صدى العرب : الأغاني الوطنية.. تأريخ للثورات والانتصارات وحب الأوطان (طباعة)
الأغاني الوطنية.. تأريخ للثورات والانتصارات وحب الأوطان
آخر تحديث: الجمعة 12/10/2018 08:11 م
أحمد المرشد أحمد المرشد
يخطيء من يعتقد أن الأغنية الوطنية هي نتاج العصرالحديث أو ما بعد عهودالاستعمار، لأن الأغنية الوطنية قديمة قدم الزمن، فكانت النساء في العصور القديمة يقرعن الطبول  لحظة مغادرة الجند القري والمدن الي القتال، ليسهذا فقط بل كانت النساء تنشد الأناشيد لحفز الجنود علي القتال والشجاعة علي مهاجمة الأعداء. فالأغنية الوطنية نشأت بنشوء الصراع والقتال بين العصبيات والقوميات، وفي مصر ربما كان سيد درويش أول من لحن الأغاني الوطنية الذي غني له المصريون عام 1919 أغنية "قوم يامصري" ليدغدغ بها مشاعرهم وحشدهم لمواجهة الاحتلال الإنجليز.

 

ولعل عبد الحليم حافظ من أشهر مطربي الأغاني الوطنية أ و الحماسية، والذي لقبوه فيمصر "مطرب ثورة يوليو"، ولم لا؟ .. فقد ساهمت أغانيه بقدر كبير في زيادة شعبية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وربطت شعبه به، فكان حليم  سباقا للغناء في كل مناسبة وطنية وساعده في هذا الشاعر صلاح جاهين والملحن كمال الطويل وغيرهم الكثير. فالأغنية الوطنية في مصر تحديدا بدأ تقبل ثورة يوليو ولكنها انتشرت بعد الثورة انتشارا كبيرا  وتباري جميع المطربين في أدائها خاصة وأنها كانت تحقق  نسبة استماع مرتفعة جدا  ناهيك عن ارتباط المطربين وقتها بالسلطة الحاكمة، وقد تألق جميعهم تقريبا في غناء تلك الأغاني ولكن لا أحد يباري عبدالحليم على الساحة سواء خلال فترة عبد الناصر أو منذ نكسة 1967 وحتي انتصار السادس من اكتوبر لحين إعادة افتتاح قناة السويس، فقد قدم نحو 15 أغنية وطنية من بينهم (النهار وابنك يقول لك يا بطل هات لي النهار وصباح الخير يا سينا وأحلف بسماها وبترابها وخلي السلاح صاحي).

 

ويكتب للأغنية الوطنية أنها موروث ثقافي يتبادر الي الذهن مع كل مناسبة تمر بها أي بلد لتزيد من مشاعر حب الأوطان بكلماتها القوية وموسيقاهاوطريقة أدائها، كما تعد الأغنية الوطنية تأريخا للأحداث السياسية التى مرت بها البلاد وتؤثر وتتأثر بكافة المتغيرات الموجودة وتساهم بقدر كبير فى تعبئة الشعور الوطنى  والقومى فى جميع المتغيرات  والأحداث السياسية.                                                                

 

وتعد ثورة 1919 من  أهم الأحداث المصرية التي أثرت في مجال الأغنية الوطنية والحماسية، وقد عبرت الأغنية فيها  عن الهوية المصرية حينماجسد فنان الشعب سيد درويش عبر ألحانه وصوته مطالب الثورة بنشيد (بلادي بلادي... لك حبي وفؤادي)، إضافة إلي أغنيتي "قوم يا مصري مصردايما بتناديك" و"أنا المصري كريم العنصرين..بنيت المجدبين الأهرامين".


 حتي يأتي عام1936 لينشد محمد عبدالوهاب أغنية "حب الوطنفرض علي... أفديه بروحي وعينيه"  اعتزازا بانتفاضة الطلبة واحتفالا بمعاهدة 1936 التي أبرمها مصطفي النحاس زعيم حزب الوفد مع الإنجليز نظرا لاعتبار المصريون تلك  المعاهدة انتصارا كبيرا في رحلة  كفاحهم ضد الاستعمار. 


ويستمر عبد الوهاب في أداء  الأغاني الوطنية ولكن هذه المرة بمناسبة اندلاع حرب فلسطين عام 1948 فأججت الشعور الفني والحس الوطني ، الأمرالذي دفع مطرب عصره آنذاك الي  أن يشدو بقصيدة علي  محمود طه التي تندد باحتلال  فلسطين "أخي جاوز الظالم ونال مدي... فحق الجهاد وحق الفدا" وغيرها. 


حتي يأتي عصر ثورة يوليو المجيدة لتظهر  التحولات الكبري في مصر لتفجر الأغاني الوطنية التي  انهمرت فور نجاح هذه الثورة،ولتهدي أم كلثوم محبيهاأغنيتها الخالدة (مصر التي في  خاطري وفى فمى أحبها من كل  روحى ودمى ) بعد أسابيع قليلة فقط من قيام الثورة، ثم  يتألق عبد الحليم – صوت الثورة النابض – ليبدأ أول أغنية وطنية له وهي "العهد الجديد" في نفس عام  الثورة، لتكون "إحنا الشعب" أول أغنية يغنيها للزعيم عبدالناصر بعد اختياره لرئاسة الجمهورية، ليتربع بعدها على عرش الأغاني الوطنية ومنها (صورة ، بالأحضان، أهلا بالمعارك، المسؤلية، قلنا هانبني وادي احنا بنينا السد العالي)،ولم يكن المطرب الكبير محمدعبد الوهاب بعيدا عن الثورة (ناصر كلنا بنحبك ، دقة ساعة العمل، والله وعرفنا الحب)،وشاركت أم كلثوم بقوة (مصرتتحدث عن نفسها، وأناالشعب.. أنا الشعب ، يا حبناالكبير ، ثوار ثوار، قوم بإيمان   وبروح وضمير، طوف وشوف). في حين قدم عبد الوهابب  ألحانه ملاحم غنائية وأوبريتات رائعة بمشاركة  مجموعة من نجوم الطرب مثل(عاش الجيل الصاعد، صوت  الجماهير، وطنى حبيبى) .

 

وتمر الأيام والسنون ويتوفي  عبد الناصر لتسكت الأغاني  الوطنية في مصر حتي يحقق  المصريون انتصارهم المجيد في6أكتوبر 1973 ليعيشوا مجددا حالة صدق فريدة مع أغنيات  رائعة عبرت بالفعل عن الحدث  العظيم إلى حد بعيد، فبعد ساعات قليلة من بدء المعركة  انطلق مبدعو مصر من مطربين وملحنين وشعراء ليبدعوا بمنتهي الصدق أغنيات خالدة  مازالت تسكن وجدان الملايين  ومن أهمها "بسم الله... الله  أكبر... باسم الله..باسم الله " للمجموعة، و"أنا علي الربابة  بغني" لوردة و"الباقي هوالشعب"  لعفاف راضي و(لفي البلاد يا صبية، قومي إليك  السلام يا أرض أجدادي، صباح  الخير يا سينا) لعبد الحليم. ولاننسي أغنية "أم البطل" لشريفة فاضل والتي غنتها بروحها بعدما ودعت ابنها الطيار المقاتل في أول أيام الحرب، وكانت "رايات النصر" للمجموعة، و"مصر يا غالية" لنجاح سلام، و"ع البر التاني" لنجاة، و"سمينا وعدينا" لشهرزاد..ليعيش المصريون  والعرب حتي يومنا الراهن  ذكري أغلي انتصار.

 

أما شادية فكان لها نصيب لابأس به من الأغاني الوطنية الرائعة في حرب اكتوبر وبعدها فغنت "رايحة فين يا عروسة" و"عبرنا الهزيمة"  وأحلي أغنية  وطينة بمناسبة عيد النصر  العظيم في ذكري تحرير سيناء "مصر اليوم في عيد" عام1982، وكانت قد غنت قبل ذلك  أغنية "يا حبيبتي يامصر" لتعبر بها عن النصر وإصرار  المصريين وعزيمتهم عل   يتحقيق النصر، وهي الأغنية   التي غنتها جموع المصريين في25 يناير و30 يونيو.

 

ونتذكر هنا أن المطربين العربساهموا أيضا بقدر كبير في  الأغاني الوطنية لمصر لتترك  أغانيهم أثرا كبيرا في وجدان  الشعب المصري، ومن بين هذه  الأغاني أغنية "يا أغلى اسم فى  الوجود" التي تعد  من أعظم   الأغانى الوطنية التى تغنت بهاالمطربة اللبنانية نجاح   سلام..ولم تكن مطربة لبنان  الفنانة الكبيرة فيروز بعيدة عن  المناسبات المصرية  لتغني"مصر عادت شمسك  الذهب" وكانت المطربة  التونسية عليا قريبة من  المصريين في أغنيتها الشهيرة"متقولش إيه إدتنا مصر"،وكذلك  قدم المطرب اللبنانى  وديع الصافى أغنيته الجميلة"عظيمة يا مصر ياأرض النعم".

 ونختم بالمطرب  الإماراتي حسين الجسمي الذي  أصبحت أغنيته "بشرة خير" الأغنية الوطنية الأولي في  مصر المعبرة عن ثورة 30 يونيو2013.

 

لقد تألقت الأغنية الوطنية  وترعرعت وقت الأزمات، ومن هنا  تبقي في ذاكرة الجمهور لاينساها خاصة مع تكرارالاحتفال بتلك المناسبات أو بعد  تحقيق الانتصارات، ولا تزال  تعيش الأغاني الوطنية لمحمدعبد الوهاب وأم كلثوم ووردة  وشادية وفايزة أحمد وغيرهم  الكثيرون لتعبر عن إحساس  وطني يتجدد، خاصة وأن لكل  فنان له تجربته الخاص بالغناء وطريقة تقديمها، ولا ننسي  جميعنا عرب ومصريون نشيد  بلادي بلادي الذي غناه سيد  درويش ليكون مبادرة خلاقة  لمئات الأغاني المصرية التي  بدأت القرن الماضي ومستمرة حتي يومنا هذا ولكن للأسف لايتم إذاعتها سوي في مناسبات محددة ومن أهمها حاليا ذكري   انتصار السادس من اكتوبر  التي احتفل لها المصريون  الأسبوع الماضي، وهي الحرب التي ارتبطت في أذهان