صدى العرب : الأمن الخليجي والحل المفقود (طباعة)
الأمن الخليجي والحل المفقود
آخر تحديث: الثلاثاء 19/03/2019 12:56 م
بقلم/حمد العامر الكاتب والمحلل السياسي بقلم/حمد العامر الكاتب والمحلل السياسي
تداعيات سلبية عدّة نتجت عن الأزمة القطرية التي ستكمل عامها الثاني قريباً دون بوادر حل تلوح في الأفق، فقد ألقت الأزمة بظلالها على العمل الخليجي المشترك وخطوات التكامل الاقتصادي والمواطنة الخليجية التي وصلت قبل الأزمة إلى مستويات متقدِّمة، وتراجعت علاقات التعاون الخليجية الخليجية والخليجية العربية، وعلاقات التعاون مع المجموعات الاقتصادية الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وروسيا.
ولعلّ أبرز تلك التداعيات المؤسفة، هي توقف الاتصالات المتعلقة بضمّ (المغرب والأردن) إلى منظومة مجلس التعاون الخليجي، والتي بدأت فور موافقة المجلس الأعلى في قمة الرياض في (ديسمبر 2011م) على دراسة مجالات التعاون المشترك بين دول المجلس و(المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية)، من أجل بناء علاقات متميزة وشراكة استراتيجية خاصة مع هذين البلدين الشقيقين، خصوصاً في ظل ما يربطهما مع دول المجلس من روابط الأخوة والدين والمصير المشترك، حيث يشكِّل التعاون معهما عمقاً استراتيجياً مهماً لمواجهة كافة التحديات التي تمرّ بمنطقة الخليج العربي.
وكان التعاون بين (دول المجلس والأردن والمغرب) يهدف إلى تحقيق شراكة استراتيجية أهم معاييرها تعزيز الشراكة الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والتجارية والجمركية وتشجيع الاستثمارات وسبل التكامل في المجالات المتعلِّقة بالأمن الغذائي والطاقة والبيئة والسياحة والشؤون الاجتماعية والإعلامية والرياضية وغيرها، ومن أجل ذلك تمّ العمل بجدّ خلال العديد من الاجتماعات المتبادلة على تسريع تنفيذ خطط العمل المشترك التي تمّ إقرارها في مملكة البحرين في (نوفمبر 2012م) بهدف عرض ما تم تنفيذه على القمة الخليجية التالية في دولة الكويت.
إلا أنه وبسبب الأزمة القطرية، ذهبت كافة الجهود التي بُذلت بهدف توسعة عضوية (مجلس التعاون الخليجي) على غرار الاتحاد الأوروبي أدراج الرياح، فلم تكن الضغوط التي تعرَّضت لها (الأردن والمغرب) من قِبَل (السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جانب، ودولة قطر من جانب آخر) بالسهلة، فعلى سبيل المثالث تناولت وسائل الإعلام وقنوات التواصل الاجتماع خبرًا مفاده انسحاب المغرب من التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن لأسباب مختلفة، لتقوم حكومة المغرب بنفي الخبر نفياً قاطعاً في بيان حكومي رسمي.
وعند الوقوف أمام تداعيات الأزمة القطرية وتأثيراتها الخطيرة على التكامل الخليجي وعلى العلاقات الخليجية الإقليمية والدولية، نجد أنه من المناسب التفكير الجاد والفوري بفصل (الشأن السياسي) عن العمل على إعادة الروح للتعاون الخليجي الاقتصادي والتجاري المشترك بعد الشلل الذي أصابه؛ وذلك للاعتبارات التالية:
أولاً: كانت خطوة محمودة انتظام اجتماعات رؤساء أركان دول مجلس التعاون في دولة الكويت في (سبتمبر 2018م)، وكذلك مشاركة القوات العسكرية من كافة دول المجلس في (تمرين درع الجزيرة المشترك) في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية في فبراير الماضي، إلا أن الجانب الاقتصادي لا يقل أهمية عن الجوانب العسكرية، لذلك من المهم انعقاد اجتماعات (لجنة التعاون الاقتصادي والمالي) لبحث توصيات اللجان المتفرعة عنها حول التكامل الاقتصادي وخطط التنمية الاقتصادية بين دول المجلس التي تعتبر عاملاً مكمّلاً لترسيخ أمن واستقرار دول مجلس التعاون، وخطوة مهمة جداً نحو إعادة العمل الخليجي المشترك على الطريق الصحيح؛ تنفيذاً لرؤى قادة دول مجلس التعاون.
ثانياً: لا بد لدول مجلس التعاون الخليجي أن تتفق على موقف سياسي موحَّد تجاه إيران يقوم على مبدأ الأمن الجماعي والدفاعي الخليجي؛ استناداً إلى الاتفاقيتين الأمنيتين الموقعتين في (ديسمبر 1994م) و(نوفمبر 2012م) واتفاقية الدفاع المشترك الموقعة في (ديسمبر 2000م)، والتي تعتبر جميعها أركاناً مهمة للعمل الخليجي المشترك في المجالات الأمنية والعسكرية؛ من أجل الاستقرار والدفاع عن أراضي دول المجلس ومصالحها المشتركة وتطلعات وآمال شعوبها، خصوصاً في ظل التدخلات الإيرانية المستمرة في الشؤون الداخلية لدول المجلس، والدور الإيراني الحيوي والميداني المُعلن في إشعال نيران الطائفية الخطيرة في المنطقة العربية، وأن يتمّ الالتزام بالموقف الموحَّد رغم خصوصية علاقات بعض دول المجلس مع إيران، مثل: (الإمارات) المرتبطة بعلاقات تجارية مع إيران رغم احتلالها للجزر الثلاث منذ عام 1971م، و(سلطنة عُمان) التي تربطها بإيران علاقة صداقة قوية قائمة على التعاون العسكري بعد مشاركة القوات الإيرانية في قمع ثورة ظفار التي اندلعت منتصف ستينيات القرن الماضي، أما (دولة قطر) فقد تطورت علاقاتها مع إيران بشكل واضح جداً بعد الأزمة وبعد التعاون الأمني الاستراتيجي والشراكة الاقتصادية المتينة في أكبر حقل غاز في العالم وهو (حقل غاز الشمال) الذي تتقاسمه إيران مع قطر بحصة تُقدَّر بواقع (15%)، ولطالما سعت قطر لإدماج إيران في منظومة مجلس التعاون حتى بلغت ذروة العلاقات القطرية الإيرانية عندما قامت قطر - منفردة - بدعوة إيران لحضور القمة الخليجية في الدوحة في (ديسمبر 2007م) وألقى الرئيس أحمدي نجاد خطاباً في الجلسة الافتتاحية تضمَّن شروط مستقبل العلاقات الخليجية الإيرانية كما تراها بلاده، أما بالنسبة لبقية دول مجلس التعاون (السعودية، الكويت، البحرين) فتشهد علاقاتها مع إيران حالة من عدم الاستقرار الدائم بسبب الدور الإيراني في إثارة الفتنة الطائفية والمذهبية بين المواطنين الخليجيين الشيعة لتحقيق مبادئ الثورة الخمينية فيها.
ثالثاً: في الأزمة القطرية، اختارت الولايات المتحدة الأمريكية الوقوف في المنطقة الضبابية، فلم تبدِ -حتى اليوم- موقفاً واضحاً منها ولم تتخذ قرارها السياسي الجاد بشأنها، فاستغل الرئيس دونالد ترامب تداعيات هذه الأزمة لتعزيز مصالح بلاده الأمنية والاستراتيجية والاقتصادية بما يتوافق ومصالح بلاده و(إسرائيل) في المنطقة، فطرح (صفقة القرن) لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطين حسب الرؤية الامريكية التي تتفق والشروط الإسرائيلية؛ ولتأكيد تنفيذ قرار الكونجرس المتخذ منذ ولاية الرئيس السابق كلينتون بنقل السفارة الامريكية للقدس، اتخذه قراراً تنفيذياً في (ديسمبر 2017م) بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس والذي يؤكد أن (القدس الموحَّدة عاصمة لإسرائيل)، وأبرم في الوقت ذاته صفقات عسكرية واستثمارية ضخمة مع دول مجلس التعاون التي تعاني من أوضاع متوترة ومقلقة في علاقاتها مع إيران وتُدرك ضرورة الوجود الأمريكي لكبح جماح إيران في المنطقة.
وبكل أسف، فإن دول مجلس التعاون الخليجي لم تستفد من تجارب علاقاتها التاريخية مع الولايات المتحدة الأمريكية على مدى السنوات الطويلة الماضية، فابتداءً من قيام الرئيس (جورج دبليو بوش الابن) بتقديم العراق على طبق من ذهب إلى إيران عام (2003م) حتى أصبح العراق أرضاً وحكماً تحت السيطرة الإيرانية التامة، مروراً بقيام الرئيس (باراك أوباما) بمنح إيران دوراً إقليمياً متحكّماً في المنطقة ثمناً لتوقيعها على الاتفاق النووي في (يوليو 2015م) الذي يبسط لها كافة الإمكانات والظروف لتحقيق أهداف الثورة الخمينية والسيطرة على القرار الإقليمي، دون أدنى اعتبار للأضرار التي ستنعكس على حلفاء الولايات المتحدة التاريخيين في المنطقة، وليس انتهاءً بموقف الإدارة الامريكية الذي يثير الكثير من الحيرة والقلق لدى دول الازمة القطرية الثلاث ودولة قطر.
لذلك كلّه، ومن أجل التكامل الخليجي تحقيق المواطنة الخليجية وتنمية العلاقات الخليجية الإقليمية والدولية، وحفظ أمن واستقرار المنطقة، ومصالح دول الخليج، لابد أن يكون لدى دول مجلس التعاون -مجتمعة- تصوراً جديداً للأمن الخليجي المشترك بعد الازمة وإرهاصاتها يتفق ومصالحها العليا ويواكب السياسات والاستراتيجيات والتصرفات الأمريكية والروسية مع دول المجلس، وسيكون من المناسب جداً تنظيم الأمانة العامة لدول مجلس التعاون او دولة الرئاسة الخليجية ورشة عمل او ندوة مغلقة لعدد من الخبراء الخليجيين والعرب والأجانب المتخصصين - لا يحضرها اي مسؤول رسمي بالأمانة او دولة الرئاسة - لتبادل الآراء والأفكار بكل حرية وموضوعية لإعداد خطة متكاملة حول أمن الخليج في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها العلاقات الخليجية الخليجية والعلاقات الخليجية مع الولايات المتحدة والدول الكبرى كروسيا والصين.