صدى العرب : رطب البحرين والشوق الأبدي (طباعة)
رطب البحرين والشوق الأبدي
آخر تحديث: الأربعاء 14/08/2019 02:47 م
السفير: خليل الذوادي السفير: خليل الذوادي
عشنا ونحن نرى النخلة في بيوتنا، وعاصرنا الأجداد والآباء وهم يعتنون بالنخلة في مواسمها المتعددة وإعلان ثمارها منذ البداية. كان لكل جزء من النخلة عندهم قيمة ومنفعة، ووجدوا لكل أجزائها وظيفة منفعية لحياتهم وبساطة عيشهم في تلك الأزمان.

كان خير النخلة يعمّ أهل الدار وجيرانهم وأصدقائهم ومن يعزّ عليهم إن رطبًا أو تمرًا، ميزة النخلة أنها مرتبطة بموروث البحرين وثقافتها واقتصادها وغذائها، ارتبطت بالأشعار والأمثال والأختام الدلمونية أحد أبرز معالم حضارة دلمون التي يعود تاريخها إلى سبعة آلاف سنة قبل الميلاد.

البحريني يعشق رطب بلاده ولا تخلو مائدة من الرطب أو التمر يؤكل كما هو أو يخلط دبس التمر بالرز ليصبح «المحمر» غذاء الرز المفضّل عند البحريني، ماضيًا وحاضرًا، بالسمك الطازج أو بالسمك المملح، أو تعمل من الرطب أشهى الحلويات ليصبح غذاء الجميع لما فيه من فوائد حتى أولئك الذين يعانون من مرض السكري لا غنى لهم عن بعض تمرات ترضي النفس وتطيب الخاطر.

ازداد شوقنا للرطب في الغربة والبعد عن الوطن، خصوصًا إذا علمنا بأن أشجار النخيل في بلادنا بدأت تزدان بعذوق من الرطب من كل لون وصنف، ونتواصى بأن يهدى إلينا رطب البحرين مع القادمين إلينا في الأوطان المحببة التي نعيش فيها مؤقتًا، ونتباشر بأن أحد الأصدقاء وصل إليه الرطب، فيكون عليه واجب دعوتنا وتقديم ما أفاء الله عليه من رطب البحرين.

شخصيًا لا أقوى على رؤية الرطب دون أن أقتنيه، فقد أصبح جزءًا من حياتنا وأصبحت التقنية الحديثة تساعدنا في تخزينه، بحيث يكون موجودًا طوال العام تثليجًا أو تجميدًا، ولكن أكله طازجًا له طعم آخر ومذاق مختلف، ولكننا دائمًا نقول: «العوض ولا الحريمة»، فالرطب له بريق وسحر في أن يكون مرغوبًا ومطلوبًا من البحرينيين، وأحسبه عند كل أهلنا العرب من المحيط إلى الخليج العربي، ولكل بلد من بلداننا الأنواع المميزة والمذاق الخاص، فقد ارتبطنا نحن العرب بالنخلة وباتت جزءًا أساسيًا في حياتنا، وأزعم أننا جميعًا نجمع على حبنا وتقديرنا للنخلة وثمرها الذي يضفي على حياتنا اليومية مذاقًا وطعمًا للفرح بالغذاء الكامل المواصفات.

استبشرنا خيرًا عندما قامت بلداننا بزراعة النخيل في الشوارع والطرقات، فعلاوة على جمال المنظر فإن النخلة لا تحجب رؤية ولا تترك أثرًا من بقايا تحتاج إلى تنظيف، كما أن النخلة في الشوارع تذكرنا بتغيير الفصول وكل فصل نشهد منظرًا للنخلة مختلفًا وكأننا نعيش معها اللحظات والأوقات.

أتذكر أن جدي لأبي -يرحمه الله- محمد بن صالح الذوادي عندما نزلت في بيت جديد بمدينة عيسى، كان أول سؤال طرحه عليّ بعد أن بارك لي بالبيت الجديد: «هل زرعت في بيتك نخلة؟!» فيومها لم أكن قد زرعت بعد نخلة، فأسرعت الخطى للحصول على النخيل الملائم للزراعة المنزلية ولم يكن ذلك صعبًا الحصول عليه في بلد سميت يومًا «ببلد المليون نخلة»، أي مملكة البحرين الغالية التي نعيش فيها وتعيش فينا، والحمد لله أن النخلة صارت نخلات من كل صنف ولون ونوع.

سيظل البحريني متشوقًا إلى ثمار النخلة ويظل الرطب والتمر يمثل غذاءً لا بد منه لكل مائدة تجتمع حولها العائلة.

النخلة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وفي الأمثال العربية والأشعار على مدى التاريخ الشعري العربي وتطوّره عبر المراحل؛ الجاهلية والأموية والعباسية والأندلسية إلى الشعر الحديث والمعاصر، هي المثال والقدوة ومضرب الاستشهاد الشعري. 

سنظل في عشق أبدي للرطب والتمر، وسيظل رطب البحرين بأنواعه وأشكاله وأحجامه ومذاقة الأثير إلى النفس وأجمل هدية يمكن أن تهدى صيفًا، وربما في كل فصول السنة.

وعلى الخير والمحبة نلتقي