صدى العرب : العرب ضحية الحروب الوهمية بين إيران وأمريكا (طباعة)
العرب ضحية الحروب الوهمية بين إيران وأمريكا
آخر تحديث: السبت 02/02/2019 09:26 م
أحمد المرشد أحمد المرشد

صدعت الولايات المتحدة أدمغتنا بحكاية تصديها للنفوذ الإيراني بالمنطقة، فكل الإدارات الأمريكية المتعاقبة تقريبا تعلن نيتها إحراق إيران وإغراقها في البحر، ونفس الأمر تعلنه إيران ليل نهار حيث تتوعد طهران كل إدارة أمريكية جديدة بنفس المصير، ولكن الحاصل أمامنا جميعا أن هذا العداء لا ينجرح منه سوى العرب، فتظل الحرب دائما بين أمريكا وإيران محصورة في كونها حربا كلامية لا تتعد حدود التصريحات النارية التي سئمنا منها.

 وأدلة ما نقوله كثيرة، فمثلا ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال جولته العربية الأخيرة التي شملت أكثر من دولة، ومنها على سبيل المثال «أهم التهديدات التي تواجه المنطقة هي (داعش) وإيران، ثم يزيد الأمر غرابة عندما يقول إن التحالف في مواجهة إيران فعال اليوم كما كان بالأمس، وكلي أمل بأنه سيستمر بفعاليته وحتى أكثر فعالية غدا..ثم يعتقد إنه يفاجئنا بقوله:«في الأيام والأسابيع المقبلة سترون أننا نضاعف جهودنا الدبلوماسية والتجارية لتشكيل ضغط حقيقي على إيران».

 والتساؤل: الى من يتحدث بومبيو؟.. وهل يعتقد أننا لا زلنا نصدق ما يقوله الأمريكيون لنا؟ فهم واهمون، فنحن نعلم أنهم يكذبون حتى وإن كانوا يتحدثون في عواصمنا، فهم لا ينطقون بالحقيقة، فما يفيدنا ما قاله وزير الخارجية الأمريكي إن بلاده خلال أقل من عامين عادت بقيادة الرئيس دونالد ترامب الى تأكيد دورها كـ«قوة للخير» فى منطقة الشرق الأوسط بعدما تعلمنا من أخطائنا وقمنا بإعادة بناء العلاقات ورفضنا الاقتراحات الخاطئة من أعدائنا، في إشارة الى إيران. ثم يمن بومبيو علينا بما أقدمت على إدارة ترامب من الانسحاب من الاتفاقية النووية الفاشلة بوعودها الكاذبة، وإعادة فرض العقوبات وتنظيم حملة ضغط جديدة لقطع الإيرادات التي يستخدمها النظام الإيراني لنشر الإرهاب والدمار في المنطقة.. وقال بومبيو ضمن ما قاله من تصريحات كثيرة «نسعى إلى أن تستمر جميع الدول في العالم على تقويض النشاط الإيراني في المنطقة».

 ربما الأمر الصادق الذي قاله بومبيو هو إننا جميعا أبناء سيدنا إبراهيم عليه السلام مسيحيون ومسلمون ويهود، فهذا أمر يعلمه حتى أطفالنا لأن ديننا الحنيف علمنا هذا ونحن نؤمن بكل الأنبياء، ولكني لا أعلم ما يريده من قوله«إن الولايات المتحدة الأمريكية قوة تخدم الخير في الشرق الأوسط»، فهذا أمر مشكوك فيه، ولدينا دلائلنا أيضا، ومنها على سبيل المثال ما فعله الأمريكيون في العراق بعد احتلاله في 2003 وتحويله الى بلد جائع لا يقدر على حكم نفسه وتفتيته الى سنة وشيعة وأكراد ودعم كل مكون ضد الآخربعد تبني نظرية «فرق تسد» التي طبقتها من قبل القوى الاستعمارية من قبل. وها هي أمريكا التي قررت تفكيك الجيش العراقي بحجة إنه يغلب على تكوينه البعثيون ليتفتت الجيش لنرى بعد فترة كيف استولى تنظيم «داعش» على أراضي عراقية ضخمة، ثم يدعي بومبيو أن التحالف الدولي هو الذي أطاح بالتنظيم في حين أن«داعش»لا تزال باقية في العراق وسوريا ودول أخرى حتى وصلت مصر حسب إعلان مسؤوليها الرسميين ذلك، ثم ليبيا وربما يتمدد الى دول أخرى.. نفس الأمر فعله الأمريكيون في سوريا، وتركوا مصير هذا البلد العربي الشقيق مرهونا بإرادة روسيا وإيران وتركيا.

 كل هذه الأحداث تمر بنا ولم نجد أمريكا قد واجهت إيران سوى بالتصريحات الرنانة التي تهز الأبدان ولكنها لم تعد تهز الإيرانيين أبدًا الذين يردون عليها بكل برود وثقة، فلم نر مواجهة عسكرية بين طهران وواشنطن، ويبدو أن الطرفين اكتفيا بالتصريحات فقط لإيهام العرب أن بينهما حالة عداء مستعصية وصعب التوصل الى حل بشأنها.

 وماذا فعلت بلاد بومبيو لمؤازرة الشعب الإيراني الذي ثار ضد الملالي في طهران فيما عرف بالثورة الخضراء عام 2009 التي شهدت خلالها إيران واحدة من أكبر الاحتجاجات في تاريخها، ردا على فوز أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية وحصوله على 63% من الأصوات، متفوقا بذلك على المرشح الإصلاحى مير حسين موسوي. ولم تفعل أمريكا شيئا لمناصرة ملايين الإيرانيين الذين خرجوا في مظاهرات حاشدة للتشكيك في نزاهة الانتخابات واتهام النظام بتزويرها، معلنين عدم اعترافهم بنتائجها، وقد تدخل الحرس الثوري الإيراني، لفض المظاهرات واستمر نجاد رئيسا لإيران آنذاك.. وترك الأمريكيون أنصار الثورة الشباب المحبين للحرية يعانون القتل والتعذيب والسجن على يد الملالي واتباعهم.

 وماذا فعلت أمريكا لنا نحن هنا في البحرين، في عام 2011 عندما ثارت قلة ضد الأغلبية لتغيير نظام الحكم مستفيدة من التحريض الإيراني لها لولا حكمة القيادة البحرينية في مواجهة الموقف بشجاعة وهبة مجلس التعاون الخليجي لنا. وماذا يفيدنا نحن العرب من قول الوزير الأمريكى:«إن أمريكا صديقكم القديم وقد كانت غائبة بصورة كبيرة في فترة باراك أوباما لأن قادتنا أخطأوا في قراءة تاريخنا».. فأمريكا هي التي ساعدت في تأسس الإسلام المتطرف، ويكفي ما فعله تنظيم «القاعدة» من تشويه صورة الإسلام وهو التنظيم الذي أسسه الأمريكيون لمواجهة الاحتلال الروسي لإفغانستان في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي. ثم انقلب السحر على الساحر ليتذوق الأمريكيون نفس الطعم الذي أذاقوه للآخرين وينقض الإرهابيون على نيويورك وغيرها في أحداث 11 سبتمبر 2001.

 وبمناسبة الحروب الكلامية، خرج علينا الأسبوع الماضي قائد القوات الجوية الإيراني عزيز نصير زاده، الذي قال إن قواته تنتظر بفارغ الصبر مواجهة إسرائيل ومحوها من الوجود، فأي تهديد هذا ومحو إسرائيل من الوجود!.. ثم يتمادى ويدعي أن بلاده «مستعدة للرد على أي تهديد وأن العدو لن يجرؤ على الاعتداء على إيران لأنه يرصد دائما جاهزيتنا وقدراتنا».. نحن هنا في حاجة لوضع ألف علامة تعجب، خاصة إذا علمنا أن المقاتلات الإسرائيلية قصفت مواقع إيرانية كثيرة في سوريا ولم تستطع القوات الإيرانية هناك الرد أو رد الهجوم فتكبدت خسائر فادحة في الأرواح والمعدات. الأهم في تصريحات قائد القوات الجوية الإيرانية هو قوله إن«الجيل الإيراني الحالي وجيل المستقبل يعمل في كسب العلم المطلوب لليوم الموعود ودمار إسرائيل»، ولعلنا ننتظر لأجيال مقبلة لنرى رد الفعل الإيراني. وللتذكير فقط، نورد هنا ما قاله ناشطون إيرانيون إن قوات «الحرس الثوري» في سوريا تعرضت لأكثر من مائتي ضربة إسرائيلية من دون الرد على إسرائيل، ناهيك عما ذكره رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال جادي آيزنكوت قبل أيام من مغادرة منصبه في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»:«ضربنا آلاف الأهداف من دون إعلان مسؤوليتنا عن ذلك». وبجملة التصريحات الإيرانية الرنانة، قال قائد«الحرس الثوري» الإيراني محمد علي جعفري إن بلاده عازمة على الاحتفاظ بما تملك في سوريا، ولوح بإطلاق صواريخ موجهة على إسرائيل إذا ما هاجمت قواته في إيران، ثم تحدث بنبرة تهكم في رده على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو، وحذره من«اللعب بذيل الأسد». وقال مخاطبا نيتانياهو إن«حكمة كبيرة وراء صبرنا على خطواتكم الاستفزازية». وبعد كل هذه الضربات لم تحرك إيران ساكنا لتنتقم من إسرائيل، بل يأتي ردها دوما ضدنا نحن العرب، فكانت النتيجة الهيمنة على لبنان والعراق وسوريا واليمن، فنحن العرب دائما ضحية الحروب الوهمية بين إيران وأمريكا.