صدى العرب : تأثير دانينغ كروجر في مجتمعاتنا (طباعة)
تأثير دانينغ كروجر في مجتمعاتنا
آخر تحديث: الأحد 26/01/2020 11:29 ص
القبطان محمود المحمود القبطان محمود المحمود
هل تعلم ما هو منحنى تأثير دانينغ كروجر (Dunning-Kruger effect)؟... هو دراسة تفسر الظواهر الفردية والمجتمعية ومستوى العصبية في المجتمع، سواء في العمل أو المستوى الوظيفي، أو العلاقات الشخصية وارتباطها بالتطرف والإرهاب وكذلك تطور الدول وتخلفها، وتنمية المهارات الجديدة.

 وتهدف الدراسة إلى رصد تدرج مستوى التفكير والخبرات والمهارات، ورسم علاقة بين مستوى الثقة والمعرفة لدى الأشخاص، ومحصلة تأثير دانينغ كروجر هو وجود عرض وربما يصل إلى مرحلة المرض المزمن لدى أشخاص ممن يعيشون وهم التفوق والإنجاز، حيث يحاول المصابون به تضخيم منجزاتهم التي لا تعد في الواقع إنجازات، ويكون هؤلاء عادة من الفاشلين أو ذوي الكفاءة الأقل من أقرانهم، فيحاولون المبالغة في قدراتهم والإيحاء بأنهم الأكثر ذكاء وتمتعًا برجاحة العقل والفكر.

كما يكافح هؤلاء لمحو أخطائهم وإخفاء نواقصهم الكثيرة، وتجدهم في الواقع أناس غير مؤهلين ويعانون من نسب ذكاء منخفضة وضعيفة، وهم في الغالب يفشلون في الدراسة والعمل وتكون علاقاتهم الاجتماعية مضطربة، ولا يعترفون بفشلهم أبدًا ولا يتقبلون النقد، وعادة ما يرجعون أسباب فشلهم دائما إلى الآخرين، ويعتقدون أن من ينتقدهم هم اشخاص يكرهون تفوقهم ويحسدونهم ويحاولون الكيد لهم.

وتجد الذين يعانون من تأثير دانينغ كروجر أيضًا يكرهون الأشخاص الناجحين، ويحاولون إقصاءهم عن مواقع العمل القريبة منهم، ويبذلون أقصى تركيزهم في الإطاحة بالناجحين من حولهم بدلاً من الاستفادة منهم لمصلحة العمل.

وتؤكد الدراسة أن كل إنسان يدخل في تأثير دانينغ كروجر لأن الطفل يولد جاهلاً بينما لديه الاعتقاد بالمعرفة، ثم يبدأ في التعلم والإدراك خلال مراحل عمره، لكن بعض الأشخاص يظلون في منطقة الغباء لا يستطيعون تجاوزها، وآخرون يبقون في منطقة الذكاء الوهمي دون تحقيق أي تقدم أو إنجاز، وهاتان الفئتان هما سبب تعاسة أي مجتمع أو اسرة أو مؤسسة.. ولأنهم متخلفون وجهلة ولديهم وهم الإنجاز فتجدهم غالبًا من أصحاب الأصوات المرتفعة والعالية ومتخصصون في صناعة الكذب.

وفي المجتمعات الغربية يتم اكتشاف المصابين بهذا العرض باستخدام الدراسة، وبالتالي لا يتمكنون من تجاوز مناصبهم المتدنية، فيتم التعامل معهم وفق منهج علمي لتغيير قناعاتهم والوصول بهم إلى مرحلة إدراك الواقع ومن ثم علاج المشكلة، وصولاً إلى منطقة الحكمة أو العلم.

 بينما العكس تجده في مجتمعاتنا، فكلما استطاع الإنسان إحاطة نفسه بهالة وهمية من الإنجازات وتضخيم ذاته، كان ذلك سببًا في وصوله لأرفع المناصب والترقي بسرعة البرق، وكلما انتقد أفعال من حوله ووصمهم بالفشل كان ذلك سببًا في نجاحه، ولا تستخدم هذه الدراسة للكشف عن هؤلاء.

عزيزي القارئ.. بعد أن عرفت تأثير دانينغ كروجر، هل تذكرت أحدًا ممن تصادف أن تعاملت معهم في مسيرة حياتك؟.. هل مرَّ بمخيلتك مسؤول في محيط عملك أو مدير يسيطر على مستقبلك الوظيفي ويؤثر فيه، وترى أنه شخص يعاني من تأثير دانينغ كروجر؟.. أعتقد أنكم جميعًا عانيتم من مثل هؤلاء الأشخاص أو على الأقل أوقعكم الحظ العاثر في موظف أو مسؤول وضع العراقيل أمام إنهاء معاملة ولو بسيطة.

ولا أجد غضاضة في القول بأن أصحاب مناصب عليا في بلدنا من المصابين بهذا العرض، ولكن المشكلة أنه لا يتم اكتشاف هؤلاء بسهولة ومحاولة علاج أمراضهم لأن لدينا حائط صد كبير.. اسمه «العيب».