صدى العرب : مصر .. ادخلوها بسلام آمنين (طباعة)
مصر .. ادخلوها بسلام آمنين
آخر تحديث: الخميس 13/04/2017 06:13 م
أحمد المرشد أحمد المرشد



لن نكرر ما يقال إن مصر تواجه موجة صعبة من التطرف والعنف والإرهاب، لأنه من الواضح أن الحملة لم ولن تنته خلال فترة محدودة، فما تتعرض له مصر في الوقت الراهن منذ انقشاع جماعة الإخوان عن المشهد قبل أربع سنوات، أمر مؤلم للغاية خاصة وأن العمليات الإرهابية أصبحت متقاربة ولا يفصل بين عملية وأخري سوي فترات قليلة. واعتقد أن مصر لم تشهد لها مثيلا  علي مدي التاريخ الحديث.. والأكثر إيلاما للنفس ما أسفرت عنه العمليات الإرهابية الأخيرة التي راح ضحاياها أكثر من 50 شخصا علي الأقل من الضحايا الأبرياء، من المسلمين والمسيحيين.  ليس هذا فقط، لأننا نشهد أيضا في مصرنا الحبيبة سقوط ضباط وجنود بصورة شبه يومية في شبه جزيرة سيناء وبعض الكمائن الشرطية، كل هذا برصاص غادر لم يعد يفرق بين مدني وعسكري، وإن كانت الروح أيا كانت غالية، ولا يجب علينا هنا التفريق بين مدني وشرطي وعسكري، لأن الجميع مواطنون أبرياء ويخدمون نفس الوطن، وليس من حق الإرهابيين الغائبين عن الوعي والضمير والدين أن يغتالوهم ويحرموا الوطن منهم. ما أعنيه بالوطن يشمل الأسرة، الأب والأم والزوجة  والأولاد والأقارب وحتي الجيران، ناهيك عن الوطن نفسه بمعناه الأشمل، لأن الجندي والضابط يخدم هذا الوطن ويضحي بروحه ويفتدي نفسه لهذا الوطن ولكن في معارك حقيقية، وليست في الظلام حيث تغتالهم قوي الشر والتطرف خلسة.


ربما كانتا أخر حادثتين في مصر هما من نصيب كنيستين أثناء أداء المسيحيين ترانيم صلاة "أحد السعف" وهو عيد مصري قبطي قديم يبدأ بأسبوع الألام ثم ينتهي بأعياد  القيامة أو الفصح. ولكن دماء الشهداء والضحايا امتزجت ما بين المسلمين والمسيحيين، ولم يفرق الإرهابيون بين طفل وفتاة  ومسنة وشيخ، بين جندي وضابط ومدني، فالكل تعرض للاغتيال والقتل. وكان الترويع من نصيب الجميع، فلم يكد صباح الأحد الماضي يمر إلا وكان المصريون عن بكرة أبيهم في حالة حزن وحداد عام، وقد رأيت بنفسي أحزانهم، ودموعهم التي لم تنقطع حزنا علي ضحاياهم الذين ذهبوا لكنائسهم لأداء شعائرهم، والذين ذهبوا لتأمين تلك الكنائس، ولم يكتب لهم العودة الي أسرهم، وكانت الشهادة من نصيبهم.


لقد أصبحت أكره فكرة الغرب ربط الإرهاب بالإٍسلام، فهؤلاء الإرهابيون لا ينتمون لدين ولا وطن، فلا أخلاق لهم ولا ضمير، وهم عديمي الإحساس، فما معني أن يذهب شخصا انتحاريا حاملا في وسطه حزاما ناسفا الي أي تجمع به مواطنين أبرياء ثم يفجر نفسه فيهم، فهل هذا ينتمي لدين؟ بالقطع لا، حتي وإن كان هدف هؤلاء الإرهابيين هو إحداث الفرقة بين المصريين، فهم فشلوا أمس وسيفشلون اليوم وغدا. ورغم أن هؤلاء الإرهابيين مصريين، أو هم هكذا حتي تثبت التحريات أصولهم، فكل من يتخيل في نفسه القدرة علي تمزيق الوحدة المصرية، فهو واهم. فالمصريون علي مر تاريخهم لم تستطع أي قوي استعمارية أو حتي شخص أن يفرق بينهم، ولعل أشد ما يميزهم هذا النسيج الاجتماعي الطيب الذي لا يفرق بين مسلم ومسيحي، فكلهم مواطنون في وطن كبير يحتويهم جميعا اسمه الجامع، وطن اسمه "مصر"..فمصر بوابة العرب والمسلمين، وستظل هكذا الي يوم الدين، حتي وإن سعي الإرهاب الغاشم للعبث بها وبمواطنيها، فهو سيفشل كما فشل أمس..وسيفشل في تدمير الاقتصاد والسياحة والاستثمار، وسيكون مصيره الفشل في تمزيق النسيج القوي بين جميع أفراد الشعب المصري، هذا النسيج  الذي حمي مصر الحرة الأبية التي تتصدي للإرهاب بكل قوة، وسيظل يحميها الي يوم الدين.


وفي مثل هذه الأحداث المؤلمة، ليس علينا بمن يطالب بالحلول السياسية للإرهاب، فالحل الأمني يكاد وحده الذي يطفو علي السطح لإجتثاث الإرهاب وقطع دابره، في دولة تئن تحت ظروف اقتصادية صعبة بسبب هذه الإرهاب، الذي نال من قطاع السياحة، أهم مورد للعوائد الأجنبية في مصر. ثم أن الحياة السياسية في مصر لم تتوقف، بل تسير بنفس وتيرتها، البرلمان يعمل كالمعتاد، الأحزاب تمارس دورها بلا تغيير، وبالتالي، علي القوات المسلحة والشرطة القيام بمهمتهما الأولي وهي محاربة الإرهاب والإرهابيين الذين يتلقون تمويلات ضخمة من الخارج، وتحريضا من شيوخ الفتن، الذين يغذون  صناعة التطرف الديني الذي يغذي العنف والإرهاب.


أما إذا كان ولابد من تدخل طرف أخر في عملية مواجهة الإرهابيين، فهذا الدور يضطلع به رجال الدين،  بتبصير الشباب بصحيح الدين والتخلي  عن التطرف الديني الذي يدفع الي تبني العنف و تكفير المجتمع، وبما يصعب علي دعاة الفتن والتحريض اصطياد صغار السن والشباب وتلقينهم أفكار متطرفة لا ترتبط بصحيح الدين،  والدين منها براء مثل تكفير المجتمع وتبرير العنف.


ولهذا أسعدني بحق أنه رغم حوادث الإرهاب المتكررة في مصر، إلا أنني وجدت إصرارا من المصريين علي تطبيق قانون الطوارئ الذي أعلنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أعقاب حادثي الكنيستين، ولم يأت فرض حالة الطوارئ في مجرد بيان عابر من الحكومة أو الرئاسة المصرية، وإنما تحلي الرئيس السيسي  بالشجاعة والقوة في إعلانه خلال خطابه للشعب، هذا الخطاب الذي تميز في رأيي  بالقوة وحمل إصرارا من رأس الدول المصرية علي اجتثاث الارهاب. فرغم أن المصريين يكرهون فعلا "حالة الطوارئ" التي أعلنها الرئيس  الأسبق حسني مبارك منذ قدومه للسلطة في أعقاب مقتل الرئيس أنور السادات عام 1981، إلا أنه في يوم مثل الأحد الماضي،  أكد المصريون أنهم علي قلب رجل واحد، ويتفهمون حيثيات القرار الصعب،  فهو خطوة لابد منها في تلك الظروف الصعبة التي تستهدف أمن الأوطان. ولهذا، نتمني للشعب المصري أن يتحقق له الأمن والأمان والسلام والاستقرار في ظل إعلان السيسي تشكيل  المجلس الأعلي لمكافحة الإرهاب،  كخطوة جادة للتصدي للتطرف والإرهاب، وبما  يحقق نتائج جيدة بخطوات سريعة. واعتقد أنه علي بقية الدول التي تعاني  من مصائب الإرهاب الأسود، أن تتخذ نفس الخطوات المصرية،  وأقصد هنا تشكيل مجالس مماثلة ومنحها كافة الصلاحيات، من أجل ممارسة عملها  للقضاء علي الأرهاب الغاشم. ولعلي أكشف في مقامنا هذا،  عن رغبتي الجادة في أن تتبني جامعة الدول العربية، مجلسا أعلي  لمكافحة الارهاب، علي أن تكون اختصاصاته التفكير سويا علي مستوي قوي الأمن في الوطن العربي المشاركة في وضع الخطط والإستراتيجيات المختلفة لمواجهة قوي الشر والإرهاب في كل بلد عربي، وما أكثر هؤلاء في بلداننا. وكمثال، نحن في البحرين ورغم حربنا الشرسة ضدهم إلا أننا لا زلنا نعاني من إرهابهم المدعوم من الخارج.


نحن ندرك جميعا أن مصر تخوض حربا ضروسا ضد الإرهاب الذي يشوه الإسلام، من أجل حماية الدولة من الانهيار كما شهدنا في دول اخري لا داعي لذكرها لأننا نعرفها جميعا. وبالتالي، فإن من حق أي دولة أن تتبني كل ما يلزم من  إجراءات تضمن سلامة الشعب وتحفظ وحدته ونسيجه ووحدة  الوطن.


وختاما، نقول إنه علي كافة الدول العربية، أن تتكاتف وتقف خلف مصر، فمصر القوية، هي قوة إضافية للعرب، وأمانا لهم من مخالب قوي الشر التي تتربص بهم جميعا.  أما شعب مصر فهو حقا لا يحتاج لتوصية، فلا توصي حريص، ولكن من موقعي كراصد للحالة السياسية في مصر، فلا يسعني سوي القول، إنه يتوجب علي المصريين بكافة مشاربهم وأطيافهم، اليقظة والتكاتف والإلتفاف أكثر من أي وقت مضي حتي يفوتوا علي  الإرهابيين، فرصة جر مصر الي منزلق لا يعلم أمره الا الله.  فالإرهاب الأسود،  بات بين ظهرانينا وعلينا جميعا العمل علي  اجتثاثه.


ورغم ما سبق، أقول إني لا أخاف علي شعب مصر، فهو في حالة تلاحم وتناغم طوال تاريخه، وهو ما يلمسه الغريب قبل القريب، فنحن نعلم أن نسيج هذا  الشعب واحد، ولا أبالغ إذا قلت إن هذا ما تعلمناه علي مدي أعمارنا ومنذ نعومة أظافرنا، عندما كنا نشاهد في الأفلام المصرية شعار "الهلال مع الصليب"، تلك الأفلام التي خلدت التاريخ المصري، وعرفنا أيضا، أن المساجد دور عبادة ويجب حماية قاصديها ، وكذلك الكنائس، لأن استهدافها يعني ضرب هذه الوحدة الفريدة ربما في العالم العربي علي الخصوص..وفي النهاية  نقول للإخوة المسيحيين:" قلوبنا معكم ونتألم لمصابنا معا..حسبي الله ونعم الوكيل وإنا لله وإنا إليه راجعون. لقد أراد الإرهابيون كسر الشعب المصري والنيل من نسيجه الواحد، ولكن الإرهاب سينكسر أمام وطنية هذا الشعب الصلب، إن لم يكن اليوم، فإن غدا لناظره قريب، وادخلوها بسلام آمنين.