صدى العرب : برغم من إنتهاء دورة النمو الحالية فلا يوجد آلية لتحديد وقت إندلاع أزمة إقتصادية جديدة (طباعة)
برغم من إنتهاء دورة النمو الحالية فلا يوجد آلية لتحديد وقت إندلاع أزمة إقتصادية جديدة
آخر تحديث: السبت 04/01/2020 02:05 م محمد غراب

قال الدكتور "هشام قنديل" أستاذ التمويل والإستثمار بجامعة الأسكندرية , أن العوامل التي يمكن تضعف الإقتصاد العالمي معروفة منذ زمن بعيد، وهي في المقام الأول الحروب التجارية، وإرتفاع مخاطر الإئتمان حول العالم, وعلى الرغم من ذلك، فمع الأسف لا يمكن تحديد وقت محدد لإندلاع أزمة اقتصادية جديدة، أو بتعبير أقل حدة "ركود جديد"، بدقة عالية, حيث أن هناك العديد من العوامل التي تؤثر على ذلك، بما في ذلك قرارات بعض السياسيين، ومع ذلك يمكننا أن نقرر بثقة أن دورة النمو الحالية للاقتصاد العالمي تقترب من نهايتها، وهو ما يزيد بشكل كبير من إحتمال حدوث أزمة، أو تباطؤ حاد في الإقتصاد عام 2020.

وأضاف "قنديل" أنه عادة كلما إرتفع معدل نمو الإقتصاد في بلد ما، زاد هبوط نمو الإقتصاد، إذا ما تغيرت ديناميات الإقتصاد العالمي من النمو إلى الركود، ومن وجهة النظر هذه، فإن أسوأ وضع في الإقتصادات العالمية سوف يكون من نصيب جنوب شرق آسيا، بينما سيكون الوضع أفضل في الدول المتقدمة، ولكن بسبب عولمة الإقتصاد العالمي، فإن الجميع سوف يتأثر بدرجة ما, كما  أن الوضع الإقتصادي العالمي سوف تحدده الإنتخابات الأمريكية وبريكست الذي سيفاقم من زعزعة إستقرار أوروبا. فإعادة إنتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية سوف تعمق الحروب التجارية، وتدمر الأحلاف التجارية الموجودة الآن، وهو ما سيؤثر سلبا ليس فقط على إقتصاد الولايات المتحدة، وإنما على الإقتصاديات الرائدة في العالم ككل، حيث ستتأثر الصين وأقرب جيرانها في محيط منطقة آسيا والمحيط الهادئ، كما سوف يسهم عدم الإستقرار في الغرب والسياسة الأمريكية التي لا يمكن التنبؤ بها في تقويض النمو الإقتصادي الأوروبي.


وفي قطاعي النفط والغاز,قال "قنديل" أنه  وعلى الرغم من الإتجاه العام على مدى العشر سنوات القادمة هو بداية التباطؤ في الطلب على النفط لأول مرة في تاريخه الممتد عبر 150 عاما، إلا أن التنبؤات هنا تبدو إيجابية على الأرجح بالنسبة لعام 2020 , ولقد ظلت أسعار النفط لعام 2019 مستقرة نسبيا، حيث تقلب سعر البرميل الواحد من خام برنت حول مستوى 60 دولارا. وفي عام 2020 من المتوقع أن يستمر تأثير العوامل الرئيسية التي حددت موازين العرض والطلب في سوق النفط العالمية لعام 2019، وهي معدلات نمو الإنتاج في الولايات المتحدة الأمريكية والاتفاق بموجب اتفاق "أوبك +".

واليوم، يستعد أكبر اللاعبين لتصحيح الأسعار في الأسواق، لكن لا أحد  يتوقع إنخفاضا كبيرا في أسعار النفط. لذلك، وعلى سبيل المثال، فقد تم تصميم ميزانية المملكة العربية السعودية لعام 2020، إستنادا لتقدير سعر النفط 60 دولارا لبرميل خام برنت، وعلى الرغم من أن خبراء النفط في وكالة معلومات الطاقة الأمريكية يتوقعون إنخفاضا في أسعار النفط أوائل العام 2020، إلا أن متوسط القيمة السنوية لسعر برميل النفط خام برنت سيظل عند مستوى 60.5 دولار,  حيث من المرجح أن تبدأ الأزمة المالية والاقتصادية العالمية عام 2020، وهو ما يحدده عدد من العوامل على رأسها أولا، أن نذكر أن الأزمة السابقة وقعت بين عامي 2008-2009، وقد مر 11 عاما، وهي المدة المتوسطة لدورة الإقتصاد، بين الهزات الإقتصادية العالمية, حيث تعززت الإتجاهات الحمائية حول العالم في التجارة المتبادلة بين اللاعبين التجاريين الرئيسيين في العالم، حيث تصاعدت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وكذلك الحصار الذي تفرضه منظمة التجارة العالمية، العقوبات الموقعة على أكبر الشركات العالمية في الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية (مجموعة بوينغ مثلا)، العقوبات من جانب الإتحاد الأوروبي، دول كومونولث التاج البريطاني، الولايات المتحدة الأمريكية، كندا على روسيا. إلى جانب ذلك يستمر الحظر، والقيود الجمركية، المحاصصة , في الوقت نفسه تباطأت وتيرة الإقتصاد العالمي، وهو ما تؤكده بيانات البنك الدولي، ففي عام 2017، بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 3.16%، وفي عام 2018 بلغ 3.04%، وأما في عام 2019 فمن المتوقع أن يكون أقل من 3%.

وأشار "قنديل" إلى أن ديون الشركات في جميع أنحاء العالم تنمو وتقترب من مستوى 19 تريليون دولار، بينما تقترب ديون الحكومات إلى 80 تريليون دولار، وهو ما يمثل حوالي 115% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي أن الإنتاج العالمي لن يوفر إجمالي الدين الخارجي للبلدان. على سبيل المثال تبلغ إحتياطيات الذهب في جميع دول العالم 34.5 ألف طن نهاية عام 2019, وبالإضافة لذلك، تجاوز العائد على السندات الأمريكية قصيرة الأجل العائد على السندات طويلة الأجل، وهو عادة ما يكون إشارة على ركود مستقبلي, ويكفي لإندلاع الأزمة إعلان عن توقف الشراكة بين شركاء دوليين، أو توقف صندوق إستثماري عن متابعة إستثماراته الخارجية، لنكون بصدد ركود يمكن مقارنته بسنوات 2008-2009، أو حتى بالركود العظيم في الثلاثينيات من القرن الماضي, وأيضا الإقتصادات المتقدمة سوف تتباطأ إلى 1.7% في عام 2020، وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي، بينما يتوقع أن يرتفع معدل نمو الإقتصادات والأسواق الناشئة إلى 4.6%. ويرتبط حوالي نصف هذه الدينامية بإنتعاش النمو أو ركود أقل حدة في دول الأسواق الناشئة، التي عانت من أزمات مثل تركيا والأرجنتين وإيران. وترتبط البقية بإستعادة النمو في البلدان التي إنخفض فيها معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير عام 2019، مثل البرازيل والمكسيك والهند وروسيا والمملكة العربية السعودية، وهو ما يعني أن النمو الإقتصادي المتوقع لا يمكن إلا أن يسمى إنتعاشا بعد هبوط الأسواق المالية في الفترات السابقة, وفى عام 2019، أظهرت الولايات المتحدة الأمريكية، القاطرة التقليدية للإقتصاد العالمي، أكبر نمو لمؤشراتها الاقتصادية في 30 عاما، حيث حققت أكثر من 25% سنويا، ولكن إذا ما قارنا المؤشرات الإقتصادية الأساسية لأكبر الشركات، فسوف نرى أن فترات النمو السابقة في الولايات المتحدة كانت مصحوبة بتغيرات نوعية في مؤشرات مثل نمو الدخل والأرباح وتوسيع السوق، يبدو الوضع الآن معاكسا تماما، بينما توقفت أرباح أضخم الشركات, وإذا كانت القوى العالمية قد تغلبت على الأزمة الإقتصادية السابقة، فإن النموذج الحالي للأزمة قد يمثل إختلال في أكبر الإقتصاديات، وقد يؤدي إلى توتر في العلاقات التجارية والتكنولوجية. على سبيل المثال، يشكل فرض قيود من جانب الولايات المتحدة الأمريكية على التجارة مع شركات التكنولوجيا الصينية، ووضع اليابان وكوريا إجراءات أكثر صرامة فيما يتعلق بالصادرات وإتخاذ إحتياطات ضد مخاطر "البريكزيت القاسي" تشير بوضوح إلى إنخفاض فرص تحقيق أي نتائج إيجابية في 2020, ومن هنا الشيء الرئيسي  للخروج  من هذا مأزق هو أن دول أوبك والدول التي إنضمت إليها  يجب أن تجلس على مائدة التفاوض في عام 2020 حتى يظل سعر النفط مستقرا عند المستوى الحالي، ولم تكن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية ساخنة كما يخشى الجميع، وسوف تبقى العلاقات الإقتصادية على نفس المستوى الذي كانت عليه.