صدى العرب : "زواج القاصرات".. تجارة على مذهب أبو حنيفة.. والطب يحذر.. والقانون يجرم (طباعة)
"زواج القاصرات".. تجارة على مذهب أبو حنيفة.. والطب يحذر.. والقانون يجرم
آخر تحديث: الأحد 25/11/2018 01:27 م محمود عبدالرحمن

زواج القاصرات ظاهرة تظهر أعراضها وعواقبها بعد وقوع المشكلة، من طلاق وضياع الحقوق، أوتعرضها لوعكه صحية ونفسية، فمنذ البداية فقد انتهاكت حقوقها الإنسانية المشروعة ومنها الحق في التعليم، والحق في تنمية القدرات والاختيار الواعي دون إجبار على شريك الحياة، والحق في ضمان تكافؤ الزواج وبناء علاقات أسرية سوية، وأن إهدار تلك الحقوق يؤثر سلبيا على نوعية وجودة الحياة للفتاة، وعلى صحتها الإنجابية فضلا عن الاثار الاقتصادية، وعلى قدرة الأسرة على القيام بواجباتها في تربية النشء، خاصة ان بناء الأجيال الجديدة مرهون بخصائصها.


ولم يكن بالحسبان ماذا سيحدث بعد، على الرغم من الجهود الكبيرة والتحذيرات المتكررة التي تقوم بها منظمات دولية ومؤسسات إنسانية وحقوقية ضد ظاهرة تزويج القاصرات، إلا أن معدلاتها لا تزال مرتفعة، بعدما تجاوز عددهن نحو 12 مليون فتاة في العالم تحت سن الـ 18 عاماً تتزوجن سنوياً، وذلك بحسب بيانات حديثة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف".

وهنا تعجب الرئيس السيسى، خلال كلمته باحتفالية التعداد السكاني،  من زيادة عدد المتزوجات ،فى سن الـ12، قائلًا: "بنت عندها 12 عامًا.. نحملها مسؤولية زواج وبيت.. انتبهوا لأولادكم وبناتكم لأن ذلك يؤلمنى ويؤلم أى إنسان عنده ضمير حقيقى، واهتمام حقيقى بأبنائه وبناته".

حيث أشار" السيسي":  إلى أن عملية التعداد كلفت الكثير من الوقت والجهد والمال، وبين أن التكلفة المالية صرفت للاستفادة منها كمجتمع لإصلاح ذاته، والوقوف على السلبيات ومجابهتها، مؤكدا أن للإعلام دورا كبيرا مع منظمات المجتمع المدني والحكومة.

وشدد" الرئيس" : على ضرورة استفادة المجتمع من بيانات المركزي للإحصاء، مشيرا إلى أن هذه المبادرة (زواج القاصرات) تتطلب جهدا كبيرا.

وحسب التعداد السكانى على مستوى الجمهورية لعام 2017 فإن عدد المواطنين المتزوجين أقل من 18 عامًا فى مصر بلغ 18.3 مليون نسمة، وتمثل حالات زواج القاصرات 14% من إجمالى حالات الزواج فى مصر سنويًا، وتصدرت المحافظات الحدودية القائمة بنسبة 23% وبعدها الصعيد، والنسبة الأكبر من زواج الحدث يصل من 30 إلى 40% بالصعيد والقرى والأرياف، فيما وصل تعداد السكان فى 18 إبريل 2017 أكثر من 94 مليون مصرى بالداخل، بالإضافة إلى أكثر من 9 ملايين مصرى بالخارج. وبلغ عدد المصريين بالخارج والداخل 104 ملايين نسمة.


ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية بلغت نسبة وفيات الأمهات بمصر 52 سيدة لكل 100 ألف مولود حى عام 2015، مقابل 84 سيدة عام 2000، ووفقًا للمسح السكانى الصحى لعام 2014، بلغت نسبة السيدات المصريات اللّواتى أصبحن أمهات فى الفئة العمرية من 15 إلى 19 عامًا فى الريف 45%، مقابل 26% فى الأماكن الحضرية.

وقد استطاعت "يونيسيف" خلال السنوات العشر الماضية وقف اتمام 25 مليون حالة زواج قصر. ففي جنوب آسيا، انخفض معدل انتشار زواج الأطفال من 50 إلى 30 في المئة حالياً، وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انخفض معدل زواج القاصرات من 43 إلى 38 في المئة حالياً.

وحذرت المنظمة من أنه إذا استمر زواج الأطفال بالمعدل الحالي، فإن أكثر من 150 مليون فتاة في جميع أنحاء العالم ستتزوجن قبل عيد ميلادهن الثامن عشر بحلول عام 2030، وقالت إن هناك نحو 650 مليون امرأة موجودة حالياً قد تزوجن في سن الطفولة. في المقابل تضع الأمم المتحدة للتنمية المستدامة خططاً لإنهاء ظاهرة الزواج المبكر بحلول عام 2030 .

حيث تلعب العادات والتقاليد والممارسات القديمة دوراً كبيراً في انتشار ظاهرة "الزواج المبكر" في الدول العربية. ووفقاً لتقارير ففى مصر فقد تم تسجيل حوالى  25فى المئة  حالة زواج سنوياً لفتيات قاصرات خلال العام 2017.

فقد أظهر التقرير الحديث انخفاضاً بنسبة 15 في المئة بنسبة الفتيات اللواتي تزوجن تحت سن 18 عاماً في العقد الأخير، وهو ما يعود إلى تراجع معدلات زواج الأطفال في الهند من 50 الى 30 في المئة، وهذا بفضل ارتفاع عدد الفتيات اللواتي التحقن بالمدارس، بالاضافة إلى الاستثمارات والحملات التي تقوم بها الحكومة الهندية لرفع مستوى الوعي حول عدم شرعية زواج القاصرات والأضرار التي يسببها.

كما أدت الحرب الدائرة في سورية وهروب الملايين من السوريين الى ارتفاع حالات الزواج المبكر، حيث سجلت حالات زيجات القاصرات ارتفاعاً من 7 إلى 30 في المئة خلال العام 2015، بحسب المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية. كما سجلت نسبة 35 في المئة من حالات الزواج المبكر من مجموع زيجات اللاجئات السوريات في الأردن، و32 في المئة في لبنان.

وفى دراسة للدكتورة إقبال السمالوطى، مستشار المجلس القومى للمرأة، أوضحت أن أولى المخاطر هى المخاطر الصحية كتسمم الحمل، وفقر الدم، وصعوبة الولادة والإجهاض، ويساهم صغر السن فى فتح شهية الزوج للإنجاب المتكرر دون فاصل زمنى معقول بين الولادة والأخرى، مما يعرضها للانتهاك البدنى ويعرض أطفالها للأنيميا".

وللردع والحد من هذه الظاهره فقد وقعت  مصر على اتفاقية عام 1990 لحماية الطفل والتى يُجرم توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين 18 سنة، وتضع شرطًا للتوثيق بإتمام الفحص الطبى للراغبين فى الزواج، ويعاقب تأديبيًا كل من وثّق زواجًا بالمخالفة لأحكام هذه المادة.

وقد أقرت المادة 31 مكرر، والتى أضيفت إلى قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008، بشأن الأحوال المدنية، ونصت على أنه "لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين 18 سنة ميلادية كاملة، ويشترط للتوثيق إجراء الفحص الطبى للراغبين فى الزواج، للتحقق من خلوهما من الأمراض التى تؤثر على حياة أو صحة أى منهما، أو على صحة نسلهما.

ويعاقب تأديبيًا كل من وثَّق زواجًا بالمخالفة لأحكام هذه المادة"، وبالمثل المادة رقم 227 / 1 من قانون العقوبات نصَّت على أنه "يُعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد عن 300 جنيه كل من أبدى أقوالاً أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانونًا لضبط عقد الزواج يعلم أنها غير صحيحة، أو حرر أو قدم لها أوراقًا كذلك، متى ضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال أو الأوراق".

ونص القانون صراحة فى المادة الخامسة فى فقرتها الأولى من القانون رقم 143 لسنة 1994، بشأن الأحوال المدنية والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، “ألا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين 18 سنة ميلادية”، أى بمنع الزواج لمن هو دون الـ18 عامًا، وأيضًا رفضت المحكمة الدستورية العليا، يوم الأحد الموافق 24 سبتمبر 2017، طعنًا بعدم دستورية نص المادة فى قانون الطفل، وبهذا الحكم يكون تم القفل أمام أى مطالبة قضائية بإلغاء أو عدم تطبيق هذا النص، ويصبح نصًا أبديًا لا يتم إلغاؤه، ويؤكد عدم جواز الزواج لمن دون الثمانية عشر عامًا.

و على الرغم من أن زواج القاصر مخالف للدستور والقوانين والمعاهدات الدولية، فإن المفاجأة أن هذا الفعل فى حد ذاته لا يعاقب عليه القانون المصرى، حيث لا توجد جريمة لمن قام بالزواج بقاصر أو تزويجها، وإذا قام الشخص بهذا الفعل فلا نستطيع محاكمته إلا إذا اقترن هذا الفعل بجريمة التزوير المنصوص عليها فى قانون العقوبات المصرى، ولا يوجد إلا تجريم وحيد مستقل لهذا الفعل منصوص عليه فى المادة 227 من قانون العقوبات المصرى، وهى “تعاقب عن عدم إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحدد قانونًا فقط، فضلاً عن عقوبتها الهزلية بالحبس أو الغرامة، وهى خاصة بالمأذون الذى يقوم بتزويجهم”.

وهو ما أكده هانى هلال، رئيس الائتلاف المصرى لحقوق الطفل، أن قانون الطفل وقانون العقوبات يجرم زواج القاصرات، ولكن الظروف الاقتصادية وأمية الأطفال وزيادة عدد سماسرة الفتيات والزواج السياحى وراء انتشاره، وتنوعت وسائله ما بين محامٍ لعقد الزواج العرفى المؤقت ويضمن لأهل الفتاة حصولهم على المهر نقدًا بعد خصم نسبة السمسرة، أو عن طريق شهادات صحية "مزورة" من الإدارات الصحية الحكومية، تثبت بلوغ سن الفتاة الـ18، ويتم استخراج شهادة الرقم القومى، وإتمام الزواج، وغالبًا ما تكون بالاتفاق بتحديد سن أكبر من الحقيقة، ويتورط أئمة المساجد والمأذونيين فى ذلك.

والجدير بالذكر فقد خصصت النيابة الادارية خط الساخن المختص بتلقى البلاغات التى تتعلق بالنيابة الإدارية، ومن بينها بلاغات زواج القاصرات على الرقم 16117، مشيرًا إلى أن مواعيد العمل لاستقبال البلاغات من 8 صباحًا حتى 8 مساء يوميًا، وكذلك الخط الساخن للمجلس القومى للأمومة والطفولة "16021"، ويقوم بتلقى البلاغات وتقديم المشورة، ويقوم على الخط مجموعة من الأطباء للمشورة فيما يتعلق بالمشاكل الصحية والإنجابية للأم، أو مشاكل صحية.