صدى العرب : يا «بدر» هل نترك لأحفادنا ذكرى عطرة أسوة بتاريخ أجدادنا؟ (طباعة)
يا «بدر» هل نترك لأحفادنا ذكرى عطرة أسوة بتاريخ أجدادنا؟
آخر تحديث: السبت 25/05/2019 10:02 ص
أحمد المرشد أحمد المرشد
ها قد انقضى ثلثا شهر رمضان المعظم، شهر الخير والبركات والروحانيات والعبادة والإحسان، يمضي هذا الضيف الذي أتانا هذا العام بما يسر لنا الله سبحانه وتعالى من صيامه وقيام ليله، رمضان بدأ يشد الرحال فلم تتبقَ سوى عشرة أيام فقط، نتضرع الى الله العزيز الحكيم الرحمن الرحيم بأن يشملنا برعايته ويوفقنا الى صيام ما تبقى من أيامه وقيام التهجد في لياليه العشر الأخيرة، رمضان سيعود على الأمة مرة أخرى ولكن من يقدر له أن يعود عليه رمضان، فهذا أمر الله سبحانه وتعالى، ولهذا كانت الدعوة الغالية: «اللهم بلغنا رمضان»، ثم عندما يأتينا رمضان ندعو المولى عز وجل أن يبلغنا ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. 

 في رمضاننا هذا عندما نتلفت يمينا ويسارا وأعلى وأسفل نرى نوره الساطع، نور أيام الخير والبركة، ولكن ما أفسد تلك الأيام بروحانياتها الجميلة المحببة لكل نفس تلك النزاعات والصراعات المريرة ما بين قيادات بعض دول هذا العالم، فهذه إيران بأذرعها المختلفة، تمد ذراعا هنا وأخرى هناك لتفسد هذه الأجواء من خلال مساندتها لأعمال الإرهاب الذي لا تعرف غيره، فهي تدعم الميليشيات الحوثية وتنظيم داعش وحزب الشيطان، فهي تدعم كل ما هو مسيء للأمة الإسلامية وتدعي أنها من الإسلام وهو منها براء.. وهناك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إذ يشمر ساعديه ويحملق بعينيه ويحمرها على إيران احمرارا وهميا مثلما قلت في الأسبوع الماضي، تهديد هنا وآخر هناك، من أجل ماذا؟ من أجل استفزازنا نحن العرب والمسلمون. علينا ونحن في هذا الشهر، شهر الخير والبركات، أن نأخذ أسوة حسنة من هذا الشهر ومن حياة سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم. فخلال شهر رمضان عرف المسلمون الانتصارات، وأمامنا غزوة بدر باكورة تلك الانتصارات العظيمة، فمنّ الله جل وعلا على المسلمين بالنصر مع قلة عددهم وعدتهم، قال تعالى: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون * إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين * وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) «آل عمران 123-126».

 نعلم جميعا أن غزوة بدر غيّرت معالم التاريخ في هذا الوقت، فكانت فرقانا فرق الله به بين الحق والباطل وكان لها ما بعدها، فهي أول غزوة في الإسلام وأولى معاركه الكبرى وتوج المسلمين بالنصر المبين. فلم يركن المسلمون الى الراحة عندما تركوا مكة وهاجروا الى المدينة المنورة، ولم يستسلموا لاستفزازات الكفار وقريش التي لاحقت المسلمين بالأذى والاضطهاد والخسائر المادية، فأراد رسولنا الكريم أن يشفي صدور المؤمنين من عدوهم وأن يقوي معنوياتهم ويثبت قلوبهم باغتنام تلك الفرصة، فما ان لاحت فرصة أمام المسلمين وهي عبور قافلة لقريش يقودها أبوسفيان حتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بمواجهتها، وقال لهم: «هذه عير قريش فيها أموالكم فأخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها»، وبهذا ينفذ رسولنا الكريم هدفا من دعوته هذه وهو تحطيم عنفوان وقوة المشركين، وقد كتب الله النصر للمسلمين وشفى الله صدورهم وأيدهم جل وعلا بالنصر المبين من عنده. والعبرة هنا أن سيدنا محمد صلوات الله عليه لم يركن للراحة والهدوء، ولم يتوانَ عن استرداد حقوق المسلمين المهاجرين، فاستعد وانتصر وأنعم المولى عز وجل عليهم بنعمة الأمن، وكانت النتيجة أن المسلمين شعروا بالأمن بعد بدر وخافهم عدوهم والمشركون ولم يعد هدف هؤلاء شن هجمات على أهل المدينة واستضعافهم كما كان في الماضي، فأوقعت بدر في قلوب هؤلاء وكل من يتربص بمسلمي المدينة الرعب، وصدق الله حيث وصف هذا النصر: (وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) «آل عمران 126».

 غزوة بدر التي انتصر فيها المسلمون وهم صائمون، وهاهو التاريخ يعيد نفسه، وهناك إجماع على أن تعقد قمة عربية إسلامية في مكة المكرمة مهد الرسالات، فإن عقد هذه القمة بات ضروريا ونحن نحيا أيام وليالي هذا الشهر الكريم لنحدد طريقنا نحن المسلمون، فإذا كان هناك عضو يسيء الى الإسلام فلا بد من اجتثاثه وبتره. إن ما فعله خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز بدعوته الكريمة لعقد القمة العربية الإسلامية، ليؤكد للعرب والمسلمين جميعا أنه واجب علينا أن نسعى في تحصين أمننا، فبالأمن تقام شعائر الإسلام، وبالأمن نتقدم، وبالأمن نحصل على العلم والأمان ونحفظ ثرواتنا ونحمي أعراضنا وبلداننا، فيجب على العرب والمسلمين الاجتهاد في هذا الشهر الفضيل لتأمين حياتهم وحاضرهم ومستقبلهم، ومواجهة أعدائهم بالاتحاد، فالاتحاد قوة، والأمن نعمة لا ينالها المتقاعس أو الذي يعتمد على قوة غيره، فالقوة ما لم تكن من صفاتنا فالغير سوف يستبيحنا، وهذا ما نراه حاليا، تلك الدولة تهدد والأخرى ترد عليها، وكأن أهل المنطقة نيام غير موجودين، مع أن أي قرار حرب يجب أن يكون نابعا منهم أصلا بعد ترتيب أوضاعهم وحشد قواتهم والاستعداد لحرب يعلمون موعدها وموقعها، ولكن أن تندلع حرب فوق أرضنا من دون علمنا، فهذا لن يكون.

نعم.. يجب أن نترك لأحفادنا وأجيالنا القادمة ذكرى عطرة يتغنون بها، كما ترك آباؤنا لنا من انتصارات في شهر رمضان، انتصارات غيّرت مجرى التاريخ وأرست دعائم الأمن في ربوع الدولة الإسلامية، ففي شهر رمضان الكريم كان فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة، وكانت معركة القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص، وتم فتح بلاد الأندلس علي يد طارق بن زياد، وانتصر المسلمون في معركة حطين واستردوا فيها بيت المقدس، كما انتصروا بقيادة سيف الدين قطز على التتار في معركة عين جالوت، وكان آخر تلك الانتصارات العاشر من رمضان عندما ألحق المصريون بعدوهم الإسرائيلي هزيمة نكراء جعلت المصريين والعرب الأعلون ليعرف الجيش الصهيوني قدره بين الجيوش عندما تتحد وتعود الى كلمة الحق. يقول الشاعر هاشم الرفاعي متغنيا في قوة العرب والمسلمين:

 

ملكنا هذه الدنيا القرونا

وأخضعها جدود خالدونا

وسطرنا صحائف من ضياء

فما نسي الزمان ولا نسينا

فما فتئ الزمان يدور حتى

مضى بالمجد قوم آخرون

وأصبح لا يرى في الركب

قومي وقد عاشوا أئمته سنين 

وآلمني وآلم كل حر سؤال

الدهر أين المسلمون؟!

 

في هذا الشهر الكريم، شهر الخير والمبرات علينا جميعا أن نتحد ونتخذ من تاريخ هذه الأمة الإسلامية تاريخا يحقق للأجيال القادمة مجدا مجيدا لتذكرنا به تلك الأجيال بأننا قد صنعنا شيئا لهم، مثلما نتذكر نحن أجدادنا الذين تركوا مجدا لنا ووقفوا ندا قويا أمام أعداء الإسلام، فيجب علينا أن نستذكر في هذه الأيام هذه المواقف وأن العدو يتريص بنا، إسرائيل من جهة وأعداؤنا في الغرب من جهة أخرى، وأمامنا إيران كما أسلفت التي تنشر أذرعها الإرهابية في اليمن وسوريا ولبنان، إن هذه الأمة في امتحان صعب، علينا أن نجتازه في العشر الأواخر من هذا الشهر الفضيل.

نسأل الله أن يجعل بلادنا وبلاد العرب والمسلمين واحة للأمن والأمان، والسلامة والإسلام، والسخاء والرخاء، والحمد لله رب العالمين.