فهم عشرة أولاد ، ذهب منهم أربعة إلى بلاد الشام وهم " لخم ـ جذام ـ عاملة ـ غسان" وأما الذين تيامنوا أي استقروا ببلاد اليمن فهم " كندة ـ أشعر ـ الأزد ـ مذحج ـ أنمار " ومن أبناء سبأ أيضاً " حمير ـ كهلان" فكان بنو كهلان يتداولون الملك والسلطة مع أبناء عمومتهم من حمير . 

ومن هذه النقطة يمكن أن ننطلق في الحديث عن القبائل العربية والبطون المختلفة التي تفرعت منها ومن هؤلاء :

 

"قبائل الأزد اليمنية" : 

ـ قبائل الأزد : وتنسب قبائل الأزد إلى الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن كهلان ومن قبائل القحطانية ، وهى تنقسم إلى أربعة أقسام وهى : " أزد شنؤة ـ أزد غسان ـ أزد السراة ـ أزد عمان " .

أما عن أزد شنؤة فهم ينتسبون إلى كعب بن الحارث بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث ، وهذا القسم من الأزد أحد مخاليف اليمن ، كانت منازلهم في السراة .

وقبائل أزد غسان : قسم من الأزد ، كانوا يسكنون في شبه جزيرة العرب وفى بلاد الشام .

وقبائل أزد عمان : فرع من قبائل الأزد يسكنون في بلاد عمان .

ويرجع سبب هجرات تلك القبيلة بأفرعها إلى انهيار سد مأرب الذي أرغم سكان بلاد اليمن على الهجرة من بلاد سبأ ، الأمر الذي جعل الأزد تتفرق في أنحاء الجزيرة العربية ، واختلطت ببعض القبائل الأخرى ، فهناك فريق من الأزد لحق بالمدينة المنورة " التي كانت تعرف قبل الإسلام بيثرب" واختلطوا هناك بالأوس والخزرج ، كما لحق فريق آخر من الأزد ببلاد الحجاز واختلطوا بقبائل خزاعة في مكة ، وتوجد أسماء لبعض فروع أزدية مثل : ماسخة وميديان ولهب وغامد وبارق ، وهؤلاء بالشراة ثم لحقوا لحق مالك بن عثمان بالعراق ، ولحقت قبائل جفنة وآل المحرق بن عمرو بن عامر وقضاعة ببلاد الشام .

وقد استطاعت بعض أفرع قبائل الأزد أن تحكم وتملك بعض بلاد العرب ، ففي العصر الجاهلى تمكن آل جفنة من تملك بلاد الشام والسيطرة عليها ، كما ملك الأوس والخزرج يثرب ، وهم من المحسوبين من قبائل الأزد ، وفى بلاد العراق استطاع بنو فهم أن يتملكوا زمامها .

ومن قبائل الأزد لخم وطئ ، وقد خرج منها آل المنذر الذين ملكوا بلاد الحيرة .

وفى العصر الإسلامي دخل صرد بن عبد الله الأزدى سنة 9هـ ، وقد جاء صرد مع وفد كبير من الأزد لإعلان إسلامهم ، فأسلموا وحسن إسلامهم ، وكان النبي صل الله عليه وسلم يعهد بأمر البلاد إلى من حسن إسلامه أهلها لاسيما إذا كان موقراً ومقدماً من قومه ، ولذلك أمر الرسول صرد الأزدى أن يجاهد بمن أسلم معه أهل الشرك في بلاده .

وهناك مداعبة جميلة حدثت من النبي صل الله عليه وسلم عندما جاء وفد الأزد يعلنون إسلامهم ، فقال لهم النبي وخاصة بعد أن سمتهم وزيهم فقال لهم : من أنتم ؟ فقالوا في غير تعالى ولا فخر : مؤمنون ، فتبسم الرسول صل الله عليه وسلم ثم قال : إن لكل شيء حقيقة فما حقيقة قولكم أو ما حقيقة إيمانكم ؟ قالوا : خمس عشرة خصلة ، منها أمرنا رسلك بأن نؤمن بها ، وخمس أمرنا أن نعمل بها ، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية وما زلنا عليها إلا أن تكره منها شيئاً ، فقال الرسول : فما الخمس التي أمرتكم بها رسلى ؟ قالوا : أمرنا أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت ، قال وما الخمس التي أمرتكم أن تعملوا بها ؟ قالوا أمرتنا أن نقول : لا إله إلا الله ، ونقيم الصلاة ونؤتى الزكاة ونصوم رمضان ونحج البيت إن استطعنا إليه سبيلا ، قال : وما الخمس التي تخلقتم بها في الجاهلية ؟ قالوا : الشكر عند الرضا ، والصبر عند البلاء ، والرضا بمر القضاء ، والصدق في مواطن اللقاء وترك شماتة الأعداء ، فقال الرسول صل الله عليه وسلم : حكماء وعلماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء ، ثم قال الرسول : وأنا أزيدكم خمساً فتتم لكم عشرون خصلة إن كنتم كما تقولون فلا تجمعوا ما لا تأكلون ، ولا تبنون ما لا تسكنون ، ولا تنافسوا في شيء إن كنتم عنه زائلون ، واتقوا الله الذى إليه ترجعون وتعرضون ، وارغبوا فيما أنتم عليه تقدمون وفيه تخلدون ، فانصرفوا وقد حفظوا وصيته صل الله عليه وسلم وعملوا بها .

 

الأزد وحروب الردة :

 

بعد أن لحق الرسول صل الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى ارتدت بعض القبائل العربية ، ومن ضمن تلك القبائل أزد شنؤة ، فأرسل إليهم عثمان بن أبى العاص سنة 11هـ فهزمهم ثم رجعوا إلى الإسلام ثانية .

 

الأزد والحروب بين على ومعاوية :

 

إشتركت عناصر من قبائل الأزد في الحروب التي دارت بين على بن أبى طالب ومعاوية ، ومنهم من سار تحت لواء السيدة عائشة أم المؤمنين سنة 36هـ في حرب الجمل ، وقتل منهم عدد كبير حوالي 2000 أزدياً وقيل 1350 أزدياً ، واستمرت الحرب إلى سنة 37هـ فانقسم الأزد ، فهناك فريق قاتل في صف على وفريق آخر قاتل في صف معاوية ، وهناك فريق لم يرض بحكم بنى أمية فبايعوا عبد الله بن الزبير وحاربوا في صفه ومع عماله في كثير من الوقائع الحربية .

 

الأزد وحرب الخوارج والترك :

 

وفى حروب المهلب بن أبى صفرة ضد الخوارج كان الأزد يمثلون عدداً كبيراً من رجال المهلب وقواته ، وازدادت مكانة المهلب قوة وعزة بوجود العدد الكبير من الأزديين تحت لواء وقيادة المهلب ، لاسيما وأنه واحد من الأزد .

وفى سنة 112هـ كان الأزد يمثلون ميمنة الجيش الذي كان يقوده الجنيد بن عبد الرحمن قاصداً طخارستان لقتال الترك ، وكانوا من أبطال تلك المعارك ، وكان كلما اشتد وطيس الحرب يلجأ الجنيد بن عبد الرحمن إلى راية الأزد ويحتمي بهم ، وقتل في هذه المعركة رجال كثير من الأزد . كذلك شاركوا في قتال الترك تحت قيادة أسد بن عبد الله الختل ، وكانوا من خيرة الأجناد في تلك الغزوة سنة 119هـ .

وعندما كان زياد بن أبيه حاكماً على البصرة كان بها جماعة من الأزد فاتهمهم زياد بممالأة عدوه فنفاهم ـ أو أنزلهم ـ إلى مصر فنزلوا بالفسطاط بموضع يقال له الظاهر . ولعلهم نزلوا على أقربائهم بمصر الذين ملئوا مصر ، فقد ذكر ياقوت الحموي أن عمرو بن العاص لما تولى مصر اعتمد على عدد كبير من الأزد وجعلهم في جيشه ، ويوجد في البصرة فرع من قبيلة الأزد يقال لهم القساملة لهم خطة كبيرة بالبصرة ، وتحرك فريق منهم نحو بلاد القفص "أو القفس" من جبال كرمان ، وذكر ياقوت الحموى أيضاً أن الأزد كانوا يحتلون جبل بارق ببلاد الحجاز.

وعندما كان المهلب بن أبى صفرة يحارب الخوارج في بلاد المشرق الإسلامى نزل عدد كبير من الأزد ببلاد جيرفت من بلاد كرمان ـ شمال إيران الآن ـ وكان منهم محمد بن هارون النسابة الكبير ويقال أنه كان أعلم الناس بنسب نزار واليمن ولكنه كان مفرطاً في التشيع .

ويوجد في بلاد البحرين قبائل عدة من الأزد ، ويذكر ياقوت الحموي أنهم نزلوا بلاد البحرين زمن عمرو بن عامر بن ماء السماء بن الحارث بن الغطريف بن ثعلبة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد ، ومازن جماع غسان ، وغسان من الأزد .

مواطن الأزد :

وعلى هذا النحو يمكن أن نحصر مواطن الأزد ، فقد سكنوا في بلادهم الأصلية باليمن واليمامة ومأرب في آخر جبال حضرموت وبلاد الحال باليمن وبيش من مخاليف اليمن ، وأبيدة في تهامة باليمن ، ومرآة قرية قرب مأرب ، وبلاد القفس من جبال كرمان مما يلي البحر ، وريسوت بين عمان وعدن ، وتثنيث وهى مساكن أزد شنؤة ، وقريب من تثنيث أحد مواضع الحجاز قرب مكة ، وتؤام موضع باليمامة يشترك فيه بنو عبد القيس والأزد وبنو حنيفة ، والعداف وهو وادي أو جبل في بلاد الأزد بالسراة ، والحرف "موضع باليمن" وسكنوا المدينة "يثرب" والكوفة والبصرة بالعراق ، وجنوب بلاد الشام ، وبحري منفلوط ، والفسطاط .

عبادات الأزد :

كانت الأزد في الجاهلية تعبد مناة وذا الخلصة وعائم وباجر ، وعبدوا السعيدة ، وكان سدنتها بنو عجلان وكان موضعها بأحد ، ثم اعتنقوا الإسلام سنة 9هـ وحسن إسلامهم ، ومنهم فريق ممن كان يعيش في العراق تشيع بل وتطرف في التشيع ، ولكن غالبية الأزد كانوا على منهج السلف من الصحابة .