صدى العرب : التاريخ ينصف المبدعين (طباعة)
التاريخ ينصف المبدعين
آخر تحديث: الأربعاء 04/07/2018 09:43 ص
السفير: خليل الذوادي السفير: خليل الذوادي
إنها لحظات وفاء لمبدع إذاعي كان ملء السمع والبصر عندما كان المستمعون العرب من المحيط إلى الخليج العربي يستمعون ويتحلقون حول إذاعة صوت العرب وبرامجها التي تنمي الشعور الوطني والقومي والعروبي، حينها كان الراديو هذا الجهاز الأثير إلى النفوس الذي لا يكاد يخلو بيت أو مقهى أو نادٍ منه، وكان النجوم المذيعون الذين يقدمون الأخبار والبرامج والتعليقات بالفعل نجوم زواهر يعرفهم الكثير من الذين يتابعون الراديو سلوة المستمعين في ذلك الزمان... كان يوم الخميس 28 يونيو 2018م موعد حفل تأبين إذاعة صوت العرب للإذاعي المصري الكبير الراحل أحمد سعيد الذي توفي يوم 4 يونيو 2018م، وذلك باستديو الإذاعة المصرية بمسبيرو بالقاهرة، بحضور الأستاذة الإذاعية نادية مبروك رئيسة الإذاعة المصرية والدكتورة لمياء محمود رئيسة شبكة صوت العرب التي أدارت الحفل بتمكن وتميز. ولفيف من زملاء الراحل ممن عملوا معه، وتتلمذوا على يديه، وبحضور عائلته الصغيرة السيدة أرملته (أم خالد) وابنه خالد وزوجة ابنه ليعبر كل واحد من زملائه عن شعوره الشخصي تجاه الراحل الكبير وعطائه لمهنة عاش من أجلها وظل وفياً لبلاده وأمته ولصوت العرب إلى أن فارقنا وهو لا يمل ولا يكل عن الحديث عن تجربة إذاعة صوت العرب الفريدة والمتفردة والتي أسهمت كثيراً في إيقاظ الوعي القومي والعروبي، وكان يرحمه الله الحريص على أن تظل شعلة صوت العرب متقدة حتى عندما تغيرت الظروف والأوضاع وتنوعت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وملئت سماء الكون بموجات إذاعية متعددة وقنوات فضائية وأرضية يعجز المرء عن حصرها وكذلك الشبكات العنقودية التي تتم متابعتها بشكل مذهل، فقد كان هو وجيل الإذاعيون حريصين على أن تظل الإذاعة منبراً إعلامياً لصيقاً بالناس وهمومهم وتطلعاتهم، والحمد لله أن إذاعة صوت العرب من القاهرة لازالت تحمل بين جنباتها هذا الشعور والمسؤولية الملقاة على عاتقها وتسعى من خلال أخبارها وبرامجها أن تكون لصيقة بمستمعها العربي والمصري، وأن تقدم له النبض العروبي الأصيل من خلال التواجد في تغطية الفعاليات العربية في كل قطر عربي ومن خلال تواجدها في اجتماعات اتحاد إذاعات الدول العربية بتونس التابع لجامعة الدول العربية وإعلامها العربي، ولذا كان من الوفاء أن تقوم جامعة الدول العربية برعاية كريمة من معالي السيد أحمد أبوالغيط الأمين العام يوم 12 يوليو 2017م بتكريم إذاعة صوت العرب، التي انطلقت بنفس عروبي قومي يوم 4 يوليو 1953م، والتكريم تم أثناء انعقاد اجتماعات مجلس وزراء الإعلام العرب في دورته العادية 48.
 كون إذاعة صوت العرب الإذاعة القومية العربية الرائدة، وكذلك تم تكريم الإذاعي الكبير أحمد سعيد وبحضوره شخصياً ومنحه جائزة التميز الإعلامي كونه المؤسس لصوت العرب الإذاعة التي لازالت تتواصل دائماً مع الإذاعات العربية المختلفة من خلال إنتاج عدد كبير من الأعمال الدرامية والبرامج المنوعة والغنائية المختلفة لسنوات مديدة.
والتكريم تم في تظاهرة وفاء إعلامي كان لابد منها في ظروف نواجه فيها كإعلام عربي تحديات تريد أن تزعزع إيماننا بقدراتنا ومواهبنا في أعمال إعلامية إذاعية وصحفية وتليفزيونية كان هدفها عند إنشائها أن تكون معبرة عن هموم وتطلعات أمة، فهيهات أن يتزعزع هذا الإيمان في نفوس من يعملون بإخلاص وتفانٍ من أجل إعلام عربي شريف ينشد الخير لأمته ويكرس مفاهيم التعاون والتضامن لخير المستمع والمشاهد، والأمل هو أن يظل هذا النفس وهذا الشعور والإحساس لدى من يحملون أمانة وشرف الكلمة ويحرصون على إبراز الصورة الناصعة لأمة قدر لها أن تعيش بكبرياء وإباء وشمم.
أحمد سعيد المذيع والإداري عندما كنا نلتقيه في مناسبات كثيرة كان دائم الحديث عن تجربته كإذاعي وانطلاقة صوت العرب كإذاعة نذرت نفسها لأمتها، ومواقف كثيرة صادفها في بلاده وفي بلاد عربية أخرى، وكان صريحاً في إيراد وقائع ومواقف لشخصيات آمنت برسالة صوت العرب ودورها المؤثر، وكان يتحمل رحمه الله الكثير من الانتقادات التي سمعها وقيلت عنه فهو لا يبرر ولا يدافع عن نفسه، ولكنه كان مؤمناً برسالة الإذاعة ودورها المؤثر وكان واثقاً بأن التاريخ سينصفه وسيعلم الآخرون قيمة الرسالة التي اضطلع بها والمهمات الجسام التي تحملها، والمرء منا لا يمكن أن يبلغ الكمال، فالكمال لله وحده، ولكن الانصاف لرجال أعطوا الكثير من وقتهم وجهدهم وفكرهم واجب وحتمي لكل من يقدر أدوار هؤلاء الرواد والرسالة التي تحملوها والواجب الذي قاموا به حتى تخرج على أيديهم أجيال من الرجال الأمناء الذين ما برحوا يقدرون ثقل الأمانة التي أُنيطت بهم وعظم الرسالة التي كلفوا بها.
الإعلام رسالة لا تكتمل إلا برجال ونساء أخلصوا لمهنتهم وتفانوا في أداء واجبهم ويتحملون الكثير من الانتقادات، لكنهم أيضاً يفرحون بكلمة الثناء وعبارات التقدير، فالعمل الإعلامي متواصل العطاء والعاملون فيه نذروا أنفسهم ليكونوا في موضع ثقة الأمانة التي أُنيطت بهم.
الراحل أحمد سعيد من أجيال إذاعية كانت لها بصماتها الواضحة في الإعلام المصري تحديداً والإعلام العربي على وجه العموم، فقد كانوا من خلال برامجهم وأحاديثهم الإذاعية مدارس تعلم منها الكثير من الإذاعيين، بل أن بعض هؤلاء الرواد ساهموا في إنشاء إذاعات عربية في أقطارنا العربية وكانت لهم بصماتهم الواضحة..
كانت هذه الروح الإعلامية هي السائدة في محيطنا العربي فكانت الزمالة والتواصل عنوان هذه المراحل، وكان التنافس الشريف من خلال المهرجانات العربية الإذاعية والتليفزيونية هو العنوان الأبرز في التعاون وتبادل الخبرة والمعرفة... فالمبدعون الإعلاميون من جيل أحمد سعيد وما بعده لا ينسون، وهذه شهادة أحد تلاميذ الإذاعي الراحل أحمد سعيد وهو الإذاعي الشاعر المصري المبدع علي مصطفى، حيث قال في قصيدة رثاء أحمد سعيد، وأذاعها لأول مرة أثناء حفل تكريم إذاعة صوت العرب من جامعة الدول العربية في بث إذاعة خارجية منقول على الهواء مباشرة حيث حملت القصيدة عنوان «أحمد سعيد المجد».
هذي نجوم لامعة
في الليل تسطع تجتمع
أصباح تجمعها معه
فتنير موطن أمة
لا مثله في الأرض لا.. ما أروعه.
فترى بنور الله تنطق قوله.
لغة العروبة مسمعة
والحبل ممدود الوصال بقوة
لا تفترق.. فيضمهم في جامعة
والصوت.. صوت العرب.. يا صوت العرب
صداح في أركانها
بالحق تصدح خاشعة.
إلى أن يقول:
في الشرق بالخلجان في الغرب مغربها
كل الأسئلة مشرعة
وجنوبها السودان وشمالها لبنان
من حام يلقى مصرعه
هي في الحشا متموضعة
والمسجد الأقصى هنا
في القلب يلقى موضعه
مهلاً فلسطين الحبيبة
لن تكوني ضائعة
في الصوت أنت في القلوب
وفي الأماني الرائعة
وفي الحنين وفي اليقين
وفي الحقائق ناصعة
ويختمها الشاعر الإذاعي على مصطفى بالقول:
صوت العرب هو صوتهم
نبراتهم متجمعة
هذا «سعيد» المجد يحمد مجدها
وأنا أُعيد المجد أن آتي معه
«أحمد» رفيع المجد هات جنبه
من لو تريد ترفعاً.. كي ترفعه
«أحمد سعيد» الصوت.. يا «صوت العرب»
تلقاه كل العرب في بيت العرب
تلقاه حباً تحتفي
هذا إليكم موضعه
رحم الله الإذاعي المبدع بوخالد أحمد سعيد، وعزاء الإعلاميين أنه ترك تراثاً إذاعياً متميزاً تفخر به الأجيال.
وعلى الخير والمحبة نلتقي