صدى العرب : "حديث الروح" من محمد إقبال وأم كلثوم إلى المسلمين ..."اذا الإيمان ضاع فلا أمان" (طباعة)
"حديث الروح" من محمد إقبال وأم كلثوم إلى المسلمين ..."اذا الإيمان ضاع فلا أمان"
آخر تحديث: الجمعة 21/06/2019 11:10 م
أحمد المرشد أحمد المرشد
 
أعود من جديد الي أغاني أم كلثوم الجميلة وانتقي لكم اليوم ما غنته للشاعرالباكستاني محمد إقبال وكيف استطاعت سيدة الشرق غناء مضمون قصيدتين جمعتهما في قالب شعري واحد في قصيدة"حديث الروح" تلحين الملحن العظيم رياض السنباطي، وهنا يكتب لأم كلثوم أنها عرفتنا علي هذا الشاعر الكبير وما تركه للمكتبة العربية من شعر صوفي.

فقد نظم إقبال قصيدتي "الشكوي" عام 1909 ثم "جواب الشكوي" عام 1913.

 

ورغم أنني كتبت كثيرا عن أم كلثوم، لكني أجد نفسي اليوم مشدودا  للتعبير عما أبدعته في غناء "حديث الروح" لعلني أستطيع أن أوصل للقارئ الكريم نبذة عن قصيدتي الشاعر الكبير محمد إقبال وكوكب الشرق والملحن رياض السنباطي في رحلة فنية مبدعة عنوانها "حديث الروح"، وهي إعادة نظم لقصيدتي الفيلسوف الباكستاني في "الشكوي" التي كتبها عام 1909 وبث فيها شجونه في 120 بيتا وتعد من أروع قصائد مناجاة المولي عز وجل علي مرالتاريخ كما اعتقد ويعتقد معي كثيرون، وفيها ينتقد تراجع الدور الحضاري للمسلمين في التاريخ، وتألم فيها كثيرالحال المسلمين في عصره محاولا مواجهة المشكلات الحضارية التي تعترضهم، ولهذا سمي قصيدته "الشكوي" لأنها كانت كذلك ،فالشكوى لله لما وصل إليه حال الأمة الإسلامية المتردي وكيف تراجع دورهم، مبديا ألمه وأسفه تجاه ذلك الحال.

 ثم حاول الفيلسوف إقبال الرد علي منتقديه بعد أربعة أعوام تقريبا من "الشكوي" ليعدل الصورة في قصيدة "جواب الشكوى" التي نظمها عام 1913 وتضم 140 بيتا، لينقل فيها جواب من الله للمسلمين على شكواه, ليرضي بذلك العلماء الذين سبق وهاجموه.

 وقد ترجمهما من الأردية الي نثر باللغة العربية العالم الأزهري محمد حسن الأعظمي، في حين أعاد الشاعر المصري الكفيف الشيخ الصاوي شعلان كتابتهما في قصيدة واحدة هي "حديث الروح".


ولعل اختيار أم كلثوم لغناء "حديث الروح" لفيلسوف عصره يعد إنصافا للشاعر الباكستاني فيما أبدعه ولم يطلع عليه العرب حيث كتب معظم أشعاره باللغة الفارسية، فخرجت الكلمات والأداء واللحن من أروع ما تم غناؤه فيما يوصف بالأغاني الدينية لما تضمنت الكلمات الرقيقة من معان مبدعة رغم صعوبتها، ويكفي ما جاء في بداية الحديث حيث طار بلا جناح في الفضاء لتفيض دموع العشق:

حديث الروح للأرواح يسري | وتدركه القلوب بلا عنـاءِ

هتفت به فطار بلا جناح | وشق أنينه صدر الفضـاء

ومعدنه ترابي ولكن | جرت فى لفظه لغة السماءِ

لقد فاضت دموع العشق مني | حديثاً كان علوي النداءِ

فحلق فى ربى الأفلاك حتى | أهاج العالم الاعلى بكائـي

 

ويتواصل الإبداع لتتحاور النجوم مع دعاء شخص يواصل بث شكواه لله لتهتز المجرة كلها من جراء حديث القلب الشاكي الذي يبث أمله كل مساء ، ومن قبل كانت النجوم علي علم بالصوت الذي يأتيها من كوكبنا أنينا ودعاء بقرب العرش، وقد جسد هذا الحوار السامي لحن السبناطي الذي حلق هو الأخر بنا لنستمتع بشدو أم كلثوم:

تحاورت النجوم وقلن صوت | بقرب العرش موصول الدعاء

وجاوبت المجرة علّ طيفاً | سرى بين الكواكب فى خفاء

وقال البدر هذا قلب شاك | يواصل شدوه عند المسـاء

ولم يعرف سوى رضوان صوتي | وما أحراه عندي بالوفاء

شكواي أم نجواي فى هذا الدجى | ونجوم ليلى حسّدي أم عوّدي

 

وإذا كانت الكلمات واضحة، فالمهمة صعبة أمام الملحن الذي تحاور بنفسه مع كل كلمة علي حدة وليس كل مقطع ليخرج لناقطعة موسيقية فنية لا تبعدنا موسيقاها عن مناجاة الله، فكان اللحن نسمة ولميقطع حالة الوصال الصوفي:

أمسيت فى الماضي أعيش كأنما | قطع الزمان طريق أمسي عن غدي

والطير صادحة على أفنانها | تبكي الربي بأنينها المتجدد

قد طال تسهيدي وطال نشيدها | مدامعي كالطّل فى الغصن الندي

فإلى متى صمتي كأني زهرة | خرساء لمترزق براعة منشد

 

ثم يبدأ "حديث الروح" في التصعيد وتنجح أم كلثوم في تخفيف صعوبة الكلمات بصوتها الجميل مما يجعلنا نرتقي معها شطرا شطرا أو كلمة كلمة لو شئنا الدقة، حتي نصل الي قمة التجليات ليشكو القلب الذي لم يغفل الحمد عن نبضه وهو لسان حاله علي الدوام، ويا ليتنا جميعا نكون هذا القلب الراضي القانع بكل أقدار الله

قيثارتي ملئت بأناث الجوى | لابد للمكبوت من فيضان

صعدت الى شفتي خواطر مهجتي | ليبينعنها منطقي ولساني

أنا ما تعديت القناعة والرضا | لكنما هى قصة الأشجان

يشكو لك اللهم قلب لم يعش | إلا لحمد علاك فى الأكوان

 

وتنتهي مرحلة شكوي الفيلسوف الباكستاني عند تذكيره للمسلمين بأنهم الذين دعوا من قبل للواحد القهار مرددين "الله اكبر"، وهم – أي المسلمين – قد ميزهم الله بنعمة الإسلام والتوحيد ولم يكونوا مثل غيرهم من الأقوام التي عبدت الكواكب والنجوم عن جهل، ويكفي المسلمين عزة أنهم يرددون الشهادة إيمانا بوحدانية الخالق، فلا إله سواه الذي قدرالأقدار ومن يقول للشيء كن فيكون:

من قام يهتف باسم ذاتك قبلنا | من كان يدعو الواحد القهارا

عبدوا الكواكب والنجوم جهالة | لم يبلغوا من هديها أنوارا

هل أعلن التوحيد داع قبلنا | وهدى القلوب إليك والأنظارا

ندعوا جهاراً لا إله سوى الذي | صنع الوجود وقدّر الأقدارا

 

تتواصل مناجاة محمد إقبال التي تنقلها لنا أم كلثوم بصوتها، حتي يأتي جوابه علي شكواه وفيها يبدل الشكوي بحديث عن الهمم وتذكرة المسلمين في شتي أقطارالمعمورة من مغبة ضياع الإيمان، فالتحذيرواضح وجلي للجميع فمن ضاع إيمانه بالله فلن يعيش آمنا وسيظل بلا أمان، وهذه هي النتيجة الطبيعية لمن لم يحافظ علي دينه فلا دنيا له، فمن يعمل لدنيته فقط فلن تنفع في الآخرة وسيكون الفناء مصير من رضي الحياة بلا دين بلا جدال..ولم تتوان كلمات ونصائح محمد إقبال التي يلقيها علي مسامح المسلمين عبر صوت أم كلثوم، فالاتحاد قوة وبلوغ العلا لا يأتي من متفرقين، وعلينا جميعا أن نكون علي كلمة سواء أسوة برسالة نبينا الكريم الذي وحدالعرب برسالته، ويكفي عزة وافتخار للمسلمين جميعا أن قبلتهم واحدة ومصحفهم وقرآنهم محفوظ ليوم الدين،وربهم الواحد الحي الرحمن الرحيم رب كل الأكوان والعالمين:

إذا الإيمان ضاع فلا أمان | ولا دنيا لمن لم يحي دينا

ومن رضى الحياة بغير دين | فقد جعل الفناء لها قرينا

وفي التوحيد للهمم اتحاد | ولن تبنوا العلا متفرقينا

ألم يبعث لأمتكم نبي | يوحدكم على نهج الوئام

ومصحفكم وقبلتكم جميعاً | منار للأخوة والسلام

وفوق الكل رحمنٌ رحيمٌ | إله واحد رب الأنام

عندما اكتب عن أم كلثوم يساورني إحساس جميل بهذه السيدة التي تعد الهرم الرابع بمصر والتي لم ولن يجود الزمان بمثلها..نعم لم ولن نري أم كلثوم أخري،  فهي لا  تزال متربعة علي هذا العرش رغم مرور كل هذه السنوات علي رحيلها،  فهي كوكب الشرق بلا منازع والسيدة الأعظم في الغناء العربي.

 أشعر عندما اكتب عن أم كلثوم أن كتاباتي عن هذه السيدة لا ترقي حتي  درجة واحدة من ملايين الدرجات التي تتميز بها أم كلثوم، وما كتاباتي وكتابات الآخرين عنها سوي نذر يسير عن فخرنا جميعا التي لن نوفيها حقها في الوصف وما تميزت به حنجرتها الذهبية.
 

أحمد المرشد
كاتب ومحلل سياسي بحريني