صدى العرب : من الحسين إلى باب البحرين (طباعة)
من الحسين إلى باب البحرين
آخر تحديث: السبت 23/02/2019 02:48 ص
أحمد المرشد أحمد المرشد
من قهوة المالكي بحي الحسين في القاهرة الساحرة الى مقهى حاجي بباب البحرين في مملكتنا العامرة تاريخ طويل عبر اكثر من قرن من الزمان وانا دائما احمد ربي على كوني مواطنا بحرينيا عشت في المحرق أحلى سني عمري وانتمي الى هذا البلد العظيم، البحرين.. ثم كوني عاشقا للقاهرة بحكم زياراتي شبه الدائمة لها ثم عملي الدائم حاليا بها، ومن هنا كان لي زيارات شبه دائمة لحي الحسين قلب قاهرة المعز لدين الله، وإن كنت قد ذكرت كلمة الحظ فهذا لما وهبني المولى عز وجل من أصدقاء اقل ما يقال عنهم بحق أشقاء العمر الذين لا نستغني عنهم مهما باعدت بنا الأيام، فمصيرنا الالتقاء دوما حتى ولو حين، فالجلوس والسمر معهم يتواصل ويتجدد، فبعد الاشتياق تأتي اللقاءات لتذيب ما افتقدناه من جلسات ود وسمر، ومهما باعدت بنا الأيام هي نفسها تعيدنا لبعضنا مرة أخرى أو لسيرتنا الأولى كما يقال.

اللقاءات تتواصل في المنامة والمحرق والقاهرة، وخلال زيارتي للبحرين هذه المرة اصر رجل الأعمال أحمد عبد الرحمن أجور وأخوه نبيل إلا أن يكون لقاء الأصدقاء في مقهى حاجي بباب البحرين كما يكون بحي الحسين حيث سرني الالتقاء باخوة وأصدقاء يعشقون القاهرة وزيارة حي الحسين منهم المهندس المعماري المبدع احمد عبد الكريم بوجيري وعبدالله عبدالكريم الملا والأخ العزيز وليد الريس ونعمان الحسن ومحمد العامر امتدت سهرتنا لوقت طويل استعدنا فيها ذكريات جميلة لايام الشباب وكيف كانت مجالس الاوليين وأيام ولت بحلوها ولا أقول بمرها فالصحبة الجميلة تمر على المرء وتحليها كما يقول المثل الشعبي. 

مقهى حاجي من المقاهي الشعبية في البحرين فهو مكان اللقاء الدائم بين الصحبة الجميلة، ففيه يجتمع كل البحرينيين، صغيرهم وكبيرهم، فقيرهم وغنيهم، فهو معلم تراثي بحريني مهم، ربما لكونه أقدم مقهي ومطعم، حيث تأسس عام 1950 في مواجهة مباشرة مع البحر، فكان يقصده كل البحارة والصيادين، وحاول ملاك المقهي تطويره فغيروا كيانه ليكون مقهى ومطعما شعبيا، فاسم غلام حسين حاجي يعرفه الجميع بدأ مقهاه بباب صغير جدا في مساحة لا تعدو أمتار قليلة ليستقر مطعمه الشعبي في باب البحرين بقلب العاصمة في خمسينيات القرن الماضي، ثم توسع تدريجيا، ليقدم حاليا نحو 36 وجبة مع لمسات وإضافات خاصة لمسايرة الجيل الجديد مع الاحتفاظ بالوجبات التقليدية التي لا ينسى معها أولاد اليوم مأكولاتنا زمان..ويكتب للمقهى والمطعم الذي يرتاده الجميع ان كل من يلتقي فيه يستعيد ذكريات الماضي، فالمقهى يتميز بمأكولات شعبية مألوفة يحبها الجميع. هذا بالإضافة الى ميزة يتفرد بها مقهى ومطعم حاجي وهي أن الأطباق غير متشابهة وهنا تشعر وكأنك تأكل في منزلك حيث البساطة، فمن الطبيعي ألا تتشابه الأطباق على نفس المائدة الواحدة في بيوتنا وهو ما نجده لدى حاجي.

ولعل من مميزات المطعم هو تصميم أصحابه على أن تكون الوجبات طازجة يوميا، وربما لهذا السبب أو تلك الميزة اعتاد البحرينيون منذ نشأة المقهى أو المطعم ارتياده لينتشر اسم «حاجي» لخارج الحدود وليكون معلما سياحيا في قلب المنامة على بعد خطوات من بوابة البحرين.

وإن كنت تحدثت عن مقهى ومطعم حاجي، فهذا يدفعني للحديث أيضا عن «جلساتي» المفضلة بحي الحسين مع رفيق مشواري في العمل السفير خليل الذوادي. 

حي الحسين الذي ما أن تطأه قدماك حتى يغمرك شعور بالسعادة، فهو حي عتيق تلتقي فيه بوجوه مبتسمة رغم ما يعتريها من شقاء، وجوه تبتسم في وجهك وإن كانت لا تعرفك، فهذه عادة المصريين أو لنقل عادة رواد الحسين، فهم يذهبون لقضاء أمسية طيبة بعيدا عن منغصات الحياة مهما كانت قسوتها، وإذا ذهب المصريون الى هذا الحي فهم ينسون أو يتناسون مشكلاتهم لبعض الوقت. ولعلي أنقل هنا مشاعري وأنا بطريقي الى الحسين، فهي مشاعر يمتزج بها الفرح بالسعادة، لإني على موعد مع البسمة وقضاء وقت طيب بصحبة أصدقاء أعزاء، فلا يأتي صديق لي من البحرين الى القاهرة وإلا كان لنا لقاء بالحسين، وأحيانا نسير في أجناب المسجد الكبير حتى ندلف الى خان الخليلي بمحاله الشهيرة التي تضم كافة أنواع التجارة من منتجات يدوية الى مكتبات الى ذهب وفضة ومقاه عتيقة وحديثة وأسواق مختلفة مثل العطارين والنحاسين وسوق التوابل الهندية والعود الخليجي، ناهيك عن منتجات خان الخليلي المميزة ومنها الفرعونية والإسلامية وحوانيت بيع ورق البردي والتحف والأيقونات والعطور المختلفة من عربية وآسيوية وأوروبية، وقد أضيف هنا منتجات لا تخلو من لهو وهي بدل فن الرقص الشرقي التي تشتهر بها منطقة الحسين وهي سلعة رائجة هناك وتشهد إقبالا من المصريات والسياح الأجانب والعرب.

وتتشابه مقاهي المالكي وحاجي في مرتاديها، فيقصدها أهل البلد والعرب والسياح الأجانب وكافة الشخصيات الرفيعة التي تزور القاهرة والمنامة، فلا تكتمل الزيارة بدون الجلوس على المالكي أو حاجي، كما يرتادها جميع شرائح المجتمع. كما يتشابه المكانان بأن جدرانهما لم يطرأ عليها أي تعديلات حفاظا على الشكل التراثي، فالألوان قديمة لم تتغير حتى يشعر روادهما بعبق الماضي ويستذكرون بذلك زمن الطيبين.

ربما الاختلاف بين المالكي وحاجي في كون الأول يعمل كمقهى يقدم المشروبات الساخنة والباردة والشيشة ويتميز في الشتاء بتقديم المشروبات التي تبعث على الدفء مثل السحلب والقرفة والكاكاو كما يطلق عليها المصريون، في حين يتميز حاجي بكونه مقهى وتطور ليكون مطعما في نفس الوقت ليقدم المأكولات التقليدية الشعبية.المقاهي الشعبية تعد مدارس اجتماعية تتخالط فيها الأفكار والثقافات والتجارب الشئ المفرح بحق هو عشق البحرينيين للحسين وإصرارهم على الجلوس في مقاهيه العامرة بروادها.. خلال زيارتي هذه المرة للبحرين احسست بفيض مشاعر الاهل والأخوة والأصدقاء ومحبتهم التي غمروني بها لدرجة اني شعرت ان هذه الزيارة وكأنها ساعات وليس أياما قضيتها بينهم بكل الحب. 

ويكون أحمد أجور عنصرا مشتركا سواء هنا أو هناك، ولا تنتهي جولاتنا بالحسين، وخصوصا في شارع خان الخليلي الذي على الرغم من قصره إلا إنه يستغرق وقتا طويلا كي نقطعه ذهابا وإيابا، فهو يضم كافة الحرف التقليدية والتراثية المصرية وكذلك الصناعات اليدوية مثل السجاد والسبح والكريستال وصناعة البردي وصناعة الحلي الذهبية والفضية ‏والتمائم‏‏ الفرعونية. ويشتهر الشارع ببيع المشغولات الذهبية والفضية والنحاسية والقطع الأثرية الفرعونية المقلدة بإتقان، والأشغال الفنية اليدوية، الأحجار المختلفة، والمصنوعات الجلدية والأعشاب الطبيعية والبخور، ومنمنات الزجاج المعشق والنارجيلة (الشيشة العربي) والتي تعد من أشهر منتجات خان الخليلي، بالإضافة الى المصنوعات الجلدية الطبيعية والنحاسية سواء الحديثة أو التاريخية، وإذا أردت شراء سيف حقيقي فقطعا ستجده في الخان.

ما زلنا في ربوع حي الحسين بقاهرة المعز الذي يتربع في وسطها مقهى المالكي بكراسيه العتيقة التي تتراص بطريقة معينة تبعث على الدفء بين الأصدقاء، وبعد مسيرتنا في خان الخليلي لا مفر في أن ننال قسطا من الراحة في مقهي المالكي، وهو من أقدم مقاهي الحي ويعتبر قبلة للمصريين والعرب والأجانب، وتشعر وأنت جالس به بالإلفة التي تضم الجميع، حيث ربما تجمعهم «النرجيلة» التي تستقبل شاربيها من على بعد حيث يصطف الرواد على كراسي عتيقة مستطيلة ويكون شكلها كأنك جالس في السينما أو في مواجهة بعضهم البعض إذا كان الأصدقاء كثيرين.. ويحظى مقهى المالكي الذي يعتبر محل «ونستنا» في ليالي القاهرة، بشهرة واسعة بين المصريين والعرب والسياح الغربيين، فالكل يقضي ساعات دون أن نشعر بالوقت الذي يمر سريعا مع روعة ساحة الحسين وعبقرية المكان الذي يظل محفورا في الذاكرة ما حيينا.

ولا أبالغ إذا قلت أنه إذا كان الحسين من أشهر أحياء القاهرة بل مصر كلها حيث يحكي عن تاريخ طويل وأزقة وأماكن تاريخية عتيقة، تفوح منها روائح القهوة والشاي والنرجيلة، فكذلك مقهي ومطعم حاجي، فهو تاريخ حي ومزار يومي شتاءً وصيفا وخريفا وربيعا، ويشهد كما المالكي زحاما شديدا طوال النهار ثم ليلا عندما يتوافد عليه زواره للقاء الأصدقاء والأحبة.

فمن منا لم يجلس يوما ما على مقاعد حاجي صغيرا وكبيرا حتى يتذكر ما فاته من سنوات وذكريات الماضي التي سرعان ما يسترجعها العقل لنكون نحن شاهدين على التاريخ بجانب أروقة المقهى نفسها التي تذكرنا هي الأخرى بطفولتنا وماذا أكلنا وشربنا آنذاك.. ومن منا لم يجلس كما تجمعنا «ونستنا» مع أحمد أجور لنرتشف الشاي بالنعناع.. لقد تنقلنا ما بين حاجي والمالكي اللذين يجمعهما عراقة وأصالة الماضي وحداثة الحاضر، وما بينهما تاريخ طويل من التراث.