صدى العرب : أفلام حليم وفريد جسدت نهايات سعيدة لنا... ولكنهما افتقداها في حبهما (طباعة)
أفلام حليم وفريد جسدت نهايات سعيدة لنا... ولكنهما افتقداها في حبهما
آخر تحديث: السبت 17/08/2019 12:46 ص
أحمد المرشد أحمد المرشد

نستكمل اليوم معا قصص الأغاني، وننتقل ما بين قصص حب عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، وهي قصص حب تقترب من الحقيقة. ونبدأ بقصة حليم  التي رواها الكاتب الصحفي الكبير مصطفى أمين الذي كان قريبا جدا من حليم وغيره من الفنانين وأهل السياسة والفكر والثقافة، وكل ما يرويه مصطفى أمين موثق في جريدة "أخبار اليوم" المصرية التي أسسها وتوأمه علي أمين. ونحن هنا نتحدث عن أغنية "بتلوموني ليه" التي تظل أشهر أغاني حليم والتي كانت محور الحبكة الدرامية لفيلم "حكاية حب" من بطولته ومريم فخر الدين التي تقترب بشدة من ملامح حبيبته  الحقيقية، ولذا جاءت كلماتها معبرة تماما عما يجيش به قلب حليم المتيم بحبيبته المجهولة التي لا يعرف اسمها سوى مصطفى أمين وقليلون من الأصدقاء المقربون لحليم. فقصة الأغنية والفيلم ليست وهمية أو من بنات أفكار المؤلف، أما الأغنية فهي من أشهر أغاني حليم خاصة وأنه غناها بإحساس وألم وعذاب وربما شارك مؤلفها مرسي جميل عزيز في صياغة كلماتها. ولم تكن "بتلوموني ليه" الأغنية الوحيدة التي عاشها حليم مع قصة حبه، فثمة أغاني أخرى مثل "في يوم في شهر في سنة" و"الحلوة الحلوة" وهما يقتربان من حكايته الحقيقية مع حبيبته المجهولة.
 
ووفقا لما ذكره مصطفى أمين، فقد كان يجلس في الصف الثالث في سينما ريفولي بوسط القاهرة وحليم يغني "بتلوموني ليه"، ولاحظ أن حليم كان يوجه نظراته إلى  فتاة رائعة الجمال كانت تجلس بجوار مصطفي أمين، عيناها واسعتان جذابتان، فمها دقيق وشفتاها جميلة وقوامها فتان، وعندما بدأ يقول :"بتلوموني ليه لو شفتم عينيه حلوين أد إيه" بادلته الفتاة الجميلة نفس الكلمات ولكن بعينيها وتناجيه وتلاغيه وتقبله وتعانقه على الهواء. لم ير أمين في حياته – حسبما ذكر – عينين بكل هذا السحر والجمال وأدرك وقتها أن "بتلوموني ليه" كتبت من أجل هذه الفتاة التي لم يعرف اسمها.
 
وفي اليوم التالي زار حليم مصطفى أمين في مكتبه فبادره بأنه عرف حكايته مع الفتاة التي يحبها، وأصيب حليم بالذعر وسأله: من أخبرك؟، فرد أمين بأن عيني الفتاة هي التي كشفت حالة الحب المتبادل بينهما وهي التي أذاعت هذا السر الرهيب. اطمأن حليم إلى  أن مصطفى أمين يداعبه وأنه لم يعرف اسم فتاته أو محبوبته التي سبق وتعرف بها وهو يدخل مصعد العمارة التي كان يقطنها في منطقة رمل الإسكندرية ورآها أمامه وما كاد يرى عينيها حتى جن بها، فكان حبا من أول نظرة، ابتسم لها فبادلته ابتسامة بابتسامة وسألها عن أسمها فأجابت، ثم عرف أن أسرتها هي صاحبة العمارة. وقد امتلكت الفتاة عقل وقلب حليم من هذا اليوم، فلم يكد يشغل فكره وإحساسه وعواطفه وأحلامه سوى صاحبة العينين الجميلتين.
 
وفوجئ مصطافو شاطئ المنتزة في ذاك الوقت بحليم لا يغادر الشاطئ أبدا رغم نصيحة الأطباء له بتجنب الجو الرطب، فكان يسير خلف فتاته على الشاطئ ويبقى ساهرا أمام كابينتها المطلة على البحر حتى الفجر ولا ينام وهي مستيقظة ولا ينصرف وهي جالسة حتى لا تغيب عيناها عنه. وتردد وقتها أن حليم ضحى بحفلات كانت ستدر عليه آلاف الجنيهات حتى لا يترك حبيبته بالإسكندرية وحاول إخفاء حبه عن أقرب أصدقائه حتى لا تلوك الألسنة قصة حبه. وكانت المفاجأة أن حبيبة حليم المتيم بها متزوجة من دبلوماسي مصري ولديها أولاد وهي سليلة أسرة عريقة، ولكنه لم يعبأ بكل هذا وصارحها بحبه وبادلته حبا بحب، وفي البداية استقبلته أسرتها كصديق للعائلة ولكن عندما علمت بحبه لابنتهم ناصبوه العداء، فكيف تتزوج بنت الأكابر من مطرب؟. لم ينشغل حليم وحبيبته كثيرا بهذه المهاترات حيث طلبت الطلاق من زوجها لتتزوج من حبيبها، ولكنها مرضت مرضا شديدا فجأة واكتشف الأطباء أنه سرطان الدم وكان من الصعب الشفاء منه في هذه الفترة، فأبلغت حليم بأنها تعفيه من وعده لها ولن تتزوجه،  ولم يمهلها القدر فعلا وماتت في الخارج أثناء علاجها ليحزن عليها. إنها قصة حب حليم، أحب وعشق فتاة أحلامه وبادلته حبا بحب وتطلب الطلاق من زوجها ولكنهما لم يتزوجا حيث مرضت فجأة  قبل الزواج لتغادر الحياة ولكنها لم تغادر عقله وفكره وقلبه ونحن أيضا لم ولن ننس قصة فيلم "حكاية حب" وأغنية "بتلوموني ليه" التي جسدت معاني هذا الحب:
 
بتلوموني ليه .. بتلوموني ليه\لو شفتم عينيه .. حلوين قد إيه\ح تقولوا انشغالي وسهد الليالي\مش كتير عليه... ليه بتلوموني
 
أسير الحبايب يا قلبي يا دايب\في موجة عبير من الشعر الحرير\ع الخدود يهفهف ويرجع يطير\والناس بيلوموني وأعمل إيه يا قلبي\عايزين يحرموني منه ليه يا قلبي
 
من يوم حبه ما لمس قلبي\فتح الباب للشوق يلعب بي\وهو حبيبي وهو نصيبي\وهو النور لعينيه وقلبي\وهو شبابي وهو صحابي\وهو قرايبي وكل حبايبي\والناس بيلوموني وأعمل إيه يا قلبي\عايزين يحرموني منه ليه يا قلبي
 
والقصة الثانية هي أغنية "نوره يانوره" التي غناها فريد الأطرش في  حفل زفاف الملك فاروق على الملكة ناريمان و"نوره" هو اسم الدلع للملكة، لكن فريد  لم يكن يدري وهو يغني لها في حفل زفافها أنه سيكون أحد ضحاياها، إنها قصة "العشق الملكي" أو قصة عشق ملك العود فريد الأطرش لآخر ملكات مصر. وقد خلد فريد قصة حبه غير المكتملة أيضا كما ذكرنا مع حليم، بأغنية "نوره يانوره". والمعروف أن فريد هام عشقا في حب ناريمان أو "نوره" بمجرد أن رآها في حفل زفافها، وحاول عندما تم طلاقها عام 1952 أن يعيد المودة وتردد على منزل أسرتها مرارا، حتى رفع الملك فاروق دعوى على فريد بعد انتشار شائعات حبه بناريمان وتعلقه بها وقرب زواجه من مطلقته الملكة السابقة. ويتردد أن والدة ناريمان هي التي عارضت زواج ابنتها من فريد حيث لم يرق لها أن تتزوج ابنتها من مطرب مثلما كان حال بعض العائلات في ذلك الوقت، فهاجمت فريد بشدة لتحط من شأنه، فهي ترفض فكرة زواج ناريمان من "مغنواتي"، فخضعت ابنتها "نوره" لإرادة والدتها وتخلت عن  فريد مما أصابه بجلطة كادت تقضي على حياته، ليصرح بعدها بعشقه لناريمان ولكن موقف أسرتها جعله يطوي صفحتها للأبد، فخرجت إلينا أغنية "نوره يانوره" لتجسد هذه القصة العاطفية، ليشترك مع حليم في قصة حب حزينة، حب لم يكتمل مع حبيبته المجهولة. وقد قرر فريد تخليد قصة عشقه للملكة السابقة  في فيلم "قصة حبي" التي مثلت أمامه وقتها جميلة السينما المصرية إيمان، ولكنه لم يترك هذا الحب أيضا إلا بتجسيده في أغنية "نوره يانوره" ويقول فيها:
 
نوره نوره يـــا نوره\يا وردة نادية في بنوره\إسمك على رسمك صورة \مِ القمرة أه يا قمـورة\نوره نوره ويانوره
نوره يا إســم على مسمَّى\ الليل بيه يبقى نهـار\عِشْتِ انتي وعاش مين سمّى يا أميـرة على النوَّار
يا نسيم رفاف..  يا ضمير شفاف..  ولا ايش أوصاف\توفيكي الحق يا نوره.. نوره  نوره.. نوره نوره يا نوره..
 
إسمك على رسمك لايق\سبحــان من أبدع رسـمك\يا ندى الصبـحِ للرايق\ اسم اللـه يا نوره على إسمك\يا ليالي العيد.. من غير مواعيد.. أبو حظ سعيد\اللي تحن عليــه نوره\نوره يا نوره  ويا نوره
 
وإذا كان البعض قد تغالى في رسم أوصاف حبيبات الفنانين والمطربين من أمثال محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفريد والأطرش وغيرهم، فهذا لا يعني تمجيد أولئك السيدات بما ليس فيهن، فالجمال لا يعني الوجه فقط، فالروح الجميلة تجذب القلوب العطشة للحب والغرام والهوى، وكثير من المطربين والمطربات غنوا لجمال الروح ومن أشهرهم عبد الوهاب الذي غنى "عاشق الروح" وترك الجسد الفاني، فالفن حالة والحب كذلك، ولكن يبدو أن نصيب حليم وفريد من الحب لم يكتمل مثل شهرتهما التي فاقت العالمين. وإذا كانت كل الأفلام الغرامية تنتهي نهاية سعيدة، فقصتا حليم وفريد لم تـُكتب لهما النهاية السعيدة مثلما جسدا الإثنين العديد من النهايات السعيدة ولكن في الإفلام فقط وليس في حياتهما.
 
أحمد المرشد
كاتب بحريني