صدى العرب : الشعوبية الحديثة والخيانة الكبرى لقضية العروبة والإسلام .. (طباعة)
الشعوبية الحديثة والخيانة الكبرى لقضية العروبة والإسلام ..
آخر تحديث: الجمعة 17/02/2017 04:46 م بقلم .. دكتور أحمد حسين النمكى ..


     إن الشعوبية الحديثة لم تعد ظاهرة فكرية أو سياسية يتستر وراءها العلمانيون أو الشيوعيون أو الشيعة أو كل من له ميول عدائية ضد الإسلام ، بل شملت في العصر الحديث حكاماً ودول وأنظمة ومنظمات دولية تعمل في ظاهر الأمر على أنها ذات طابع إسلامي بينما هيفي حقيقة الأمر منظمات ومنظومات تعمل ضد الإسلام والقضايا الإسلامية والعربية .

    وتعتبر الشعوبية الحديثة امتداداً للشعوبية التي سبق أن تكلمنا عنها في مقالات سابقة وفي نفس الوقت أخذت تشكل حكومات باطنية ذات طابع سرى ولكن كشفت عنها الأحداث والوثائق السرية التي أعلنها الخصوم قبل أن يصبحوا خصوماً أو قل بعد أن أصبحت الأمور واقعاً ملموساً وصار المسئولون عن تلك الوثائق في ذمة التاريخ ، وكم من الحقائق المدهشة التي تختفي تحت الثرى ويجهلها التاريخ !!

   لم تكن الشعوبية ذات تأثير سيئ على الحضارة الإسلامية في مجال التأريخ أو الأدب أو الشعر ، بل إنها حملات مأجورة من قديم تهدف إلى إفساد الحياة السياسية العامة في العالم الإسلامي فضلاً عن إفساد الجانب الأخلاقي والأدبي والفكري والعقائدي ، فليست المسألة لديهم أنها تقتصر على جانب فكرى وحسب ، وقد استطاع الشعوبيون المحدثون أن يوظفوا في دولتهم الباطنية حكاماً عرباً ومنظمات إسلامية ـ أو تدعى أنها إسلامية ـ من أجل تنفيذ مخططاتهم وجرائمهم وخياناتهم في المجال الدولي والإقليمي .



   إن هؤلاء الشعوبيين يسارعون في إرضاء الغرب الأوربي والأمريكي ولا يقبلون أي شعار إسلامي إلا أن يكون رافع هذا الشعار منافقاً ومخادعاً يريد التأكل من وراء هذا الشعار .

   لقد كان ميشيل عون ذلك الرئيس المسيحي الماروني والذي يعدونه بطلاً قومياً كان قائد الجيش اللبناني يوماً ، وهذا الزعيم العربي كان شعوبياً متعاوناً مع العدو الإسرائيلي منذ بداية الحرب اللبنانية مع إسرائيل وقد لعب دوراً خطيراً حروب المخيمات والتي أباد فيها أحياء وضواحي إسلامية ، واستمرت هذه المنظومة الباطنية متعاونة مع إسرائيل وزاد هذا التعاون أيام بشير الجميل [ 1947 ـ 1982م] وهو ابن بيار الجميل مؤسس حزب الكتائب اللبنانية ، وأخو أمين الجميل ، والذي اختير رئيساً للبنان ولكنه اغتيل قبل تسلمه المنصب

     

     كان بشير الجميل قائداً عسكرياً للبنان ، وفي سنة 1982م قامت إسرائيل بغزو لبنان وذلك بعد اتفاق مسبق بين إريل شارون وزير الدفاع الإسرائيلي وبشير الجميل ، فقد استطاع شارون أن يقنع بشير الجميل بأنه سيغزو لبنان بهدف القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان وطرد من تبقى منها إلى خارج البلاد اللبنانية ، ومن جانب آخر قامت إسرائيل بدعم الكتائب اللبنانية عسكرياً وسياسياً ، وهذا الأمر أغضب ـ بدون شك ـ الكثير من المسيحيين والمسلمين اليساريين في لبنان ، فليس معنى أن بشير الجميل وهو من أسرة مارونية مسيحية أن المسيحيين سيرضون عن تعاونه مع إسرائيل لكي تهدم بيوت اللبنانيين المسلمين !!

    لقد كان هذا الدور الذي لعبته تلك الأسرة المارونية دوراً يمثل الخيانة الكبرى للقضية العربية من جانب والقضية الإسلامية من جانب آخر ، فهم يظنون أنهم من وجهة نظرهم أن التعاون مع إسرائيل سوف يخدم قصة بلادهم في لبنان ، بل إن ميشيل ـ أو ميشال ـ عون أعلن أنه مستعد لأن يتعاون مع الشيطان إذا كان هذا التعاون في مصلحة بلده !!

   إن غالبية الحكام العرب على العموم ـ وبدون تحديد أسرة الجميل ـ يعدون من الشعوبيين الذين يخططون لحرب ضارية تأكل الأخضر واليابس تعمل على تمزيق البلاد العربية والإسلامية أو تقسيمها باستعانة من الدول الأوربية ، ولن تكون هذه الحرب قاصرة على بلد بعينه ، أي أنهم يسعون إلى دمار شامل للشرق العربي والإسلامي.

    ومما يكشف للقارئ أن حكام لبنان وقادة أحزابها كانوا يعانون إسرائيل ويقفون في ظهرها أن إسرائيل لما غزت لبنان حاصرت مدينة بيروت الغربية نظراً لأن بها أهل السنة ، بينما في بيروت الشرقية والتي يعيش فيها المارونيون المسيحيون فلم تتعرض لها إسرائيل بأذى لأنها كانت تقف قلباً وقالباً مع إسرائيل ، وكان جنبلاط وأهله متعاونين مع إسرائيل حتى أنهم لم يطلقوا رصاصة واحدة ضد إسرائيل ولم يسمحوا لأحد من الفلسطينيين أن يدخل لبنان لكي يتعاون مع إخوانه من أهل السنة ، لأن هؤلاء يشعرون أن الحرب ليست حربهم ، بل ستقدم لهم إسرائيل خدمة جليلة وهي القضاء على أهل السنة من جانب والفلسطينيين من جانب آخر ، وهذا رأى متفق عليه بين نصارى لبنان والشيعة واليهود !!

   وقد أظهرت الأحداث أن نبيه برى رئيس حركة أمل الشيعية كان هو وحركته في لبنان يظهرون خلاف ما يبطنون أي يستخدمون التقية كعادة الشيعة ، فظاهر الأمر أنهم غير راضين عما تفعله إسرائيل بينما جوهر الأمر أنهم متفقون مع العدو الإسرائيلي على إخراج الفلسطينيين من جنوب لبنان ومن بيروت ، وكانت صلات نبيه برى مع اليهود قبل الغزو الإسرائيلي للبنان من الأمور التي لا تخفي على أحد فضلاً عن الجرائم التي ارتكبوها ضد المخيمات الفلسطينية فكانت من أبشع الجرائم والمجازر التي عرفها التاريخ والتي ارتكبها الموارنة المسيحيون واليهود وحلفاؤهم في لبنان

   كانت الحرب الحقيقية في لبنان ليست بين اليهود والموارنة والشيعة بلبنان ، بل بين اليهود وأهل السنة في بيروت الغربية ، فهم أصحاب الحرب الحقيقية بالإضافة إلى بعض العناصر الوطنية التي دعمت حركة المقاومة الإسلامية ضد إسرائيل .

   وهناك ظواهر وأحداث تكشف لنا مدى تواطؤ حكام لبنان الشعوبيين وتدعيمهم للغزو الإسرائيلي ضد أهل السنة ببيروت الغربية أن الولايات المتحدة الأمريكية لما تدخلت لحل المشكلات وتسوية النزاع اللبناني الإسرائيلي اشترطت إسرائيل أن تخرج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان ومعها القوات المرابطة الداعمة للمنظمة من لبنان في مقابل عدم اجتياح بيروت الغربية التي يعيش فيها أهل السنة وفك الحصار عنها ، بينما لم تشترط إسرائيل إخراج قوات جنبلاط أو حركة أمل الشيعية أو قوات حزب الله الشيعي أو قوات المردة أو قوات الجبهة اللبنانية ... لماذا ؟ لأن هؤلاء يقفون وراء إسرائيل من أجل اجتياح الوجود الإسلامي السني في لبنان .

   كانت الشعوبية الباطنية قد أحكمت تأثيرها على الحكام العرب وجردتهم من عقائدهم الدينية والوطنية ، فهي تسعى في الخفاء من أجل إشعال الحروب الشاملة والدائمة بين العرب وإيران ، وبين العراق وسوريا ، وبين سوريا ولبنان ، لأن هدف الشعوبية تدمير العرب وإهلاكهم وجعلهم وقوداً للحروب .

   والغريب في الأمر أن الإعلام العربي جند نفسه لخدمة الشعوبية السياسية التي سيطرت على الحكام سيطرة تامة والتي عملت على التقليل من شأن القوات والجيوش العربية ونشر الإعلام بين الناس أن إسرائيل قوة لا تقهر وأن العرب ولو اجتمعوا فهم غير قادرين على هزيمة إسرائيل ، وأخذوا يثبطون الهمم ويضعفون العزائم ويوهنون من الآلة العسكرية الإسلامية .

  ومن الثابت تاريخياً أن سقوط بعض البلدان العربية أو جزء منها تحت سيطرة واحتلال إسرائيل كان نتيجة لاتصالات سرية مع القادة السوريين ـ على نحو ما حدث مع قادة لبنان ـ وكشفت بعض أو كل المخططات المصرية والعربية نظراً لوجود ثوريين يدينون بالنظام الاشتراكي الشيوعي الأمر الذي نتج عنه سقوط الجولان والقنيطرة وسيناء ، فكانت هذه الأعمال دليلاً على أكبر الخيانات التاريخية التي قام بها حكام يظن فيهم أنهم مسلمون ووطنيون ولكنهم تورطوا في شباك الشعوبية والشيوعية فأسلموا بلادهم لقمة سائغة في يد المحتل الإسرائيلي .

    ومما يدهشني ويضحكني ـ وقد يضحك الإنسان لغرابة الفعل ـ أن سقوط سيناء في يد إسرائيل قد قابله الشعب المصري بشيء يعد من السخافة بمكان ، فقد خرج عبد الناصر على قومه وهم يزفون له البشرى والوعد بالنصر على إسرائيل وأضحى الرجل وكأنه بطل قومي أتى بالنصر وليس بالهزيمة لمصر ، وحتى يتوارى من تلك المخزيات نصب المحاكم الوهمية الصورية لبعض القادة ، فقتل فيها من قتل وسجن فيها من سجن ونصبوا عبد الناصر على كرسي الحكم من جديد وانخدعوا في سياسته وألاعيبه .

    وكان حافظ الأسد واحداً من الشعوبيين الذي كان وزيرا للدفاع السوري وكانت الجولان والقنيطرة تحت سيطرته ولكنه هرب منهما وسلمهما لإسرائيل وأمر جنوده بعدم المقاومة والتسليم ، بعد أن هول لهم أمر إسرائيل وقواتها ، وأوهن في عضد قواته وهرب مولياً الأدبار مقابل حفنة من المال قبضتها نظير هذه الخيانة !! ولم لا وهو شيعي نصيري لا صلة له بالدين الصحيح الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو وعشيرته كانوا حرباً على الإسلام وأهله من قديم وحتى اليوم ، وللأسف كافئه الشعب السوري بأن جعله رئيساً لسوريا ولم يوجد أمامه من ينافسه على هذا المنصب ، ومات دون أن يحرر شبراً من بلاد ، وجاء ابنه بشار فسار على طريقته في الشعوبية المعادية للإسلام والموالية لأعدائه .

    أي صورة خرافية تمر بها الأمة العربية والإسلامية !! إنني أشعر وكأن العرب والإسلام قد أصيبوا بعد الحروب الصليبية بسكتة دماغية لم يفيقوا منها حتى اليوم ، فتراهم سكارى وما هم بسكارى !!