صدى العرب : التمثيل السياسي للمرأة المصرية بين الواقع والمأمول (طباعة)
التمثيل السياسي للمرأة المصرية بين الواقع والمأمول
آخر تحديث: الخميس 16/01/2020 08:08 م
د. علي إسماعيل درويش د. علي إسماعيل درويش
لا توجد قضية أقامت الدنيا وأقعدتها وانشغل الناس بها مثل قضية المرأة, والحقيقة أن النظر إليها يختلف باختلاف زاوية الرؤية وأيديولوجيةالتوجه وطبيعة المصدر وسيلوكوجية المشاهدة،فالفيلسوف يرى في المرأة ما لا يراه الزاهدوالمتصوف, والفنان يرى فيها مالا يراه غيره, ولهذا تباينت فيها الرؤى، واختلفت الأذواق، فهي القضية القديمة الجديدة والموضوع الخالد, ولن أكرر الجملة التقليدية: إن المرأة نصف المجتمع، بل أرددواثقاً ومؤكداً بأن المرأة هي مادة الحياة، وجوهر الوجود، وهمس الأفئدة، ونبض الأرواح .

ويؤكد المشهد الإنساني العام إجماعاً من الفلاسفة والأدباء والسياسيين والمفكرين على إجلال المرأة وتثمين دورها في المسيرةالحياتية, فيقول جوبار:"... أحلى هدية أهدى الله بها الإنسان هي المرأة ..."، وذكر بلزاك مردداً :"...المرأة مخلوق بين الملائكة والبشر..."، وقال فولتير:"... خلق الله المرأة لكي تستأنس الرجل وتوجهه..."،و بتعبيره الموحي يؤكد الفنان الكبير بيكاسو على استحالة الوصول إلى رؤية كلية جامعة نظراًلاشتباك وتداخل دورها الممتد، فهي على حد تعبيره "... خليط من الأشكال والألوان..." ، أما نابليون بونابرت فيضع الحقيقة ماثلة أمام الجميع بمفهوم قد يصطدم ظاهره مع الوعي العقائدي, لكنه مفهوم في تصوري يتسامى فوق كل إدراك يقول نابليون : " ... المرأة شعر الخالق والرجل نثره ...".

وتدفعنا أهمية القضية إلى الطرح التأسيسيالذي يستظهر في مرايا التاريخ وجذوره الضاربةالدور النسوي سياسياً واجتماعياً, فهنا على أرض مصر منذ فجر التاريخ أُقيمت أول حضارةإنسانية علمت الدنيا بأسرها, فكانت مصر أول دولة بالمعنى السياسي المنتظم تظهر على مسرح الوجود الإنساني، حيث تعاظم دورها حتى صارتأكبر قوة متجذرة في الوجود، وتنامت فيها عناصر الأمة بمعناها المتكامل، وظلت هكذا حقيقةسياسية في الشرق القديم لمدة ألفي عام امتدت فيهما كل ظواهر السيطرة والنفوذ, وفي ظل هذا المد الحضاري احتلت المرأة مكانة لم يعرفها العالم قديما أو حديثا، فكان لها نفس الحقوق الشرعيةونفس عهود الخلود التي مُنحت للرجل، فُسجل فوق المقابر الفرعونية ما يفيد دفن العظماء بجوار أمهاتهم، ومن ثم مارست المرأة حرية الحركةالمديدة والإرادة المطلقة, وهو ما دفع المؤرخ الكبير "ماكس مولر" إلى القول:"... ليس هناك شعب قديم أو حديث رفع منزلة المرأة مثلما رفعها سكان وادي النيل...".

هذا وتقلدت المرأة تاريخذاك أرفع المناصب الدينية والسياسية، فكانت الملكة "تي" أول من نادى بالتوحيد، واختارها زوجها "أمنحتب" لتكون عماد استعادة مجد الإمبراطورية المصرية، فقوي نفوذها حتى ظهرت نداً لزوجها في المحافل والإنجازات السياسية، ومن أشهر نساء العالم الملكة المصرية "حتشبسوت " التي حكمت مصر 22 سنة، وحققت نهضة هائلة في الحياةالمصرية العامة، وقادت أول رحلة في تاريخ البشرية لاكتشاف بلاد بونت - الصومال حاليا-،  والملكة نفرتيتي زوج الملك إخناتون، التي شاركت في التأصيل الديني، ووضع قواعد الدين الجديد لتوحيد كل الأديان في إله واحد هو آتون الشمس،وحين جاء الإسلام وأشرقت شمس محمد صلى الله عليه وسلم في سماء الكون نبياً ورسولاً, فقد أرسىالمركز الاجتماعي والسياسي والثقافي للمرأة،فحصلت على كل حقوقها، وشاركت في الدعوةوحاربت، واستظهرت آراءها في أمور الدين والدنيا بكل جرأة ومسئولية وصلابة، وظلت هذه الصورة المشرفة على حالها في عصر الأمويين والعباسيين، ومع تفكك الدولة الإسلامية استقلت مصر تحت حكم الطولونيين والإخشيديين والفاطميين والأيوبيين, وانزوى دور المرأة خاصة بعد ضعف الوعي الإسلامي بحقيقة الدور النسوي، ولم تظهر على الساحة إلا " شجرة الدر " التي يعدها المؤرخون استثناءً من تاريخ هذه الحقب التي توالت رجعيتها، حتى اشتد ظلامها، وتلبدت بغيوم التخلف سماؤها في العصر التركي البائد .

ومنذ بواكير النهضة الحديثة، فقد صحبتها حركات التصحيح لضبط إيقاع المسار الاجتماعي وتوازي أطراف المشاركة المجتمعية, فظهرت الدعوات الإصلاحية لرواد المفكرين، وبالفعل لاقت استجابة من بعض أطراف النبض المجتمعي، حتى توهج دور المرأة في ثورة 1919، واستمر التماع ضوئه مع بداية إعلان الجمهورية بمراحلها المختلفة انطلاقا من مبدأ ثقافة المساواة وسد الفجوة النوعية، فلم تعد المشاركة النسائية في عملية البناء والتطوير مجرد تأكيد لحق أصيل من حقوقها، وإنما صار واجباً والتزاماً وطنياً تقتضيهطبيعة التحديات التي تفرضها سياسات وبرامج التنمية، أو التحديات التي تطرحها المستجدات المتلاحقة على الساحة الدولية .

وإذا كان البعض من النساء مازال يستدعيالصورة القديمة التي ظلت فيها المرأة نسبياً حبيسةالقهر الذكوري والعبودية الاجتماعية، فإن الأمر يختلف كثيراً منذ عقود تصدرت فيها المرأة كل معالم الريادة، ومازال المجتمع يطمح في حاضره إلى المزيد، وهو ما يرتب على كاهل المنظمات والأحزاب السياسية والمرأة معاً ضرورة خلق المناخ المناسب لعملية التنشئة السياسية، لانتقال الثقافةوالتقاليد والقيم والأدبيات السياسية إلى كل أفراد المجتمع، وإتاحة كل المعلومات والفرص لتداول الخبرات، لاتساع مساحة النسق السياسي السائد، ومن ثم فإن التغير ليس نتاجاً للقوةالشخصية مفردةً، وإنما نتيجة لالتقاء الإرادات والأفعال البشرية في ضوء القناعات الفكرية والأيديولوجية الحاكمة .

ولقد كانت مصر وما زالت في هذا الصدد أحد أهم أعضاء المجتمع الدولي في دعم المساواة والتمثيل السياسي للمرأة، فدولياً قامت الجمعيةالعامة للأمم المتحدة بإقرار الاتفاقية الدوليةللقضاء على كافه أشكال التمييز ضد المرأة في 19 سبتمبر 1979، ونُفذت في 3 سبتمبر 1981، وكانت مصر من أولى الدول التي صدقت على هذه الاتفاقية، وأصبحت لها قوة النفاذ بموجب القرار الجمهوري رقم 434 لسنه 1981، وما يهمنا في هذا السياق هو ما نصت عليه المادة السابعة من التزام الدول أطراف الاتفاقية باتخاذ كل الوسائل والتدابير للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياةالسياسية والعامة, وتمكينها من مباشرة كافةالحقوق السياسية في الانتخابات وصياغة سياسة الحكومة وتنفيذها، و تولي الوظائف العامة والمشاركة الحقيقية في كل المنظمات والجمعيات .

ومن مصر وفيها عُقد المؤتمر الدولي للسكان والتنمية عام 1994، الذي كان نقطة هامة وفاصلة للحكومات كي تؤكد التزامها بالمساواة وتمثيل المرأةفي كل القطاعات، ونهض المجلس القومي للمرأة في مصر على تفعيل توصيات المؤتمر من خلال التوعيةوالتعبئة بين أوساط النساء, وحثهن على ممارسةأدوارهن السياسية في التصويت والترشح، وإدماجالمرأة في مجالات النشاط السياسي والاجتماعي،فشاركت المرأة لأول مرة في اجتماعات المجموعة الاستشارية للدول المانحة في شرم الشيخ، وذلك بضم المجلس القومي للمرأة إلى الوفد المصري .

ومع تداخل قضايا التنمية وتعدد مصادرها،فقد تزايدت قناعة القيادة السياسية في مصر بعامة والرئيس عبد الفتاح السيسي بخاصةبحتمية توسيع المشاركة السياسية للمرأة وزيادة فرص القوى الناعمة في تشكيل الوعي الفكري و المجتمعي والسياسي في مصر، فقد بلغت نسبةتمثيل المرأة في مجلس الوزراء 25%، وتزايد عدد عميدات الكليات الجامعية و عضوات السلك الدبلوماسي والقنصلي والقاضيات، وبلغ عدد الفتيات في التعليم ما يقارب 50%، وفي السنوات الأخيرة نافست المرأة بقوة وكفاءة في عديد من المهن التي كانت حكراً على الرجل، مثل المأذون والعمدة,بالإضافة إلى تعيين خمس سيدات لأول مرة في موقع المحافظ، ووجود المرأة نائباً لمحافظ البنك المركزي، ووكيلة لمحافظ البنك المركزي للرقابةوالإشراف على البنوك وقطاع مكتب المحافظ، كما بلغت نسبة الموظفات في الجهاز الإداري للدولة43%, بينما تتراوح نسبة المناصب القيادية ما بين 27 إلى 28% , واجتماعياً تم تخصيص 250 مليون جنيه لوزارة التضامن الاجتماعي لتمويل مشروعات المرأة المعيلة، هذا بالإضافة إلى أن حرص الرئيس السيسي على تكريم الأمهات المثاليات بنفسه ومنحهن الأوسمة تقديراً لهن وتكريم زوجات الشهداء وأمهاتهم ينقل إلى العالم كله صورة المرأة في المشهد الاجتماعي والسياسي المصري،لاسيما وقد عبر السيد الرئيس عن ذلك بقوله : "...المرأة صوت الأمة وضميره والحارس على وجدان هذا الوطن..."،  ومع إيجاز هذه الكلمات و كثافة دلالتها, إلا أنها تترجم صدق ووعيالتحركات السياسية الحاضرة تجاه قضايا المرأةوواقعها.

مدرس النقـد والأدب السياسي بكلية اللغات والترجمة بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا