صدى العرب : الجامعة العربية .. عندما تكون ملاذا عربيا آمنا (طباعة)
الجامعة العربية .. عندما تكون ملاذا عربيا آمنا
آخر تحديث: الجمعة 17/02/2017 08:38 م
أحمد المرشد أحمد المرشد

 

لا يخفي علي أحد كم الانتقادات التي تعرضت لها جامعة الدول العربية منذ تأسيسها عام 1945 وحتي وقتنا الراهن، فأداء الجامعة علي مر أمنائها العامين يتفاوت ربما بشخصية وأداء الأمين العام. وغالبا ما تتكثف حركة الانتقادات وقت الأزمات، وما أكثرها عندنا نحن معشر العرب، فلا نكاد نتجاوز محنة حتي تلاحقنا الأخري بعدها مباشرة، والأمثلة كثيرة ولكن لا داعي لها في مقالنا هذا الذي نحاول أن نبحث فيه رؤي الجامعة العربية في تجاوز الأزمات الراهنة خصوصا في الدول العربية المأزومة، وطبيعي أن نتحدث عن سوريا والعراق واليمن وليبيا ، وهي الدول التي تمر بأزمات يبدو لنا كعرب أنها ستكون بعيدة عن الحل، هذا علي خلفية أن شعوب تلك الدول يشعرون بأنهم سيظلون في كبوة الي حين.

 

مشكلتنا أيضا كعرب أن منطقتنا عموما تشهد حالة فوضي غير مسبوقة، لم نراها من قبل، حتي لو تذكرنا للتو حربي الخليج الأولي والثانية واحتلال العراق للكويت ثم الغزو الأمريكي للعراق، فلم تكن بمثل هذه الفوضي التي نحياها حاليا، حتي إننا لم نعش هذه الفوضي إبان فترة احتلال العراق للكويت، لأن الأزمة كانت محكومة ومعروف حلها مسبقا خاصة بعد اتفاق معظم الدول العربية علي المشاركة في التحالف الدولي لانقاذ الكويت، ولهذا لم نجزع كثيرا، وبينما استمرأ العراقيون الاحتلال بعض الوقت، هم أنفسهم شعروا بخطأهم في لحظة تالية واعتقد أنهم ندموا علي فعلتهم..ولكن ما نعيشه حاليا يبدو لنا بعيدا عن الحل، وإن كان الذي يبادر بالحل هم القوي الدولية والإقليمية التي تسعي للسيطرة علي شؤون المنطقة بالكامل.

 

هذه القوي الإقليمية التي نتحدث عنها تبذل أقصي جهودها لتثبيت وضع إقليمي لا يخدم سوي مصالحها وليس المصالح العربية، مستغلة حالة تنافر وتضارب مصالح القوي الدولية الأخري أو الأكبر لو شئنا الدقة – روسيا والولايات المتحدة – فموسكو التي أصبحت صاحبة المبادرات لحل الأزمة السورية استغلت ما يجري حاليا في المنطقة لاستعادة مكانتها السابقة ولتعيد مجدا غاب عنها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق وبروز الولايات المتحدة كقوي عظمي وحيدة عقب انتهاء الحرب الباردة لصالحها هي ودول أوروبا الغربية.

 

ومن هنا، كانت منطقتنا العربية – خاصة المشرق منها – مسرحا لتدخلات القوي الكبري والإقليمية،  كل طرف يريد أن ينهش من الحدود والسيادة العربية، ويضيف لرصيده الجغرافي والسياسي والاقتصادي والعسكري.. ولهذا، يتعين الحديث عن ضرورة وضع رؤية عربية موحدة تضع في الاعتبار أن يكو حل الأزمات العربية نابع من داخل المنطقة العربية، وأن تكون الجامعة  العربية هي القوي الفاعلة في وضع هذه الحلول والمبادرات، وأن تقوم أيضا بدور المنفذ لما يتم التوصل إليه عربيا من حلول علي أرض الواقع. فكفي ما مرينا به من غياب توافق الروي، فقد تركنا أمورنا للغير، وتركناه يفعل ما بدا له، لدرجة أنه أصبح يمثل تهديدا مركزيا لنا، كما أنه يمثل ضغطا عسكريا علي قيادات وشعوب المنطقة، ويكفي أن لإيران مستشارين يضعون الخطط العسكرية في سوريا والعراق، ولها أيضا جنود ينتشرون في الأراضي السورية والعراقية ويحاربون الي جانب حكومتي دمشق وبغداد ضد المعارضة هناك. من كان يصدق أن حكومة عربية تستعين بمستشارين وعسكر أجانب ليحاربوا مواطنيها، فهذه "الحرب بالوكالة" لا يجب أن تستمر لفترة طويلة، لأن المحارب هنا يريد قبض الثمن خصما من مكتسبات صاحب ا لأرض.

 

وبما إننا تحدثنا في البداية عن الجامعة العربية، ربما نشير الي رؤية السيد أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة، وهي الرؤية التي طرحها خلال "حوار المنامة" الأخير، فهو في البداية حدد أبعاد الأزمة العربية، وتبدأ من غياب الحد الأدنى من توافق الرؤى حول التهديدات القائمة، خاصة مع تصاعد المخاوف الأمنية وتعدد مصادر التهديدات والتي يأتي أغلبها من داخل الدول نفسها. هذا أولا، وثانيا أن هذا الأمر يستلزم قيام نقاشات جدية حول المبادئ والمنطلقات الرئيسية لأية ترتيبات مستقبلية في المنطقة. ليس هذا فقط، ولكن يجب أن تأخذ هذه النقاشات في الحسبان أن محاولة تغيير الأوضاع بصورة كلية أو شاملة أو جذرية قد تفضي إلى وضع لا يقل صعوبة أو سوءا عما كان في السابق. أما عن  الرؤية التي حددها أبو الغيط لتجاوز الأزمات العربية الحالية، فتتأسس علي 6 مبادئ، ويمكن أن تشكل في حال تطبيقها أساسا للنظام الإقليمي الجديد. وهذه المبادئ هي:

 

1- ضرورة احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وأن تحظى الدولة الوطنية بالأولوية، خاصة وأن هناك بعض القوى الإقليمية التي تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، على غرار التدخل الإيراني، بدعوى سعي هذه القوى لحماية طوائف معينة يعيش أبناؤها كمواطنين في دول عربية، وعلى أن تكون السيادة مقرونة في ذات الوقت بالحكم الرشيد، وتفعيل دولة القانون، والعدالة، وتبني سياسات تؤمن عدم تهميش أية فئة أو جماعة.

2- عدم اللجوء لتغيير الحدود، لأن هذا سيخلق مشكلات أكثر مما سيقدم من حلول، باعتبار أن التقسيم أو التفتيت لن يسهما سوى في المزيد من عدم الاستقرار وتنامي النزاعات، هذا في ظل عدم وجود معيار أو منطلق أو محدد واضح يمكن أن يكون أساسا لأي تقسيم.

3- اعتماد مبدأ اللا مركزية، حيث يوفر الحل الدائم لمعالجة الأوضاع في المجتمعات التي انفجرت الأمور بداخلها، وباعتبار أن هذا المبدأ يفتح مجالا أكبر للطوائف المختلفة للحفاظ على مصالحها وكياناتها وثقافاتها، في إطار دولة وطنية موحدة.

4- ضرورة التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة للصراع العربي/ الإسرائيلي لكي يكون هناك نظام إقليمي مستقر، فغياب مثل هذه التسوية سيوفر الحجة للجماعات الراديكالية وأصحاب المصلحة في تخريب المنظومة الإقليمية، كما لا يمكن بدونها التعامل مع إسرائيل كعضو في المنطقة.

5- ضرورة أن يعلن المجتمع الدولي موقفا موحدا قويا ضد امتلاك أي من دول الإقليم لأسلحة دمار شامل بأنواعها المختلفة، وعلى أن يفرض على الدول التي لديها مثل هذه القدرات، كإسرائيل وإيران، الالتزام بمبدأ حظر الانتشار.

6-ضرورة تبني برنامج إنعاش اقتصادي شامل على غرار "خطة مارشال" الأمريكية  لأوروبا، واستيعاب سلبيات الحقائق الاقتصادية والاجتماعية القائمة لتجنب حدوث دورات متتالية من عدم الاستقرار، لأنه لا يمكن أن تتحقق أية هندسة أمنية إقليمية في ظل تجاهل الجذور الاقتصادية والاجتماعية لعدم الاستقرار في المنطقة، حيث تعاني المنطقة في هذا الإطار من مجموعة من المشكلات والأزمات على رأسها البطالة، والشح المائي، وتراجع الانتاج الزراعي، وتغير المناخ.

 

وإذا رجعنا لأخر قمة عربية قبل اندلاع الأزمات الناجمة عما يسمي بـ"الربيع العربي"، والتي استضافتها مدينة سرت الليبية آنذاك، نتذكر معا المشروع التوسعي الذي أعلنه الأمين العام عمرو موسي في حينها، وهو مشروع"رابطة دول الجوار" الذي دعا الى كيان إقليمي تدخل فيه تركيا وإيران.  وبدت تركيا أنذاك وكأنها إحدى دول النظام العربي، ومعها بالتالي إيران. ولهذا، قد نستدعي هذا المشروع الآن من النسيان الي الذاكرة، لماذا؟..لأن ما أعلنه عمرو موسي وقتها تحت مسمي" رابطة دول الجوار" وكان مجرد مشروع أو اقتراح تم انتقاده بشدة سياسيا وإعلاميا، قد أصبح واقع فعليا حاليا، واقع نعيشه نحن العرب، فلن نعيد ذكر الحقائق التي تؤكد أن تركيا وإيران قد أصبحا لاعبان كبار في الساحة العربية حاليا، وتحديدا في ساحة دول الشام، والتي تشهد أزمات متلاحقة كما ذكرنا في البداية. فما اقترحه عمرو موسي وخرج به عن القاعدة العربية  وكان خيالا وقتها، تحقق بفعل أزماتنا، وهو ما يتطلب ضرورة تكاتف جميع الدول العربية تحت مظلة الجامعة العربية للخروج من عنق الزجاجة، ولتكون المبادرات من داخلنا، من دخل الجامعة كمظلة سياسية ومنظمة جامعة لنا نحن العرب، وعلينا أن نلجأ اليها وقت الشدائد والمحن، فالجامعة هي الملاذ الآمن للعرب، ومن داخلها ستأتي الحلول والمبادرات وليس من الجوار.