صدى العرب : قالوا العودة إلى المدارس (طباعة)
قالوا العودة إلى المدارس
آخر تحديث: الأربعاء 12/09/2018 11:10 ص
السفير: خليل الذوادي السفير: خليل الذوادي
هنيئاً لطلبتنا أبنائنا فلذات أكبادنا عودتهم إلى المدارس، مجالهم في مراحل العمر الأولى، حيث الشوق إلى الأصدقاء وزملاء مقاعد الدراسة، مع الحنين وشدة الشوق إلى إجازة الصيف الطويلة على الآباء قصيرة على الأولاد والبنات، من اليوم ورايح لا سهر أمام شاشات التليفزيون أو الهواتف النقالة أو الألواح الإلكترونية، والاستيقاظ مبكراً، حركة دائبة صباح كل يوم في البيت، واستعدادات على أشدها الكل له دور في تهيئة الطالب للذهاب إلى المدرسة... فرحة العودة اليومية من المدارس لم تتغير عند نفوس الطلبة، الأجيال التي سبقتنا وجيلي والأجيال اللاحقة، الاختلاف ربما أننا كنا نمشي على الأقدام عائدين إلى منازلنا، أما الآن فالطلبة بانتظار أولياء أمورهم أو الحافلات المدرسية الخاصة التي تنقلهم إلى منازلهم.
نحن الآباء نفرح برؤية أبنائنا وهم يحملون الحقائب، ونُسر لرؤية جموع الطلبة في كل المراحل الدراسية وحتى الجامعية؛ فهو منظر يبعث على الأمل والرجاء ويشيع في النفس التفاؤل والأمل في المستقبل، في الوقت الذي نشعر كأبناء أمة عربية من المحيط إلى الخليج العربي بغصة في القلب على أولئك الطلبة المحرومين من الدراسة لظروف الأوضاع السياسية المتردية والحروب والتهجير القسري والشتات والعيش في مخيمات بائسة لا تتوفر فيها أدنى الحاجات الإنسانية والعدد في تزايد، ويُعدّ بالملايين، دعاؤنا إلى الله أن يفرّج عنهم ويعيدهم إلى أوطانهم آمنين، وتكتمل فرحتنا بعودة أطفال أمتنا إلى مدارسهم حيث هم بُناة المستقبل.
كنا في وقتنا نعتبر الأسبوع الأول من بدء الدراسة عبارة عن التعارف على زملاء جدد، ومعرفة الفصل الدراسي الذي انتقلنا إليه، وانتظار المدرسين الذين سيأتون إلينا، بعضهم سيواصل معنا والبعض سيأتي إلينا من جديد، ولا تكتمل الدراسة إلا بعد توزيع الكتب علينا ومجيء المدرسين خاصة من أولئك المربّين من مصر، والأردن وفلسطين وسوريا ولبنان، بالإضافة إلى البحرينيين المتخرجين من جامعات خارجية أو المنقولين من مدارس أخرى.
اليوم على ما أعتقد تغيرت الأحوال فالمدارس مهيأة لبدء الدراسة من اليوم الأول، فقد باتت الساعات معدودة، بحيث لا تأخذ الإجازات المتوقعة من الساعات التي يجب أن يقضيها الطالب في الدراسة.
لكننا ابتلينا بالدروس الخصوصية والتعويل على أولياء الأمور في تدريس أبنائهم، وبات تطبيق تعاون البيت مع المدرسة يأخذ بُعداً آخر غير الذي كنا نحن في زماننا نعتقده ونؤمن به، ففي وقتنا كان المطلوب من أولياء الأمور حثنا على الدراسة وعدم لجوئنا إلى التأخير أو الغياب بأعذار واهية، وإذا تكرر غياب الطالب فيُدعى ولي الأمر لاستيضاح الأمر، اعتقاداً بأن هذا هو أشد العقاب لأن الطلبة فيما بينهم يتهامسون بأن الطالب تم استدعاء ولي أمره إلى الإدارة لجلل، فكنا نخاف من مغبة هذا اليوم غير المرغوب فيه أبداً.
كنا في بداية العام الدراسي علينا أن نختار أي جمعية نرغب في الالتحاق بها كجمعية الفنون، جمعية الإسعافات الأولية، جمعية الرحلات، جمعية الرياضة أو جمعية المقصف المدرسي وجمعية الكشافة، وكان لكل جمعية هدف لتعويد الطالب على تحمل المسؤولية، وفي نفس الوقت تحقيق أمنيته ورغبته وهوايته وإبداعه الذي قد يقوده مستقبلاً إلى مهنة أو حرفة أو هواية يسترزق منها في مستقبل أيامه، وكان أيضاً شعورنا بالانتماء إلى جمعية نحقق فيها ذاتنا وتثبّت عندنا شعوراً بحاجة الزملاء لنا.
وكنت من أولئك الطلبة الحريصين على الانتماء لجمعية مدرسية، وكنت أُنوّع سنوياً بالالتحاق بإحدى الجمعيات زيادة للخبرة والتعرف أكثر على الطلبة، وقد قررت في الأول ثانوي بمدرسة المنامة الثانوية للبنين في العام الدراسي 1966-1967م أن ألتحق بجمعية المقصف المدرسي مساعدة للمتعهد الخارجي، طبعاً بدون مقابل مادي سوى «روتي» واحد مع سمبوسة و«غرشة» مرطبات وأقوم بالبيع على الطلبة في الفسحة المدرسية، وكان هذا يلقى هوى في نفسي، فقد شعرت بأني أخدم طلبة المدرسة كلهم وأتعرف ويتعرفون عليّ، فكل طالب لابد أن يلجأ إلى المقصف المدرسي لأننا لم نكن نحمل في حقائبنا كما هو في الوقت الحاضر أكلاً من البيت.. واستمر الحال معي أسبوعاً بعدها وجدت نفسي يوماً في مشكلة فقد نقص من الحساب المفروض تسليمه إلى المتعهد في نهاية اليوم مبلغ 250 فلساً أي ربع دينار، وقد كان المتعهد رؤوفاً بي فقال: «لا عليك فأنا أعرف زحمة الطلبة وإلحاحهم على الطلبات والوقت قصير والربكة حاصلة ومرت على ظروف أكثر، والمبلغ بسيط سيتعوض إن شاء الله» ولكني شعرت بأني مقصر وذهبت إلى المعلم وطلبت إعفائي من هذه المهمة دون أن أشرح الأسباب فكان متفهماً وقال لي: «أعرف أن لا أحد يستطيع أن يستمر في هذه المهمة الصعبة، يكفي أنك استمررت أسبوعاً كاملاً».
عموماً لقد عودتنا الجمعيات المدرسية أن نخلص في عملنا وأن نتقبل تعليقات وشكاوى وتذمر الطلبة ولكن بالمقابل تعرفنا على طلبة المدرسة جميعاً ولم تقتصر معرفتنا على الفصل الذي نحن فيه.. الحياة المدرسية هي عالمنا الصغير الذي يهيئنا إلى المستقبل، فرسالة المدرس عظيمة ورسالة وزارة التربية والتعليم أعظم وعندما تتكامل رسالة البيت مع المدرسة فهذا هو المستقبل الحقيقي الذي ننشده، فهنيئاً لطلبتنا عودتهم إلى المدارس وهنيئاً لأولياء الأمور تلمس أبنائهم للمستقبل المشرق إن شاء الله، وهنيئاً للهيئات التعليمية ووزارة التربية والتعليم ببدء مشوار الحياة الصعب والمتفائل دائماً لخير هذا الوطن وأهله ومستقبله الزاهر إن شاء الله.
وعلى الخير والمحبة نلتقي