صدى العرب : نحن والسوق المسقف (طباعة)
نحن والسوق المسقف
آخر تحديث: الخميس 02/08/2018 12:02 م
السفير: خليل الذوادي السفير: خليل الذوادي
الأجيال التي سبقتنا وجيلنا استبشرنا خيرًا بفكرة إعادة سوق المنامة القديم المعروف «بالسوق المسقف» إلى سابق عهده، لجان تشكلت وخبرات توافدت، واجتماعات عُقدت، وجهود تضافرت، وحماس منقطع النظير؛ خصوصًا أن من بين أعضاء هذه اللجان أبناء وأحفاد رجال كانوا هنا ملء السمع والبصر في سوق المنامة عندما كانت هذه الأسواق في المنامة والمحرق بمنزلة منارات إشعاع اقتصادي وتجاري ومالي في منطقة الخليج العربي، والمنطقة العربية، وكان سوق المنامة تحديدًا يعج بالحركة والنشاط منذ زمن الغوص على اللؤلؤ إلى تدفق النفط وما استتبعه من تطور في المعروض من البضائع الأصلية التي لا تعرف التقليد، فكما حافظت البحرين على لؤلؤها الطبيعي، ودقة وضمانة الذهب البحريني وأصائل الخيل العربية، فقد حرصت على اقتناء البضائع الأصلية ذات الجودة العالية، إلى تلك المقاهي التي يفد إليها الناس لتبادل المنافع والتعارف وتبادل الرأي والمشورة واحتساء الشاي «الحمر» أو «الملة» التي هي عبارة عن الشاي بالحليب، إلى تلبية حاجة المدخنين من «القدو» الذي أصبح بمفهومه الحديث «الشيشة» وكان التدخين يومها محصورًا على الرجال، وربما أصحاب الوجاهة.

أنا وجيلي لم تتح لنا الفرصة لصغرنا لنعيش تلك الأسواق المعتبرة، وإن كنا قد تعرفنا على أماكنها وأسمائها من قبيل التراث والمواقع الأثرية التي أصبحت خالية من الرجال الذين كانت لهم صولات وجولات في تسويق البحرين ولؤلؤها وخيراتها من «الرطب» و«التمور» وشتى أنواع الخضروات، إضافة إلى مكانتها سوقًا لبضائع الترانزيت التي اشتهرت بها موانئ البحرين في المنامة والمحرق.

الحمد لله أن جيلي قد أُتيحت لنا الفرصة لمشاهدة سوق المنامة المسقف وكان فيه رجال ومحلات عرفوا بعشقهم للتجارة والثقافة والأدب وحب الزائرين والترحيب بهم واقتنائهم للبضائع الأصلية من مختلف البلدان ومن بينها طبعًا الأوروبية.

ففي الثقافة والصحافة والأدب المكتبة الكمالية لسلمان كمال، والمكتبة الوطنية لإبراهيم عبيد، ومكتبة الماحوزي، إلى محلات يوسف بن أحمد كانو، وحسين يتيم ومحل الشيخ عبدالرحمن بن محمد آل خليفة للأثاث وأشرف، وأخوند عوضي، والمتجر الشرقي، وخليل المؤيد، والمحروس وصفي وعبدالرحمن الزياني وعبدالرحيم كمال، وخضوري، ونونو وحاجي، ويعقوبي وفخرو، ومتجر جميلة ومتجر روبين، والوزان والشكر، وغلام محمد، وغلام مرتضى والحمدان، وعبدالعزيز الخاجة، وعبدالرحمن، وإبراهيم أجور، وأفندي، وزباري، وصالح الزري والمديفع، والرياش، ومحمد حسن باقر، وسلمان الزياني والشتر ومتجر القاهرة لحسن خنجي، وجواد ومتجر شكيب، والجشي، والعريض والدوسري وصادق وتقي البحارنة، وعلي الأمين، والزين، والعلوي والمعتز، وصلاح الدين والهرمسي الهاجري والرومي ورفيع والفردان وخاتم وزين العابدين والسلمان، وخلف والزيرة وبوكنان، والحواج، ومتجر ابن الشيخ، واليوسف، وشريف، والهاشمي والمسقطي والحلواجي، وعيسى بوحجي، وآلو بشير وطرادة، وباعة الشربت «العصائر»، وسلمان كيكسو، وحذاء لطيف، والنامليتي وبهزاد للأدوات الكهربائية، والباكر للعطور ومحلات الغريب، ودار جيلنك للأدوات الرياضية، وخنجي، والكوهجي وأسماء حفظها التاريخ لمؤسيسها كانت ولمن أتى بعدهم من أبنائهم وأحفادهم الدور في نهضة البحرين وتقدمها الإقتصادي والتجاري والمالي وكان من بين هؤلاء التجار من كانوا المؤسسين للبنوك الوطنية، والبنوك التجارية الأخرى إلى الأعضاء في غرفة تجارة وصناعة البحرين؛ بالإضافة إلى زوايا لمهن وبضائع معينة لسوق الصفارين والتناكة وبائعي المواد الغذائية والحلوى البحرينية وألعاب الأطفال والصيدليات والحواج إلى خياطي الملابس الرجالية والنسائية والأطفال.

فالعودة إلى إحياء سوق المنامة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار كل ذلك التاريخ ورجاله ممن ذكرناهم وممن لم تسعف الذاكرة بذكرهم مع أشد الاعتذار، لكن الناس الذين قبلنا يحفظونهم عن ظهر الغيب، وليت يكون لمؤرخينا جهد في ذلك التاريخ لنحفظ لأسواقنا مكانتها ودورها الرائد في تجارة البحرين وتبوأها المكانة اللائقة بها ودور الرجال التجار في ذلك. 

شخصيًا يروق لي يوميًا عندما أكون في مملكة البحرين أن أزور سوق المنامة مبتدأً مشواري من موقف السيارات بالقرب من فندق الريجنسي إلى آخر السوق شمالاً وجنوبًا شرقًا وغربًا، ففي كل زاوية وكل حارة تستحضر التاريخ والرجال الذين كان لهم الدور المؤثر في مكانة البحرين تجاريًا، وقد عودت أبنائي وأحفادي لزيارة هذا السوق والتمتع بأجوائه رغم إختلاف البضائع واختلاف الأسماء، واختلاف من يدير ويشرف على هذه المحلات، لكن تبقى الذاكرة بما وعت تستحضر تلك الأيام الخوالي، وكلما صادفت في أسفاري رجالاً من الزمن الماضي ممن زاروا البحرين يذكرون بالاسم تلك المحلات التي كانت لهم فيها ذكريات عندما كانوا يأخذون حاجاتهم من سوق المنامة وما يعج فيه من بضائع لمختلف الأذواق، وكانوا يأتون إلى البحرين في مواسم مختلفة شعورًا منهم أن في كل موسم توجد البضائع المناسبة.

نعلم أن الأسواق هي أحد أهم مقومات السياحة الحديثة، وأُجزم أن مملكة البحرين تمتلك هذه الذخيرة وهذه الميزة النادرة من الأسواق، ومع تقديري واحترامي وإشادتي بما شهدته بلادي من مجمعات تجارية فخمة ورائعة وعلى مستوى دولي رفيع إلا أننا علينا الاهتمام بأسواقنا القديمة في المنامة والمحرق والرفاع، فهذه الأسواق هي هوية الوطن والناطقة باسمه والمعبرة عن شخصية المواطن الذي بنى بلاده وعاش وهو يحمل على أكتافه تميز مملكة البحرين وقدرتها على المنافسة، ودخوله إلى الأسواق العربية والإقليمية والدولية واكتسب السمعة الطيبة وحسن التعامل والصدق في البيع والشراء.

أعلم أن الجهود التي بُذلت كانت ومازالت تحمل في صدرها وقلبها هذا الإحساس والشعور بأهمية إحياء وتطوير سوق المنامة والمحرق، ولنبدأ بالبذرة الأولى لنبني عليها، فبداية الطريق خطوة تتبعها إن شاء الله خطوات.

 

وعلى الخير والمحبة نلتقي