صدى العرب : تحالف "ميسا".. هل يكون الناتو العربي لمواجهة أعداء المنطقة؟ (طباعة)
تحالف "ميسا".. هل يكون الناتو العربي لمواجهة أعداء المنطقة؟
آخر تحديث: الأربعاء 31/10/2018 10:37 ص
أحمد المرشد أحمد المرشد

لم يكن "حوار المنامة" الذي اختتم أعمال دورته الرابعة عشر الأسبوع الماضي مثل أي حوار آخر، فلم يكن مجرد جلسات تعقد بين المشاركين وتبادل الكلمات والآراء، ولكن الأهم في الحوار الأخير هو وضع اليد علي المقترح الأهم في تاريخ المنطقة في المرحلة الأخيرة، وهي مرحلة التجاذبات والتشاحنات والتشابكات والحروب التي أسفرت عن أن تكون منطقتنا العربية من أسخن مناطق العالم وأكثرها اشتعالا، ليس بالحروب الأهلية والإقليمية فقط وإنما بالتدخلات الدولية في شؤونها وهو ما أربك الأطر السيادية لدول المنطقة مثلما هو حاصل في سوريا ولبنان والعراق واليمن الذي لولا قوات التحالف العربي لكان وقع أسيرا كليا في أيدي ملالي إيران.

ومناسبة هذه المقدمة هو تركيز صاحب السمو سمو الملكي الامير  سلمان بن حمد آل خليفة ولي عهد المملكة حفظه الله خلال لقائه وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس  على هامش أعمال المنتدى، على مكانة منطقة الشرق الأوسط الاستراتيجية في النظام العالمي الذي يبرز البعد الجيوسياسي للمنطقة. ويمكن أن نصف هذه الجملة بأنها كرست الهدف من المنتدي الأمني الأهم علي مستوي العالم والذي أصبح سمة بحرينية سنوية يضاف الي القيمة المضافة للملكة.. فهذا البعد الجيوسياسي للمنطقة علي خلفية مكانة الشرق الأوسط في النظام العالمي، يفسر لنا جميعا التركيز علي فكرة طرح التحالف الأمني المزمع تشكيله بالمنطقة قريبا. وإذا اعتبرنا أن المنتدي  منصة سياسية وفكرية تبحث وتناقش المستجدات والتطورات  الأمنية والسياسية  والتحولات الاستراتيجية وكيفية استغلالها  في التنمية بالمنطقة، فالمرجو من صناع القرار على المستويين الإقليمي والدولي المشاركين به  الإسهام  في تعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة.

 وهنا ننتقل الي تفسير معالي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير خارجية المملكة بحديثه عن التحالف الأمني الخليجي المزمع تدشينه  بحلول العام المقبل. فهذا الجسم  – حسبما أوضح الوزير – هو تحالف أمني إقليمي تم اقتراحه من  الولايات المتحدة وحلفاء خليجيين ومصر والأردن وسيكون مفتوحا أمام من يقبلون بمبادئه، وبما أن منطقة الخليج ستظل ركيزة للاستقرار في الشرق الأوسط، فسيسهم هذا التحالف في تعزيز الأمن والازدهار في المنطقة، ومساعدة دولها في مواجهة التحديات المختلفة التي تواجهها على الأصعدة كافة.

الجديد في كلمة الشيخ خالد أنها فسرت للمراقبين كلمات غامضة قالها الشهر الماضي نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الخليج العربي تيم لاندركينج، وأشار فيه الي نية واشنطن  عقد قمة في يناير المقبل لتدشين حلف جديد سيطلق عليه اسم "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" ويعرف باسم "ميسا". وأوضح المسؤول الأمريكي أن التحالف الجديد سيضم تسع دول عربية على رأسها دول التعاون الخليجي، السعودية والامارات وقطر والبحرين والكويت وعمان، بالإضافة لمصر و الأردن و الولايات المتحدة. ورغم أن لاندركينج لم يربط بين التحالف الجديد وبين حلف الناتو، فإن النية تتجه الي ذلك بشكل كبير. ولكن من حيث التوجه والأهداف وليس الشكل، فتحالف "ميسا" يستهدف دولة واحدة فيما كان "الناتو" يواجه كتلة تضم الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية.

وبما أن الأمر قد بلغ هذه الجدية، فلم يعد الأمر وقفا علي التصريحات والأحاديث، فما كشفه الشيخ خالد يأتي بمثابة تأكيدات لما أعلنه الأمريكيون وتدشين "ميسا" بالفعل ليكون هذا التحالف هو القوة الحقيقية لمواجهة أية مخاطر تتعرض لها المنطقة، وبالتالي سيكون علي أي قوة إقليمية أو غيرها مراجعة موقفها ألف مرة قبل التفكير في التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، ولا نخفي سرا أن هذا التحالف موجه بالأساس ضد إيران، حتي وإن كانت قطر عضوا بالتحالف وترتبط بالدولة الفارسية بعلاقات دبلوماسية واقتصادية وسياسية علي مرتبة عالية من التنسيق، وباختصار شديد فإن العلاقات القطرية – الإيرانية لن تثني دول تحالف "ميسا" من تدشينه لمراقبة النظام الإيراني عن قرب ووقف كل أنشطتها الإرهابية بالمنطقة.

وقد نقتبس هنا أوصاف المسؤولين الأمريكيين عن هدف تدشين تحالف "ميسا"، فهو سيكون درعا قوية في مواجهة كل التهديدات التي تتعرض لها  منطقة الخليج، ليس هذا فحسب حيث جاء التصريح علنا وليس غامضا بأن  إيران تمثل التهديد الأول للتحالف الجديد. ولنتذكر هنا معا هدف لقاء وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في نيويورك مع نظرائه في دول مجلس التعاون ومصر والأردن علي هامش أعمال الجمعية العامة شهر سبتمبر الماضي،  وقد خرجت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية عقب اللقاء بتصريح غاية في الأهمية رسخ فكرة أن  التحالف الجديد  هو "تحالف استراتيجي شرق أوسطي لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة ومواجهة أنشطة إيران الخبيثة الموجهة ضد المنطقة والولايات المتحدة".

إذن فالتحالفات والشراكات – كما كشف الشيخ خالد – أمر مقبول بين الدول المسؤولة والداعمة للاستقرار في المنطقة وحلفائها في الخارج لضمان الاستقرار الإقليمي، خصوصا في ظل التحديات التي تواجه دول المنطقة. وبناء عليه، يكون دور الشركاء هنا أو هدفهم الأسمي هو  التوصل إلى منطقة خليج وشرق أوسط مستقرين ومزدهرين بلا نزاعات بما يساهم بشكل إيجابي في الاقتصاد العالمي.

وبما أننا نتحدث عن "حوار المنامة" فإن وزير الدفاع الأمركي جيمس ماتيس، كشف بصورة أو بأخري عن التحالف أيضا بتأكيده أمام المنتدي ان بلاده تعمل على وقف التدخلات الإيرانية في المنطقة وأنها – أي واشنطن - لا تقبل بما تقوم به إيران اليوم حيث تواصل تهديد الملاحة الدولية وتزويدِ ميليشيات الحوثي في اليمن بالأسلحة والمعدات ليختتم مداخلته بقوله "الشراكة مع دول الخليج أساسية لنا ومستمرة".

وإذا كنا تحدثنا عما قاله وزير الخارجية الأمريكي بشأن التحالف المرتقب، فثمة مشكلة أشار إليها الوزير قد تعرقل عمل التحالف، خاصة إذا رجعنا الي تشدده   علي رفض أي وجود روسي بالمنطقة واصفا موسكو بأنها انتهازية وتتجاهل النشاطات الإجرامية للرئيس السوري ضد شعبه. فهو يؤكد أن روسيا "لا يمكن أن تأخذ مكان الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأن وجودها في المنطقة لا يمكن أن يحل محل الالتزام الطويل والدائم والشفاف للولايات المتحدة حيال الشرق الأوسط"..ثم أنه يختتم مداخلته بتهديد واضح وصريح ضد روسيا حتي ولو بإشارة مستترة عنها، عندما قال أن بلاده ملتزمة  بلا تحفظ بدعم الشركاء الذين يغلبون الاستقرار على الفوضى. وهنا مربط الفرس، فروسيا في وقتنا الراهن باتت محط أنظار  للدول الخليجية وغيرها وتمثل كفة ميزان موازية لاستئثار الولايات المتحدة بأمور المنطقة، والأمل معقود في أن نستفيد نحن العرب من  هذا التنافس الدولي علي الإقليم وتحقيق مصلحتنا الأساسية في مواجهة المخاطر الإيرانية.

لا أحد ينكر أن الأمن مطلب رئيسي لجميع سكان المنطقة فهو أساس استقرارها وسلامها وخلوها من الإرهاب والصراعات، ولذا فنحن في انتظار إعلان التحالف العربي الجديد.