صدى العرب : إرهابيون جدد علي خطي داعش (طباعة)
إرهابيون جدد علي خطي داعش
آخر تحديث: السبت 23/03/2019 10:06 ص
أحمد المرشد أحمد المرشد
ربما أكون صادما إذا تحدثت عن واقعة الإرهاب الأبيض التي شهدتها مدينة كرايست تشيرش النيوزيلندية الهادئة بصورة تتناقض مع الطريقة التي رصد بها مراقبون عرب كثيرون تلك الحادثة الإرهابية البشعة، فالواقعة ليست جديدة علي المسلمين والعرب فهي متكررة، وعلي سبيل المثال واقعة دهس مسلمين لحظة مغادرتهم مسجدا في شمال لندن رمضان قبل الماضي، وغيرها من حوادث الإسلاموفوبيا التي تنتشر في الغرب والولايات المتحدة، ولكن عيبنا النسيان حتي تباغتنا واقعة جديدة لنعلن بعدها بيانات الشجب والإدان وهي محفوظة عن ظهر قلب.

واقعة نيوزيلندا مأساة حقيقية تنم عن أحقاد دفينة لدي الجنس الأبيض الذي يري في نفسه أنهم أخيار العالم وعليهم مسؤولية السيطرة عليه والقضاء علي ما دونهم من بشر وعرقيات وأديان أخري، وهؤلاء واهمون في اعتقادهم فليس الجنس الأبيض صاحب فضل علي البشرية ولا هم أصحاب ريادة في مجالات العلوم والرياضيات والطب والفكر والفلسفة، فشواهد التاريخ وحقائقه تثبت بيقين بالغ أن أبناء الجزيرة العربية وكل من هو مسلم هم أصحاب النهضة العلمية في العالم، فالعرب سادة العالم القديم وانتشر علمهم وثقافاتهم وعلومهم مع موجات الفتح الإسلامي القديم. وبالتالي ليس صحيحا أن أصحاب البشرة البيضاء هم الذين صنعوا حضارات العالم، حتي وإن كان أصابنا الوهن وتراجعنا في الآونة الحديثة واعتمدت مناهجنا العلمية والفكرية علي الغرب وعلمائه ومفكريه.

كانت هذه بداية ضرورية لقراءة أحداث واقعة مسجدي كرايست تشيرش التي حولت المياه الراكدة وتحفزنا علي ضرورة إعادة دراسة تاريخنا وماضينا للنهوض بحاضرنا ومستقبلنا، كذلك ردا علي طريقة تفكير الإرهابي الأسترالي برينتون تارانت الذي صاح وقت ارتكاب جريمته قائلا:"أهلا باللاجئين فى الجحيم نحن قادمون إلى القسطنطينية وسنهدم كل المساجد"، ودعا الي قتل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي رحبت باستقبال لاجئين من سوريا هاربين من نيران وجحيم الحرب الإهلية في بلدهم.. ليس هذا فقط بل كتب علي سلاحه جملة "أهلا باللاجئين فى الجحيم" الذي اطقها شعارا له، محذرا الأتراك باعتبارهم أكبر جالية تعيش في المانيا من الهجرة خارج بلادهم ومطالبتهم بالعودة إليها : "يمكنكم العيش فى سلام فى أراضيكم فى الضفة الشرقية للبوسفور، لكن إذا حاولتم العيش فى الأراضى الأوروبية، فى أى مكان غربى البوسفور، سنقتلكم وسنطردكم أنتم الصراصير من أراضينا". ونخرج من هذه الكلمات القليلة أن الإرهابي يعتبر نفسه مواطنا أوروبيا وعالميا رغم أنه نفسه ابنا لزوجين بريطانيين هاجرا الي أستراليا  وتركها هو للعيش في نيوزيلندان  فهو يري نفسه وقد امتلك العالم بأسره ويأمر هذا بالعيش هنا وذاك بالرحيل الي هناك. ويزيد تارانت في غيه وتحذيراته للأتراك باعتبارهم مسلمين ويهددهم بهدم كل مساجدهم ومآذنهم وتحرير كنيسة آيا صوفيا التي تحولت الي مسجد بنفس الاسم في أسطنبول باعتبارها حق لكل مسيحي في العالم.

الخوف كل الخوف أن يكون هذا الإرهابي نواة لجماعات إرهابية عنصرية سرية أخري في أوروبا وأستراليا وكندا وأمريكا، وهنا ستندلع حروب دينية لن يستطيع أحد ايقافها، فالتحريض الديني من أشد أنواع التحريض في العالم، خاصة وأنه ينبع بسبب العقيدة ذاتها حيث يري كل منتم لدين معين أنه صاحب الحق في الحياة علي أن يذهب غيره الي الجحيم، وهذا ما اتضح من رسائل الإرهابي تارانت الذي بث عشرات الرسائل الإرهابية عبر موقع "االفيسبوك" وبث فيها سمومه حيال المسلمين محذرا من مصير أسود ما لم يغادروا استراليا ونيوزيلندا وأوروبا، ويكفي إشادته بمواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العنصرية خاصة موقفه المتشدد حيال لاجئي بعض الدول الإسلامية من دخول الولايات المتحدة وإصداره قانونا بهذا المعني لولا اعتراض الكونجرس الشديد ورفضه لهذا القانون العنصري.. ويكفي ترامب خجلا أن هذا الإرهابي أشاد به وعبر عن  اعجابه الشديد به معتبرا إياه "رمزا للهوية البيضاء المتجددة" وأنه يشاركه الهدف فى القضاء على المهاجرين.

وقد أعود هنا للوراء أسابيع قليلة وتحديدا عندما نظمت مصر في أواخر الشهر الماضي القمة العربية – الأوروبية، التي ناقشت قضيتي الهجرة والأمن باعتبارهما أهم التحديات المشتركة التى تواجه الجانبين فى ظل التطورات التى فرضتها الأزمات التى عانتها بعض دول المنطقة وتسببت فى حالة من عدم الاستقرار انعكست بدورها على الواقع الأوروبي، وكان أبرز آثارها طوفان اللاجئين والمهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين الذين تدفقوا على السواحل الأوروبية بصورة غير مسبوقة، الأمر الذى خلق حالة من الجدل الشديد والخلافات المستمرة داخل مجتمعات أوروبا بسبب هذه الظاهرة. وكانت  فيدريكا موجيرينى المنسقة العليا للسياسة الخارجية الأوروبية قد أكدت علي هامش هذه القمة أن ما يحدث فى العالم العربى يؤثر على أوروبا والعكس صحيح، وأنه يتعين علي العرب والأوروبيين البحث عن حلول مشتركة للتحديات القائمة خاصة فى ظل وجود مخاوف وقلق أوروبى حقيقى من ملف اللاجئين الذي يؤثر في ملف الأمن بالتبعية..ولكي أوضح سبب إشارتي لهذه القمة، ربما أعود الي أبرز دوافع تارانت في ارتكاب جريمته العنصرية، وهو دعوته الي وقف هجرة المسلمين الي الغرب وأقصي الشرق في بلاده وأمريكا، فهو يسمي موجات الهجرة "غزوا" وفي موضع آخر يصفها بـ"الإبادة الجماعية للبيض"، وهنا يبرر جريمته بأنها انتقاما لملايين الأوروبيين الذين قتلهم الأجانب عبر التاريخ وآلاف الأوروبيين فى هجمات إرهابية على الأراضى الأوروبية.

ويبدو جليا من حادث كرايست تشيرش تنامي التطرف وخطاب الكراهية ضد المسلمين في العالم، رغم الجهود الكبيرة التي بذلت خلال الفترة الماضية في مجال الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات، وهو ما يتطلب تكثيف الجهود لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد السلم والأمن في العالم بعدما أصبحت الإسلاموفوبيا "ظاهرة عالمية لها تداعياتها وانعكاساتها وأضرارها على حقوق المواطنين المسلمين وأمنهم وسلامتهم في الدول خارج العالم الإسلامي"، وهو ما يتعارض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ومع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود الدولية ذات الصلة.. كما يبدو جليا أن الإرهابي الأسترالي وغيره لم يسمعا بعد بوثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها الدكتور أحمد الطيب والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان في العاصمة الإماراتية أبو ظبي في أوائل فبراير الماضي، والتي دعت الي تعزيز ثقافة الحوار والتفاهم والوئام والتعايش السلمي والتحالف بين أتباع مختلف الأديان والثقافات والاحترام المتبادل والعيش المشترك، وهو أكد شيخ الأزهر علي هامش اللقاء بأن الدين برئ من التنظيمات الإرهابية.

وأشير هنا الي تقرير أمريكي منصف عن واقعة نيوزيلندا الإرهابية حيث استطلع أراء بعض الخبراء الإمريكيين حولها وطالب جميعهم الدول الغربية بضرورة حماية مواطنيها من إرهاب "اليمين المتطرف" أو "إرهاب البيض المتطرفين"، وكذلك وضع هؤلاء في سلة واحدة مع "الداعشيين" وأطلقوا عليهم "الداعشيون البيض"، فكلاهما يتشابهان في الكراهية والقتل. ونقل التقرير عن بي دبليو سنجر، خبير في الإرهاب في مركز "نيو أمريكا" ومقره واشنطن، تحذيره من تنامي عمليات التطرف اليميني داخل الولايات المتحدة وضرورة عدم تجاهل ما يمثل تهديدا إرهابيا حقيقياً قد يسفر  عن مقتل المزيد من الأمريكيين،  حيث أصبح صعود الجماعات الوطنية المتطرفة، ظاهرة يجب أن تؤرق الأمن الأمريكي.

وبعيدا عن الإسلاموفوبيا وما يردده عتاة العنصرية والتطرف في الغرب عن الإسلام، فأوروبا تقدمت بفعل خيرات الشرق والمسلمين والعرب، وانتعش اقتصادها بسبب سلبها خيرات الدول العربية والإسلامية وعقولها النابغة، وهنا نحذر من فكرة تنتشر في أوروبا وأمريكا حاليا وهي العمل علي إقصاء المسلمين في دولهم والتعالي عليهم والحض من قيمهم، وربما لهذا الأفكار قال الإرهابي تارانت إنه أراد إبلاغ رسالة للجميع مفادها أن "الغزاة" – حسبما يري المسلمين- ليس بمأمن منه ومن أمثاله حتي في أبعد بقاع الأرض، وإنه لا يشعر بالندم ويتمنى فقط أن يستطيع قتل أكبر عدد ممكن من "الغزاة" وأنه ليس هناك من بريء بين المستهدفين لأن كل من يغزو أرض الغير يتحمل تبعات فعلته..الغريب أن تارانت تناسي أنه ولد لأبوين بريطانيين هاجرا لأستراليا، أي أنه نفسه ليس صاحب الأرض التي يعيش عليها.

لقد أثبتت جرائم الإسلاموفوبيا إن الإسلام برئ من تهم الإرهاب التي يحاول أن يسبغها الغرب علي ديننا الحنيف، فما جري في كرايست تشيرش ما هو سوي الوجه الأكثر بشاعة للإرهاب اليميني المتطرف والعنصري اللعين، وعلي الضمير العالمي سرعة التحرك لمواجهة الإرهاب أيا كانت مسبباته ودوافعه وأفكاره المتطرفة التي تحض علي الكراهية والعنف والقتل، فمن قتل إنسان كمن قتل البشرية جمعاء، ويكفي أننا لم نطلق علي الإرهابي الأسترالي وصف "إرهاب مسيحي" لأن المسيحية أيضا دين سماحة وبريئة من امثال هؤلاء.