صدى العرب : رحلة شادية بين "قولوا لعين الشمس" و"خلاص مسافر" (طباعة)
رحلة شادية بين "قولوا لعين الشمس" و"خلاص مسافر"
آخر تحديث: الجمعة 31/08/2018 06:44 م
أحمد المرشد أحمد المرشد

رحلة شادية بين الأغاني الوطنية ولوعة الفراق

نواصل اليوم مع الطرب وعالم الأغاني وكواليسها، وحكايتنا اليوم عن المطربة المصريةالجميلة "شادية" صاحبة الوجه الملائكي الرقيق التي لا يزال جمهورها المصري والعربي يتذكرها في أغنية "مصر اليوم في عيد" في احتفالات تحرير سيناء في أعقاب معاهدة كامب ديفيد، وكانت وقتها الأغنية الأِشهر خاصةً عندما تألقت في أدائها وكأنها تغني لحبيب، فتألقت شادية في هذه الأغنية،  وكأنها  فتاة لم تتعد الأربعة عشر عاماً، فكل ما فيها غني، خدودها وعيونها وقلبها، واشتهرت وقتها بهز شعرها فيالهواء من فرط فرحتها وذوبانها في الغناء وكأنها تؤدي قصيدة شجن،  فكان الوطن عندها هو الحبيب والمبتغي..

 أما أغنيتهاالوطنية التي لا تتأثر بزمن هي" يا حبيبتي يا مصر" التي يشدو بها المصريون في كل مناسباتهم الوطنية، حتي أنها كانت الأغنية الأكثر غناء فيثورة 30 يونيو 2013 عندما أطاحوا بحكم جماعة"الإخوان" التي حاولت سلبالمصريين حرياتهم ومستقبلهم،فكانت شادية المعتزلة حاضرةبصوتها وتاريخها في كلميادين مصر.

ورغم شهرة شادية بـ"الدلوعة" حيث أدت في معظم أفلامهاأدوار الفتاة الأرستقراطية الرقيقة وغنت أغاني خفيفة يرددها كل عرسان مصر فيأفراحهم وأشهرها "مكسوفة" و" يا دبلة الخطوبة" وغيرها،فكانت لأغانيها الوطنية صداهالدي جمهورها.

ومن أشهر أغاني شاديةأغنية "قولوا لعين الشمس" وهي من الفولكلور المصري، ولكن أعاد كتابتها الشاعروالفنان التشكيلي مجدي نجيبب بعد أن ألح عليه الملحن بليغ حمدي عن يكتب أغنية مخصوصة لشادية وأسمعه لحناً كان قد قام بتلحينه مقدماً لكي يكتب عليه الكلمات. 

المهمة كانت صعبة للغاية لمجد ينجيب فهو فنان وشاعر وليسمؤلفا للأغاني ورفض مراراً فكرة كتابة أغاني لمطربين ومطربات خشية التأثيرعليه بحذف هذاوذاك، وليقينه بأن مؤلفالأغاني ربما يخضع لأهواءالمطرب أو المطربة قياسا لماسمعه من بقية زملائه المؤلفين،فكان يرفض أي عرض في مهده ولا يقبل به، إلا أنه استساغ فكرة بليغ حمدي ليخرج بكلماتأغنية "قولوا لعين الشمس" التي تألقت فيها شادية وغنتهاعام 1966 لتكون الأشهر وقتها. وتغلب مجدي نجيب علي خوفه وأبدع ليخرج بكلمات خير منعبرت عن فراق الحبيب، وتنم عن إحساس عال بالفراق والخوف علي المحبوب لدرجة أن الحبيبةتتمني من الشمس ألا تبثحرارتها غدا خوفا علي حبيبهاالمسافر: "قولو لعين الشمس\قولو لعين الشمس ماتحماشي \احسن حبيب القلبصابح ماشي \ماشي حبيبي ماشي ماشي بكره ماشي..ياحمام يا طير قابله قوام يا حمام\خلي له الشمس حرير يا حمام\ويا ناس لو غاب ياناس \خلوه يبعتلي سلام \دي الآه يقولها وهو ما يدراشي\وف بعده طعم الدنيا ما يحلاشي \قولوا لعين الشمس ما تحماشي".

 وتتواصل كلمات الأغنية التي سبق وأن غني المصريون مطلعها لبطلهم القومي إبراهيمالورداني الذي أعدم شنقا في19 مايو 1910 لإدانته بقتل بطرس غالي رئيس وزراء مصر آنذاك  انتقاما علي حكمه  الجائر – كان وقتها قاضيالمحكمة  في واقعة "دنشواي" -  بإعدام أربعة فلاحين مصريين والأشغال الشاقة المؤبدة على اثنين آخرين والسجن 15 سنةعلى أحدهم، والأشغال الشاقة لمدة 7 سنوات على 6 آخرين،غير أحكام أخرى بالجلد 50 جلدة على 8 من أهل القرية بتهمة قتل ضابط إنجليزي، مات جراء إصابته بضربة شمس، في أثناء قيامه وأربعةمن زملائه في يوم صيفي قائظبرحلة لصيد الحمام من أبراج قرية دنشواي بمحافظة المنوفية. 

 فقد استعد المصريون لليلة إعدام هذا الشاب ببيت شعر يقول "قولوا لعين الشمس ما تحماشي لحسن غزال البرصابح ماشي" في إشارة اليإبراهيم الورداني الذي انتقم منصلف الإنجليز وتحكمهم فيالعباد ولما شعر به بأن القاضيبطرس غالي تم مكافأته ليتولي منصب رئيس وزراء مصر فيواقعة لم تتكرر في الحياة السياسية المصرية لما قدمه للاحتلال من حكم جائر بحق بني وطنه المصريين. وقد خرجالمصريون في عرس جماعي ليلة تنفيذ حكم الإعدام فيالورداني ليودعوا بطلهم الشاب مرددين في إيقاع فريد أخرجوه من جراب تراثهم الشعبي:"قولوا لعين الشمس ماتحماشي لحسن غزال البر صابح ماشي".

ولم تكن هذه المرة الأولي التييغني فيها المصريون "قولوا لعين الشمس " حيث كانتمطلع أغنية شعبية غنوها أيضاً لبطلهم سعد زغلول عشيةنفيه خارج البلاد وقالوا فيها"قولوا لعين الشمس ماتحماشي لحسن رئيس الوفدصابح ماشي".

وقد تعرضت شادية بعد إذاعة الأغنية لسخرية شيخ شهير جداً كان ناقداً لاذعاً للسلطة في مصر ولكل المطربين تقريباً، وهو الشيخ كشك الذي لم يسلم منلسانه حتي الرؤساء، فسخر منكلمات الأغنية وكيف تطلب شادية من الشمس ألا تكون حامية غدًا، فمثل هذا الطلب شأنا من شؤون الخالق وحده، وهاجم مجدي نجيب بضراوة لأنه تجرأ وأمر الشمس ألا تكون حامية حتى لا تؤذِ عيون حبيبها ووصفه بالزنديق الذى يأمر مخلوقات الله وكأنه منخلقها. ونسي الشيخ كشك أنّ الإبداع ربما يتطلب استعارة بعض المعاني والمضامين. 

وكانت أغنية "غاب القمر يابنعمي" لشادية أيضا مسارسخرية الشيخ كشك بقولهلشادية :"لماذا تأخرتي ياشاديةمع ابن عمك حتي غاب القمر وأين كنتما حتي الفجر".

ولم ينس المصريون شادية فيمظاهرات أيام "الجمعة" التيخرجوا فيها ليعبروا عنغضبهم من حكم الإخوان،وكانوا يغنون "قولوا لعينالشمس" حتي تمر المظاهراتبدون أي ألم للمتظاهرين. فهكذاهم المصريون يواصلون غناهمفي كل الأوقات، ولكل مناسبةالأغنية التي تتماشي معها،وتظل شادية المطربة الأولي فيقلوب المصريين في هذاالمضمار، ولا ننسي مشاركتهافي أغنية "وطني حبيبي وطنيالأكبر" مع عبد الحليم حافظونجاة ووردة وفايزة أحمد،بمناسبة الاحتفال بثورة 23 يوليو الخالدة.

وبمناسبة "قولوا لعين الشمس" والخوف علي الحبيبمن حرارة الشمس، فقد غنتشادية أغنية من أروع ما تعبربه الحبيبة عن لوعة فراق منتحبه وذلك في أغنية "خلاص مسافر" التي تحرك القلوب الساكنة والأحاسيس المتجمدة، ويكفي بدايتها الصعبة والمؤلمة علي قلب كل ما فارق حبه، فقد عبرت عن شجون الوحدةوالغيرة وضياع الأمل في عودةنار الحب والقلب والصدر الحنون، وتحدثت عن الذكريات التي كانت جميلة وكم تتمني عودته.. وذلك في كلمات تقول :" خلاص مسافر\مسافرمسافر\صحيت في يوم منالأيام\حسيت إني يا عيني غريب حسيت بغدر الصحابوالي افتكرته حبيبي\ أصبح أناغريب غريب ولا حد جنبي قريب..خايفة لما تسافر على البلدالغريب\آه تنسى إنك فايت فيبلدك حبيب\مستني بأشواقتعباه تعباه \تعبان منالفراق\ومولعلك شمعة نورهامستنيك.. آه\وفي عيونه دمعةإمسحها بإيديك\كان نفسيأكون جنبك\حبيبة من بلدكتسهر على راحتك\تفرحلك فيفرحك وتقاسمك فيجرحك\والهم تشيله عنك\خايفةتلاقي وردة تحلو فيعينيك\تنساني وتميل تقطفهابإيديك\وتجرحك الأشواكوتتعذب هناك\اقطفها بإيدياوما تجرحش إيديك\سيبالجرح ليا وخلي الفرح ليك\بسإ رجعلي تاني تاني \تاني تانيتاني من البلد الغريب".

وبمناسبة شادية التي تمناها قلب كل مصري حبيبة له، يحضرني حكاية لصديق صحفي من فرط حبه وعشقه لشادية بما يحمله وجهها منجمال فائق وعيون ساحرة وخدود وردية وروح ملائكية، فقد قرر ألا يتزوج سوي شادية.. بمعني أنه سيبحث عن شبيهة لشادية في كل مكان، حتي قادته الصدفة إلي زميلة في دورة دراسية بعد تخرجه تكاد تكون هي شادية بكل ما تملكه من أوصاف ساحرة، واقترب منها وشعرا معًا بكيوبيد الحبي ضرب قلبيهما، حتي أن زملاءه في نفس الدورة أشبعوه حسداًعلي فوزه بقلبها وجمالها ووصفوها بأنها "فولة وانقسمت نصفين" في إشارة الي شدة شبهها من شادية، ولكن يبدو في نهاية المطاف أن العائق المادي وقف حائلاً دون إتمام الحب بالزواج ليفارق صديقي "شاديته بجمالهاوعيونها وشعرها وروحها" لينخرط في عمل وراء عمل ليكتشف في نهاية الأمر أنه عندما وجد المال طارت الحبيبة، ولم لا؟ فمثل شادية لا تنتظر ففرسانها كثر.

إنها شادية – أيقونة الحب – التي من فرط حبها لحبيبها تتمني جرح يدها هي حتي لاتصاب أيدي حبيبها بشوكة  إذا  قطف وردة، ولدي صديقيكل  الحق  في أنه لا يزاليعشقها ويستمع لأغانيها يومياً، ورغم اكتساء شعرهباللون الأبيض إلا أنه يعيشعلي حبه الضائع ويتمني أنتعود به الأيام ليعانق حبيبته شادية التي أحبها وتغني بجمال قدها وخدودها وعيونهاحتي أن صوتها الرقيق يرن في أذناه حتي يومنا هذا.

كاتب ومحلل سياسي بحريني