صدى العرب : صفعـــة القـــرن (طباعة)
صفعـــة القـــرن
آخر تحديث: السبت 10/11/2018 10:04 ص
أحمد المرشد أحمد المرشد
يبدو أن البعض لم يستسغ استقبال سلطنة عمان لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أكتوبر المنصرم، رغم أن الزيارة لم تكن سرية كغيرها من زيارات المسؤولين الإسرائيليين لعواصم عربية عدة، سواء بأهداف سياسية أو اقتصادية أو رياضية أو أمنية، ونحن هنا لسنا بصدد تحليل الزيارة فقد سبقنا لها الكثيرون ما بين مؤيد ورافض، ولكن جل ما يهمنا هو موقف مسقط نفسه وهو ما أعلنه لاحقًا يوسف بن علوي بن عبدالله وزير الشؤون الخارجية العماني، بأن بلاده تطرح أفكارًا لمساعدة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على التقارب، لكنها لا تلعب دور الوسيط.
وبالتالي استبعد بن علوي دور جسر المواقف وإنما طرح الأفكار وهو ما سبقها الكثيرون سواء سرا أو علنا، ناهيك عن اعتراف الوزير العماني بأن بلاده تعتمد على الولايات المتحدة ومساعي رئيسها دونالد ترامب في العمل في اتجاه صفقة القرن، وهنا مربط الفرس. فربما ارتأت مسقط أنه حان الوقت على الفلسطينيين عدم إضاعة الوقت في رفض مبادرات تلو الأخرى حتى كادت أن تضيع القضية الفلسطينية التي لم تعد مؤثرة على الساحتين العربية والدولية، وبالتالي يجب على القيادة الفلسطينية التعامل في حدود الواقع، أو في حدود موازين القوي الإقليمية والدولية الحالية والقبول بما سيطرحه ترامب في صفقته التي يتحدث عنها منذ فترة ولم يعلن تفاصيلها بعد.
 ورغم أن تعبير «الصفقة» لم ينقطع عن الصحافة العربية والدولية يوميا منذ تبوؤ ترامب السلطة في بلاده، إلا أننا لم نعرف بعد تفاصيلها لأن كل ما هو منشور مجرد تسريبات من هنا وهناك، وإن كنا نعتمد على التسريب الإسرائيلي بحكم العلاقة الأقوى بين تل أبيب وواشنطن. ووفقا لما سربته الصحافة الإسرائيلية خلال الفترة الماضية فإن الخطة تتمحور في اقتراح الإدارة الأمريكية على الفلسطينيين أن تكون عاصمة دولتهم المستقبلية في تجمع يضم عددا من أحياء مدينة القدس الشرقية الواقعة خارج أسوار البلدة القديمة مثل أحياء أبو ديس وشعفاط وجبل المكبر والعيساوية و3 إلى 5 قرى من بلدات عربية تقع شمال وشرق المدينة المقدسة، وذلك عوضا عن القدس الشرقية نفسها، أما البلدة القديمة من المدينة المقدسة فتبقى تحت السيطرة الإسرائيلية. كما لا تضمن الصفقة إخلاء البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك المستوطنات «المعزولة»، كما تكون منطقة الأغوار تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي الكاملة. ويتضمن المقترح الأمريكي أن تكون الدولة الفلسطينية «دولة ناقصة» بدون جيش أو أسلحة ثقيلة مقابل حزمة من الحوافز المادية الضخمة. علاوة على سحب الامتياز الأردني في الإشراف على الأوقاف الدينية الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة.
 الخطة الأمريكية في حدود ما هو منشور في الوقت الراهن يؤيدها نتنياهو تماما لأنه يدرك أن الفلسطينيين والعرب سيرفضونها، وبالتالي يحمّل الطرف الفلسطيني والعرب مسؤولية تضييع فرصة سلام وفرها لهم الرئيس الأمريكي الذي يتطلع لإحلال السلام في الشرق الأوسط حتى لو كان سلامًا ناقصًا. وبما أن ترامب بات يعرف عنه بأنه «رجل الصفقات» فهو يريد تمرير «صفقة القرن» لتقترن باسمه في التاريخ الأمريكي حتى وإن كانت بنودها لا تشكل أرضية عادلة ومرضية للجانب الفلسطيني.
 وليس خافيا على أحد أن الأمريكيين والإسرائيليين يدركون ومعهم الفلسطينيون والعرب أيضا، أن كافة التطورات التي خلقتها إسرائيل على الأرض منذ حرب يونيو 1967م قد أصبحت حقائق قائمة وتعتبرها إسرائيل واقعا لن يتغير أبدا رغم جميع القواعد الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة التي تعتبر كل هذه التغيرات مسألة غير شرعية. فعلى سبيل المثال لا الحصر ضمت إسرائيل كافة حدود القدس الشرقية للقدس الغربية التي أعلنت الولايات المتحدة قبل أشهر نقل سفارتها إليها في تحدٍّ بالغ للمواقف العربية والدولية. كما ضمت إسرائيل أكثر من 10% من أراضي الضفة الغربية وهجرت سكانها من أراضيهم تطبيقا لسياسة الأمر الواقع. ولنتذكر هنا إصدار الكنيست الإسرائيلي قانونا قبل أشهر قليلة بإعلان الدولة اليهودية القومية بما يلغي حق الحياة للفلسطينيين في أرضهم.
 ووفقا للتسريبات التي ذكرناها، يصبح الأمر صعبا على الفلسطينيين؛ لأنه تم إسقاط مفهوم الدولة الفلسطينية القابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية، وهو العنوان الدائم لكافة المفاوضات السابقة والذي كان أساسًا للتسوية الشاملة والدائمة والعادلة، ليتم استبداله بحكم ذاتي وأقل من دولة طبيعية محدودة السيادة، ومنزوعة السلاح، مشوهة في جغرافيتها ومتقطعة الأوصال ومرتبطة أمنيا بإسرائيل.
 وقد نضيف هنا ما ذكره رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل فترة ولم ينل متابعة من كافة المراقبين رغم خطورة تصريحاته التي كشف فيها استعداده للقبول بكيان فلسطيني أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي مع استمرار السيادة الأمنية الإسرائيلية من البحر إلى النهر، وهو ما يتطابق مع تسريبات صفقة ترامب، أي إجهاض لفكرة حل الدولتين ورسم خريطة منقوصة ومشوهة لشكل الدولة الفلسطينية المرتقبة. ويبدو أن نتنياهو هنا يبلغ واشنطن مباشرة أنه موافق على خطتها للسلام الناقص في حق الفلسطينيين، وإن كان يماطل في بعض النقاط؛ نظرا لكون المفاوض الإسرائيلي عموما لا يوافق على أي مقترح في البداية حتى يحصل على أقصى استفادة ممكنة.
وربما نشير هنا الى خطة جون كيري وزير الخارجية الأمريكية إبان إدارة باراك أوباما والتي عرفت باسمه وتضمنت ستة مبادئ. والخطة وفقًا لما رسمه كيري حلا للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي وتسوية للصراع العربي - الإسرائيلي نهائيا تبدأ:
بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في يونيو 1967 وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، وتبادل الأراضي بالاتفاق بين الطرفين بما يعكس الواقع على الأرض.
 المبدأ الثاني، يتعلق بإنشاء دولة فلسطينية متصلة الإقليم إلى جانب إسرائيل، أي أن تقوم دولتان على أرض فلسطين التاريخية.
المبدأ الثالث، التوصل الى حل عادل وواقعي لمسألة اللاجئين الفلسطينيين يتضمن تعويضهم، ولكن مع إغفال جملة «حق العودة» للاجئين، وذريتهم، الذين اضطروا إلى مغادرة ديارهم وأراضيهم في سنة 1948.
المبدأ الرابع، الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لكل من الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية مع الإبقاء عليها موحدة.
المبدأ الخامس، التوصل لاتفاق يلبي احتياج إسرائيل إلى الأمن مع إنهاء الاحتلال، على أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح.
المبدأ السادس، إنهاء النزاع العربي - الإسرائيلي عبر تحقيق المبادئ الخمسة السابقة مع تدشين ترتيبات للأمن الإقليمي والتعاون وفقا لبنود مبادرة السلام العربية.
ننتقل الى نقطة مهمة في هذا الصدد وتتعلق بتساؤل مفاده: «هل تراهن الولايات المتحدة على موافقة عربية واسعة علنية أو صامتة مستغلة الأوضاع العربية المهترئة حاليا بفعل الحروب والتشتت والانقسام؟»
اعتقد أن السؤال في غنى عن إجابة لأن الجميع يدرك مدى تراجع أهمية القضية الفلسطينية على المستويين الإقليمي والدولي وإن بدرجات متفاوتة بين الحين والآخر، خاصة وأنها لم تعد تمثل أولوية في الأجندة العالمية، كما كان في السابق، حيث تراجعت عملية السلام للخلف مقابل بروز أزمات عربية وإقليمية أخرى تتطلب حلولاً سريعة مثل إنهاء الحرب في سوريا واليمن وليبيا، وطبيعي أن تستغل إسرائيل هذا التراجع لمصلحتها وترفض العودة الى مرجعية عملية السلام العربية، وتضع بنود صفقة القرن بدلا منها.
ونرى في هذا الصدد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يمر بضائقة سياسية نتيجة قضايا الفساد المتورط فيها يتعمد تبني مواقف متشددة حيال القضية الفلسطينية ليداعب بها اليمين الصهيوني؛ ولكي يوهم قطاعه الانتخابي أنه يسير على الطريق الصواب بما يضمن أمن بلادهم سياسيًا وأمنيًا ويفتح أمامها تطبيع العلاقات مع الدول العربية، وعلى رأسها الخليجية على غرار زيارته لسلطنة عمان. ويكفي نتنياهو تصريحه مؤخرًا بأن السعودية تملك أوراق حل كثيرة لقضايا المنطقة، في غزل واضح للقيادة السعودية وربما يريد أن تكون الرياض وجهته التالية بعد مسقط، وربما يعتقد زيفا أيضا أن الرياض التي تمر بأزمة سياسية مفتعلة بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في حاجة الى زيارته لتخفيف الضغوط الدولية عليها.
إجمالاً.. لا شك أن «حل الدولتين» لجون كيري أكثر عقلانية من صفقات ترامب ونتنياهو، رغم أنه يضع الأمن الإسرائيلي في المقدمة، ولكن الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي قد وضعا خارطة طريق جديدة للتعامل مع القضية الفلسطينية، وأيا كان مسمى هذه الخريطة سواء صفقة أو غيرها، فالمهم في الوقت الراهن كيفية تعاطي الموقف العربي الموحد حيال التصرفات «الأمريكية - الإسرائيلية»، حيث تحاول واشنطن وتل أبيب جر العرب جرًا للموافقة على ما تريدان.