صدى العرب : حملات التزوير للتاريخ العربى والإسلامى .. لماذا ؟ (طباعة)
حملات التزوير للتاريخ العربى والإسلامى .. لماذا ؟
آخر تحديث: الخميس 01/12/2016 10:48 م بقلم .. دكتور أحمد حسين النمكى ..


لماذا تعرض التاريخ العربي والإسلامي على وجه الخصوص لحملات تزوير وتشكيك لم ولن تنتهي ؟ وقد بدأت تلك الهجمات مع ظهور الرواية للحديث النبوي فقد روى كثير من الرواة الكذبة الروايات ونسبوها إلى النبي أو الصحابي أو التابعي ولفقوا لتلك الروايات الأسانيد ولكن قيض الله من أبناء تلك الأمة من يدرس وينقح ويميز الخبيث من الطيب وما عرف في الاصطلاح ـ علم الجرح والتعديل ـ فقد تم عن طريق هذا المنهج حفظ التراث النبوي من أيدي العابثين وانتحال المبطلين .


ومن المعروف أن علم التاريخ صنو لعلم الحديث ، ولما كان التاريخ هو العلم الذي يختص بروايات الحوادث والأزمان ورسم معالم الشخصيات التاريخية الحقيقية أو الأسطورية ، ومن ثم فإن القرآن الكريم ملئ بالشخصيات التي لم ينقل إلينا إلا القليل من الروايات التي تصور لنا الأحداث المعاصرة لهم كالأنبياء والملوك ، وما روته آيات القرآن الكريم بالنسبة لمساحة الزمن الذي عاشوه قليل جداً ، ومن هذا المنطلق دخل الرواة ووضعوا قصصهم وأحاديثهم وخرافاتهم ووضعت كأنها مسلمات لا تقبل النقاش ... لماذا ؟ لأنها تتعلق بالتاريخ الديني !!! وكان هذا من أقدس المقدسات في العصور السابقة .


ولا يغيب عن البال أن الشعوب التي غزاها العرب وفتحها الإسلام كانت حاقدة على العرب والإسلام فألفوا كتباً لا أساس لها من الصحة في العيوب والمثالب العربية ، كذلك الفرق الحاقدة على الصحابة والتابعين فقد ألفوا كتباً في ذمهم وشتمهم والكذب عليهم ، وإسناد الروايات الكاذبة إلى بعضهم لكي يشكك القراء في عقيدة هؤلاء وهؤلاء ، وأثمرت تلك الأحقاد ما يعرف بالشعوبية والشعوبيين ، فقد أتيحت الفرصة لهؤلاء أن يدسوا الغث والمنحول في صلب التأريخ العربي والإسلامي ، وكانت تلك الروايات التي وضعها الرواة سبباً في تحريف الإسلام وتحويله عن مساره الطبيعي .


لم يكن الرواة الذين فكروا في دس الروايات الكاذبة يلعبون أو يلهون بل كانوا جادين في السير نحو هدم الإسلام عن طريق روايات يعلمون أنها ستصير بعد زمن من الروايات تسلم المفكر إلى منعطف أو منحنى لا صلة له بالإسلام أو عقائده ، بل تصرف إلى التأويل الخادع أو التسليم بالمخادعة التي خطط لها هؤلاء سلفاً ، الأمر الذي يصل بالقارئ العادي ـ والمتخصص أحياناً ـ إلى الصدام الفكري والعقدي مع مسلمات الإسلام وثوابته ، وهذه أسمى غايات وأماني الرواة ـ الزنادقة ـ أو ما نطلق عليهم في زماننا العلمانيين أو الملحدين ـ فليس لهؤلاء من مأرب سوى التشكيك في هوية الوحي والرسالات بالمناقشات السوفسطائية التي تهدف إلى التشكيك .


كان الرواة يكذبون ولكن علماء الحديث وراء هؤلاء يتعقبونهم بالمرصاد ، فكان إذا كذب الراوي حاسبوه بالسنين ، بمعنى أنهم حسبوا عمره وعمر من روى عنهم ومن ادعى أنه قابلهم أو روى عنهم ، ومن ذلك ما رواه السخاوي في [ الإعلام بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ص 9] أن سهيل بن ذكوان أبو السندى روى عن السيدة عائشة رضي الله عنها وزعم أنه لقيها بواسط ، ومن المعروف أن مدينة واسط قد خططها الحجاج بن يوسف الثقفي بعد موت عائشة بمرحلة من الزمن ، أي أن مدينة واسط ليس لها ذكر في زمن عائشة ، ومن ثم يتبين أن الراوي   كذاب .


إن الكذب في الرواة من أكبر المصائب التي يصاب بها علم التاريخ ، ولولا المقارنات والتواريخ لأمكن لكل من هب ودب أن يقول ما شاء وكيف شاء ، وعلى حد تعبير بن المبارك : لولا الإسناد لقال من شاء كيف شاء ، فالإسناد من الدين ، والرواة الكذبة لا يعتبرون صحيح الدين بل هم يهدفون إلى هدم الدين أصلاً .


وهناك رواية أوردها مسلم في صحيحة وعلق عليها النووي وأوردها السخاوي في التوبيخ قال أبو نعيم حدثنا أبو ائل قال خرج علينا ابن مسعود بصفين ، فقال أبو نعيم ( تعليقاً على هذا القول) : أتراه بعث ـ أي ابن مسعود ـ بعد الموت ؟ لقد حدثني عمرو بن على وحسن الحلواني عن عفان بن مسلم قال كنا عند إسماعيل بن علية فحدث رجل عن رجل فقلت هذا ليس بثبت ، قال : فقال : لقد اغتبته ، قال إسماعيل ما اغتبته ولكنه حكم أنه ليس بثبت , ويقول النووي ومعنى هذا الكلام أن المعلى كذب على أبى وائل في قوله هذا ، لأن ابن مسعود توفى سنة 32هـ أو سنة 33هـ وهذا قبل انقضاء خلافة عثمان بن عفان ، بينما كانت معركة صفين في خلافة على بن أبى طالب وبعد ذلك بسنتين فلا يكون ابن مسعود خرج عليهم بصفين ، فتعين أم يكون الكذب صادر من المعلى بن عرفان مع ما عرف عنه . 


لقد كان الصراع الديني بين الإسلام وغيره من الديانات التي أقحمها أهلها في صراع دام مع الإسلام سبباً مباشراً في المحاولات المستميتة لتحريف وتزوير الإسلام عن طريق تحريف الكلم عن مواضعه ، ولكن لما وجدوا هذا من الطرق ذات السدود المنيعة لجأ الرواة إلى دس رواياتهم في بطون الكتب الخاصة بهم ، هذا فضلاً عن المناظرات التي يبرز فيها أصحاب النحل الأخرى خوارق دياناتهم ليكون لها القدح المعلى في السباق الديني ، ولكن هيهات لهم ، فاضطروا إلى افتعال روايات وتنميق أباطيل لها بصيص من الواقع لكي تخايل القارئ البسيط ، ولكن كان التأريخ من أضبط الأدلة على كشف هؤلاء وتعريتهم أمام قراء التاريخ .


كما كان للسياسة وعالم الحكام ومؤسسي الدول دور كبير في تزوير أسباب القيام والصعود والانهيار للدولة ، وثم الإيعاز للكتاب والمؤرخين ـ أتباع السلاطين وحاشيته ـ بأن يكتبوا التاريخ الذي يتناسب مع الحاكم وإظهاره بمظهر القوى الشجاع ، ولذا كانت بدايات نهوض الدولة في حاجة إلى تدقيق كبير لما أصابها من تحريف المؤرخين ووضعهم روايات تليق بالحاكم الذي يغدق عليهم بالهبات والإنعامات ، فالتاريخ مكتوب في الغالب من خلال أملاءات الحكام والسلاطين أو من خلال كاتب قد غرق في خيرات الحكام .


إن كثير من المؤرخين كتبوا التاريخ وترفرف على أكتافهم روح العنصرية أو الطائفية ، وهؤلاء قد يخفى أمرهم على كثير من الناس ، أمثال فيليب حتى ، وجورجى زيدان ، وغيرهما ، وفى الماضي أمثال اليعقوبي والمسعودي وغيرهما ، وهناك طائفة المستشرقين الذين احتضنوا فكرة التزوير والطعن في النصوص الصحيحة تحت مسمى النقد أو الليبرالية ، وهناك من يغذون روح الانفصالية والضمير العدائي لتمزيق وحدة المسلمين ، فالمحاولات قائمة على تفريغ الإسلام من محتواه .