صدى العرب : "صفعة القرن" 2.. وصاية أجنبية أم إعادة فرض الهيمنة علينا! (طباعة)
"صفعة القرن" 2.. وصاية أجنبية أم إعادة فرض الهيمنة علينا!
آخر تحديث: الجمعة 16/11/2018 10:56 م
أحمد المرشد أحمد المرشد

كتبت قبل أسبوعين عن فكرة تدشين تحالف عربي – أمريكي يضم دول الخليج ومصر والأردن بهدف حماية مكانة منطقة الشرق الأوسط الإستراتيجية في النظام العالمي، بهدف الإسهام في تعزيز الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة، ومساعدة دولها في مواجهة التحديات المختلفة التي تواجهها على الأصعدة كافة.

 الجديد هذه المرة هو مجموعة التحديات التي تواجهها المنطقة، فهي ليست اقتصادية فقط وإنما سياسية واجتماعية وثقافية بل ونقول أيضا يدخل فيها الدين بقوة كبيرة، لأنه ثمة حملة غربية لتغريب الدين في مجتمعاتنا الخليجية والعربية.. هذا بالإضافة إلي ما حذرت الأسبوع الماضي ممن يصفونه بـ"صفقة القرن أو صفعة القرن" كما أطلقت عليها لحل القضية الفلسطينية – الإسرائيلية وهي أساس الصراع العربي – الإسرائيلي، لأن الحلال مفروض علينا هو حل أمريكي – إسرائيلي بحت ويتجاهل مضمون الصراع من قضايا اللاجئين والدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس والحدود والسلاح والأمن الإقليمي.. مبعث كلامي هذا أن ثمة أزمة كبيرة نحن الخليجيون والعرب مقبلون عليها في القريب العاجل للأسف الشديد، ولذا ليس أمامنا سوي تحذير المنطقة من مغبة هذه الأزمة والصفقات – أو الصفعات - التي تحاك ضدنا في المحافل الغربية للنيل من وحدة واستقرار المنطقة.

فكل المؤشرات تدل علي أننا لسنا بعيدون عن فكرة إيقاعنا في مرحلة حروب ونزاعات طويلة الأجل، وليس العراق وسوريا واليمن وليبيا سوي نموذج مبدئي لهذه الحروب الأهلية، فهدف الغرب هو أن يكون مصيرنا كأمة خليجية وعربية هو "الانتحار الجماعي القومي"، والغرب علي يقين بأن الدولة التي تقع لا تقوم لها قائمة إلا بعد حين، وبالتالي نكون تحت رحمة الغرب وابتزازه طالما فرطنا نحن في حدودونا وخرائطنا وأمننا واستقرارنا وبلعنا طعمه لندمر أوطاننا بأيدينا تحت شعارات وهمية منها تصدير الديمقراطية والدولة الحرة وما شابه ذلك مما صدرته لنا المراكز الأمريكية والأوروبية عشية ما أسموه بالخطأ بـ"الربيع العربي". 

فالغرب وأمريكا لم يكتفوا بعد بانهيار سوريا والعراق وليبيا واليمن ولكنهم لا يزالون يخططون لتدمير مصر ودول الخليج دولة بعد أخري.

ومن هنا كان من الأهمية بمكان التحذير من تكرار تلك الدعوات الغربية المريبة التي تستهدف شبابنا ومجتمعاتنا للنيل من قوتنا الاقتصادية والسياسية والمعنوية.. ولذا، فلزاما علينا نحن المراقبون للأوضاع العربية والدولية وبما لنا من فرصة للإطلاع علي الأفكارالغربية والأمريكية، أن نحذر من مغبة المشاركة بقصد أو بدون قصد في خلخلة الدولة الوطنية وإعادة إنتاج الفوضي بالمنطقة، فقد اتضحلنا جميعا أننا بحاجة ماسة - وبعد تجربة السنوات العجاف الماضية والتي نري آثارها باقية لسنوات طوال لن تنتهي -  إلي تقوية جبهاتنا الداخلية واحتواء الحروب النفسية الموجهة إلينا وبناء جدر متينة من القوة النفسية والمعنوية خاصة لدي شبابنا وعدم السماح بقبول كل ما يتعارض مع عقائدنا وأفكارنا وثقافتنا وشخصيتنا العربية المستقلة. فهدف الغرب لا يزال هو تفتيت أوصال الأمة وإحداث فراغ سياسي وأمني يستدعي التدخلات الأجنبية أو ما يسمونه حاليا "الوصاية الأجنبية" وفق رؤية أولئك الذين يخططون لإعادة احتلال دولنا ومنطقتنا، ولكن ليس بالشكل القديم أي الاحتلال العسكري وفقا لمنظورالقوة زمان ولكن احتلال نفسي وتكون أوضاعنا الداخلية هي مدعاة لطلبنا الوصاية الأجنبية.

وتقديري الشخصي أن المراكز الأمريكية والغربية لا تنام الليل وتواصل إعداد خطط انهيارنا الداخلي بما يستدعي معه ضرورة إعادة فرص الوصاية علينا، ولعلنا تابعنا فاعليات "ملتقي أبو ظبي الإستراتيجي" الأسبوع الماضي الذي ناقش أوجه سياسات القوة في العالم تركيزا علي محور إغراء القوة في السياسات الأمريكية خلال إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب والطموح الروسي للقوة وصعود الهند كقوة أسيوية رئيسية والحدود الجغرافية والاقتصادية التي تحيط بقوة الصين وبحث أوروبا عن دورها القديم وسعيها لدور جديد في ميزان القوي العالمي.. الغريب أن المتحدثين الغربيين والروس خلال الملتقي وجهوا اللوم لبعضهم البعض، فالأوروبيون اتهموا روسيا باستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافها، في حين انتقد المتحدثين الروس، الأوروبيين والأمريكيين بمحاولة الهيمنة علي العالم عبر قوتهم العسكرية.

 ومن أبو ظبي إلي باريس التي استضافت الأسبوع الماضي "منتدى السلام" بمناسبة حلول الذكري المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولي، وقد بدا أن الخيط الجامع للكلمات التي ألقاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، هو التحذير مما هو آت من صعوبات تواجه العالم. فجوتيريش توقف طويلا عند ما رآه وجود نقاط تشابهبين الحقبة الحالية التي نعيشها وبين ما عرفه العالم في ثلاثينات القرن الماضي، وهي الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى وفتحت الباب للحرب العالمية الثانية.  وحذر من تراجع "التعددية" في إدارة شؤون العالم، التي هي بنظره "الحل الوحيد" الممكن لمواجهة هذه التحديات الرئيسية التي تتضمن تحديات فرعية، خصوصا أن الخطر القادم يجيء على خلفية "توترات جيوسياسية وإستراتيجية". فيما حذرت ميركل من أن "المشروع الأوروبي" الذي يجسده الاتحاد والذي ولد من رحم الحرب العالمية الثانية يواجه تهديدات في كيانه. أما ماكرون فقد قرع ناقوس الخطر من فوضى جديدة. لقد بحث المشاركون مجموعة التهديدات التي تحيط بالعالم منها أوجه الشبه بين الأزمة الراهنة وأزمة بدايات القرن الماضي التي قادت البشرية إلى الكوارث، ومنها مثلا الأزمة المالية التي ضربت العالم عام 2008، وانتشار الأفكارالمتطرفة والفساد والإرهاب واستضعاف دولة القانون وقيام أيديولوجيات دينية.

وربما نذكر هنا أيضا بدعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بشأن تشكيل جيش أوروبي يحمي أوروبا من روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية، ويقلل الاعتماد على الأخيرة في حفظ الأمن في أوروبا.  

فإذا كانت أوروبا التي نراها قوية بحاجة إلي جيش قوي لمواجهة خطر تفاقم الهيمنة الأمريكية على أوروبا، وشعور الأوروبيين بأن الولايات المتحدة تضطرهم إلى اتخاذ الطريق الذي ترسمه وفق سياساتها، ورغم وجود "حلف الناتو" العسكري علي أراضيها ويروه غير كافي  لصد أي مخاطر، فما بالنا نحن الخليجيون والعرب حيث نتعرض لكل أنواع الحروب والهيمنة والسيطرة. وحتي أوروبا التي تنعم بعقود من الاستقرار تخرج بمؤشرات تدفعها إلي تشكيل جيش قوي يحميها من أعداء محتملين، فما بالنا نحن العرب الذي تتقاذفهم الأمواج ولم تهدأ العواصف ضدهم رغم الخراب الذي تعيشه بعض دولنا.


نحن في حاجة إلي الحفاظ علي خرائطنا التي نشأنا عليها، فأي تهديد لحدودنا أمر يصعب قبوله، وعلي الجميع العمل علي الاحتفاظ بتلك الحدود والخرائط وكفانا ما تبدل وتحول من خرائط وحدود عرفناها ولكنها تندثر حاليا، وحذارا مرة أخرة من "صفعة القرن الموجهة للعرب جميعا وليس الفلسطينيين وحدهم هذه المرة.

أحمد المرشد
كاتب ومحلل سياسي بحريني